خيارات تجاوز مشكلات وتحديات اتمام المصالحة لتتسلم حكومة الوفاق الوطني مهامها ومسؤولياتها في غزة
الاتفاق على إدارة سلاح المقاومة وتنظيمه وإخضاعه إلى جانب قرار المفاوضات لقرار وطني وألا يكون خاضعًا لفصيل
تهديدات شديدة اللهجة عن القائد العام للحركة في غزة يحيى السنوار بأنه "سيقطع عنق كلّ من لا يريد المصالحة" في ظلّ غياب شخصيات مهمة، ومتقدمة في الحركة عن لقاءات المصالحة كخليل الحية وفتحي حماد ومحمود الزهار، وصوت خالد مشعل.
خاص الحدث
يبحث اليوم الإخوة المتصالحون في حركتي (فتح وحماس) في العاصمة المصرية/ القاهرة الملفات الحكومية والقضايا الأمنية الخلافية وامكانيات معالجتها باشراف المخابرات المصرية، وذلك استكمالاً للمصالحة بناء على الاتفاق الثنائي بين الحركتين.
ويتوقع خبراء سياسيون واقتصاديون ومراقبون إعلاميون أن أولى القضايا بالغة التعقيد التي سيبحثها فريقا الحركتين هي دمج الموظفين وتبعات ذلك على الخزينة إن كانت قادرة على توفير رواتبهم والبحث على اموال لتغطية كلفة هذا الدمج الوظيفي، بعد أن شُكَّلت لجان إدارية وفنية لكل وزارة، ويرأس تلك اللجان نائب رئيس الحكومة زياد أبو عمرو.
وثاني أهم القضايا الخلافية وقد تكون أخطرها على الإطلاق القضية الامنية ابتداء من استيعاب قادة وكوادر وعناصر تلك الاجهزة في قطاع غزة في تشكيلات نظيرتها الرسمية التابعة للسلطة الوطنية، ومواقعهم في تلك الاجهزة ومدى تأثيرهم في قراراتها، والأهم في هذا الجانب: هل ستقبل حماس وجناحها العسكري بما أعلن عنه الرئيس محمود عباس (أن لا سلاح الا سلاح السلطة الوطنية)؟ وستقبل تسليم كل ما لديها من عتاد عسكري لحكومة الوفاق الوطني هناك؟ والسؤال هنا: هل ستقبل خسارة قوتها بتسليم سلاحها؟.
ويتوقع المراقبون أنه بعد العودة من القاهرة، ستعود الحكومة ثانية إلى القطاع لتنفيذ التفاهمات بخصوص عملية الدمج في الوزارات المدنية، والبدء بتسلّم المعابر، التي سيكون مسؤولاً عنها موظفون مستنكفون مع بعض الذين عيّنتهم حركة (حماس)، على أن يتولى تأمينها حرس الرئاسة في غزة.
ربطت حكومة الوفاق الوطني التي عقدت أول اجتماعاتها في غزة بعد توصل الحركتين لتفاهمات مبدئية للمصالحة الثلاثاء الماضي تسلّم مهمات عملها ورفع الإجراءات العقابية التي اتخذتها ضد سكان قطاع غزة، بنتائج جلسات مباحثات القاهرة بين الحركتين.
وفي ختام جلسة الحكومة في غزة، قال يوسف المحمود -الناطق باسم الحكومة: (إنَّ الحكومة ستنظر في رفع الإجراءات التي اتَّخذتها في غزة، كتقليص رواتب الموظفين وتخفيف إمدادات الكهرباء، في أعقاب تلك المحادثات، وسيتقرر بعد لقاء القاهرة مصير الإجراءات التي اتخذت في غزة، والقضايا العالقة". وقد يكون ذلك جاء مخيبًا لآمال (حماس)، التي سبق أن أعلنت أنها كانت تأمل اتخاذ حكومة التوافق قرارًا برفع الإجراءات العقابية.
وفي كل الأحوال، فإنّ المراقبين يؤكدون ان هذا الواقع المعقد لاتمام المصالحة فعليًّا، يتطلب تضافر كل الجهود من أجل تشخيص المشكلات والتعرف على جوانبها وأبعادها المختلفة، ومن ثم إيجاد السبل والآليات المناسبة للتعامل معها بصورة عادلة وبأقل التكاليف الآنية والمستقبلية.
وفي حال إتمام المصالحة الوطنية، فإنه سيواجه مهندسو المصالحة تحديًا كبيرًا للتعامل مع الواقع الجديد، يتطلب هذا الواقع تحقيق تسوية لأوضاع العاملين في القطاع الحكومي، واستيعاب الموظفين في كل من الضفة وغزة تحت إطار واحد.
ويتوقع المراقبون في تشخيصهم حجم مشكلة الموظفين العموميين التي ستواجه الموقعين على المصالحة ومعالجتهم لازدواجية الوظائف وتضخم فاتورة الرواتب، والتي نجمت عن السياسات التي طبقت في كل من الضفة والقطاع، إذ اتبعت الحكومتان في الضفة وغزة عددًا من الإجراءات واتخذت قرارات حاسمة في معظمها أثرت على واقع قطاع الموظفين العموميين وملامحه الأساسية.
ومن هذه الإجراءات:
إصدار عدد من القرارات الحكومية في الضفة بشأن الموظفين العموميين في قطاع غزة والتحاقهم بأعمالهم والتزامهم بسياسات الحكومة في الضفة وعدم التعامل مع حكومة الأمر الواقع في غزة. وبشكل خاص، أعطت الحكومة في الضفة، للموظفين العموميين في قطاع غزة، صلاحية تقدير الموقف والاختيار بين الالتحاق، أو عدم الالتحاق، بمكان عمله في المؤسسة الحكومية في قطاع غزة (القرار رقم 4 لسنة 2007).
وشكّل هذا القرار السند الأساسي للموظفين العموميين في غزة للإحجام عن الالتحاق بوظائفهم رغم تسلمهم لرواتبهم بشكل منتظم من قبل حكومة الضفة. تجدر الإشارة إلى أن موظفي وزارتي التربية والتعليم والصحة (نحو 18 ألف موظف) لم يستنكفوا عن العمل واستمروا في وظائفهم حتى بعد الانقسام.
وتتكلف خزينة السلطة في رام الله، نحو 500 مليون دولار سنويًا نظير الرواتب والتعويضات الأخرى التي تدفع للموظفين العموميين في غزة. وتثار تخوفات جدية حول تأثر مهاراتهم وقدراتهم على ممارسة أعمالهم بعد أكثر من 10 سنوات من الانقطاع عن ممارسة أعمالهم ووظائفهم. وقرار الحكومة في الضفة، تجميد كل التعيينات التي تمت بعد تاريخ 31/12/2005. وشمل هذا القرار نحو 31 ألف موظف بين مدني وعسكري. والقرار الرئاسي بإعفاء مواطني غزة من دفع الضرائب ورسوم الخدمات. ووقف رواتب موظفين، وإقالة آخرين من وظائفهم....الخ.
وفي المقابل، سارعت حكومة حماس في غزة إلى توظيف عدد كبير من الموظفين في المؤسسات الحكومية في القطاع لأسباب عدة. تمثلت هذه الأسباب بشكل أساسي في الرغبة في تعويض الموظفين غير الملتحقين في وظائفهم بناء على تعليمات وقرارات الحكومة في الضفة، ودفع رواتب الموظفين المفصولين والمقيمين في غزة، إضافة إلى رغبة حكومة حماس في إدارة المؤسسات بواسطة موظفين يتبعون نهجها وينفذون سياستها.
ست قضايا خلافية
ويقول المصري: "اكثر القضايا الأولى الخلافية جدًّا حاليًّا هي سلاح المقاومة، بعد اقوال الرئيس في مقابلاته من الوضح ان هذه ستكون نقطة خلاف كبيرة جدًّا، فان طرحت على الطاولة الآن، أعتقد انها ستفجر كل شيء، ولكن من المهم الحديث عن ادارة سلاح المقاومة وتنظيمه واخضاعه لقرار وطني، وألا يكون خاضعًا لفصيل. وبالمقابل القرار المتعلق بالمفاوضات يجب أن يخضع لقرار وطني ويتخذ من المؤسسات الشرعية".
والقضية الخلافية الثانية هي الموظفون: "هناك ما بين 40 -50 الف موظف عينتهم حماس، وبالمقابل هناك موظفون قررت السلطة أن يستنكفوا عن العمل، فمن الذي سيأخذ المواقع؟ وكيف سيتم الإدماج؟ حتى الآن هذا ليس محلولاً وهذه عقبة كبيرة، وفي السابق افشلت حكومة الوفاق، والآن يمكن ان تفشلها إن لم يتم حلها، ودون الاتفاق عليها لا يمكن ان تعمر المصالحة".
أما قضية الخلاف الرابعة، فهي المعابر والحدود، ويقول المصري بشأنها: "إن الأمن الداخلي، إن استمرت (حماس) باستعدادها للتخلي عن الحكم، فانها اصبحت مستعدة ألا تكون في الحكومة بحلها اللجنة الادارية وتصريحات السنوار وقيادة (حماس) توحي بأنه عندها استعداد للتخلي عن الحكم؛ لانها فشلت في تجربة الحكم، ولم تعد قادرة على تحمل المسؤوليات عن قطاع غزة خاصة في ظل تشديد الحصار واجراءات الرئيس العقابية، ومصر تعدّ الرئة التي تتنفس منها (حماس) ودون ما تقدم (حماس على إجراءات جدية خاصة بعد هبوط الاسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، كان يمكن ان تؤدي الى نتائج سيئة جدًّا، فاختارت حماس التخلي عن الحكم مقابل الحفاظ على دورها السياسي والعسكري".
ومن بين العقبات المهمة الخامسة، "دون إلغاء اجراءات الرئيس العقابة عن قطاع غزة بسرعة شديدة ستكون المصالحة معرضة للفشل (الكهرباء، الرواتب، ... الخ)؛ لأن كلها يتعلق بحياة الناس، علما انه كان يجب ألا يتبع هذا الطريق فاستخدام تعذيب الناس وسيلة لتحقيق اغراض سياسية. فان كانت الوحدة ستأتي عن طريق تعذيب ابناء شعبنا في غزة فلا نريدها، خيبة الناس بعد اجتماع الحكومة في غزة، ممكن ان تكبر كثيرًا ما لم يتم معالجة هذه الأمر بسرعة".
وموضوع خلافي سادس، يتمثل في منظمة التحرير والمشاركة فيها، فحماس تنظر في هذه المرونة التي ابدتها ان تكون شريكة في المنظمة، وبالتالي دون استعداد (فتح) وبقية الفصائل في منظمة التحرير على مشاركة حماس ستكون عقبة كبيرة.
أربع عقبات أمام المصالحة
ويرى هاني المصري الكاتب والخبير السياسي، أن أولى العقبات تتمثل في الفيتو الامريكي الاسرائيلي، "لأنه ليس من الصحيح على الاطلاق ان هذا الفيتو قد زال، واصبح الآن واضحًا بعد التصريحات الامريكية والاسرائيلية، في البداية كان هناك صمت امريكي/ اسرائيلي، يرجع الى اسباب عدة، منها: ان الجميع بما فيه الامريكي والاسرائيلي لا يريدون ان يستمر الوضع في غزة على ما هو عليه الآن، لانه سيؤدي الى انفجار، وبالنسبة لاسرائيل ممكن ان يؤدي الى امتداد تلوث مياه البحر لديها، وممكن أن ينقل أوبئة، وايضًا موضوع غاز شاطئ غزة".
لكن المصري يؤكد أن هناك اتفاقًا على ضرورة تبريد الوضع في غزة، وهذا شيء مختلف عن المصالحة، ولكن اسرائيل وامريكا تريدان عودة السلطة إلى غزة لتسيطر وتعزل (حماس)، وإن ارادت الأخيرة أن تشارك عليها الموافقة على شروط الرباعية".
والعقبة الثانية (بحسب المصري)، وجود بنية وبيئة سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية تكونت وتعمقت خلال اكثر من 10 سنوات على الانقسام، جعلت هناك شرائح وأفرادًا من مصلحتهم استمرار الانقسام، وبالتالي لن يتخلوا عن هذه المواقع وعن نفوذهم والقوانين والإجراءات التي تحققت بسهولة.
والعقبة الثالثة التي يراها المصري، "أنه لا يوجد حتى الآن ايمان بقيام سلطة ومؤسسات فلسطينية على اساس من الشراكة والتعددية، وما يجري هناك تصور بنقل السلطة من الضفة الى غزة لتفعل ما تفعله هنا هناك، ولتبقى الالتزامات مع اسرائيل كما هي عليه، وبالنتيجة اعادة الامور الى ما قبل الانقسام. ولكن هذه الاوضاع ادت الى الانقسام وأوصلتنا الى وضع سيئ جدًّا، نحن بحاجة الى مراجعة، ووضع اسس جديدة تستطيع تحقيق الوحدة والاهم السير نحو دحر الاحتلال وتحقيق الاهداف والحقوق الفلسطينية، فلا يجب نسيان اننا تحت الاحتلال وفي مرحلة تحرر وطني".
والعقبة الرابعة يقول المصري: "دون الاتفاق على برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة، وعلى اسس مشاركة الجميع، والاحتكام للشعب في النهاية بعد الوفاق وتوحيد المؤسسات والاحتكام للشعب من خلال انتخابات، فهذه الاسس هي التي تسمح ان تكون السلطة تمثل الجميع وان يعاد بناء مؤسسات منظمة التحرير".
ويؤكد المصري انه حتى الآن، (حماس) أبدت استعدادًا ملموسًا من خلال موافقتها على خطة الرئيس واعلانها عن استعدادها للتخلي عن الحكم، ولكن لم نجد استجابة من الطرف الاخر بهذا المستوى، وبالتالي اجتماع القاهرة، مهم جدًّا بين حركتي (فتح وحماس)، هل سنجد تجاوبًا من الطرف الآخر؟ وهل سنجد مراجعة، ام مجرد ابقاء الوضع على ما هو عليه، وهذا قد يؤدي الى انهيار المحاولة مثل سابقاتها، او عمل وحدة شكلية لا تقوم على اسس قادرة على الاستمرار".
ويرى المصري: انها "كلها عقبات كبيرة، ولكن اذا توفرت القناعة والارادة فانها قابلة للحل، خاصة ان الجميع فشل ليس فقط حماس، فالمفاوضات فشلت واسرائيل تمضي في الاستيطان والتهويد والمصادرة وسباق بين القادة والزعماء الاسرئيليين على من يطالب بالضم والتهجير اكثر، فنحن جميعا في وضع خطر جدا وبحاجة لان نتحد في مواجهة اسرائيل ومخططاتها العدوانية، وفي مواجهة المخطط الامريكي اذا تبلو فلا يمكن ان يكون مخططا لصالح شعبنا، لانها اكثر ادارة منحازة لاسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية، ولا يمكن ان تقدم شيئًا حميدًا للفلسطينيين".
تغييب دور فصائل منظمة التحرير
ويرى المصري، انه كان من الخطأ تغييب دور فصائل المنظمة، ولكن "قادة هذه الفصائل قبلوا التعايش مع هذا الخطأ، كان دائمًا وابدًا (حماس وفتح) يتفقون والفصائل تبارك، فنحن بحاجة الى جبهة وطنية؛ لأننا في مرحلة تحرر وطني، وبالتالي عندما تشارك القوى والفئات ومؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الفلسطينية فان احتماليات الخطأ تصبح أقل واحتمال الاتفاق يصبح أكبر، وبالتالي للاسف يساهم في هذه العملية، لان الفصائل لا تثير ايّ قضية حول هذا الامر وتكتفي بالمباركة، ومن الخطوة ان تتفق حماس وفتح وبقية الفصائل تبصم على ما يتفقون عليه".
ويؤكد المصري، "ستكون عملية التصالح والتوافق في اجتماع القاهرة صعبة، وما جرى في الايام الماضية يدل على ذلك، ولن تكون سهلة، ولكن ايضًا العوامل الدافعة لاحداث انفراج اقوى من السابق واهمها الخوف من انهيار قطاع غزة، وانفجاره ساعد على حوار المصالحة، والوحدة لن تقوم إلا اذا تم الاتفاق على برنامج سياسي وتجاهله يعدّ من أهم أسباب فشلها".
من غير المتوقع استيعاب الموظفين دفعة واحدة
بينما يقول الدكتور نصر عبد الكريم الخبير الاقتصادي: "من غير المتوقع اطلاقًا ان يتم استيعاب هؤلاء الموظفين دفعة واحدة، وانما سيكون هناك منهج تدريجي ليتم استيعابهم على هياكل الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، فحتى لو توفرت المخصصات المالية سيكون هناك حاجة لادماج هؤلاء الموظفين اداريًّا ووضعهم على الهيكل وتسكينهم، لانه في النهاية الحكومة لن تكون مسؤولة عن دفع رواتب دون ان تكون متأكدة أن هؤلاء الموظفين يتقاضون رواتبهم مقابل وظائفهم، ولهذا السبب، استبعد ان يتخذ في اجتماع القاهرة قرار فوري جماعي يقول: "على الحكومة استيعاب جميع الموظفين وتصرف لهم الرواتب" هذا لن يتم".
ولا يعتقد عبد الكريم، انه سيتم الاتفاق في الاجتماع على تفعيل واحالة هذا الملف الى اللجنة الوزارية القانونية الادارية، وهذا سيكون مرهونًا بمدى التقدم في الملفات الأخرى، وستبقى الحكومة والسلطة بالكامل مترددة بتحمل تبعات مالية بشكل قانوني ملزم ورأسي لموظفين جدد في قطاع غزة واستيعابهم على كادر السلطة الحاكمة في غزة، الا بعد ان يكون هناك لا رجعة في المصالحة، وأن ملفات العلاقة بالامن والمعابر والشراكة السياسية في المجلس الوطني وانعقاده، والانتخابات.
الكلفة المالية للمصالحة ستتولاها الدول المانحة
وقال: "إنَّ حدث هذا التقدم في هذه الملفات يصبح استيعابهم في الوظيفة العمومية تحصيل حاصل، ولن يشكل عندها اي عائق، وحتى باقي الاجراءات العقابية سيتم الرجوع عنها، لانهم يرون بأن الكلفة المالية للمصالحة ستتولاه الدول المانحة، ولكن الكلفة على الموازنة السلطة الجارية لن تكون كبيرة لتمنع تنفيذ هذا القرار لسبب بسيط، فالتقديرات تتحدث عن 40 الف موظف، وهناك ايضا 29 الفًا ضمن بند التعاقدات هم على كادر السلطة ويتلقون رواتب ومسجل كيدهم في غزة في قطاعات مدنية مختلفة، ولذلك اعتقد انه سيتم استيعاب جزء من 40 الف موظف، بعد دراسة ملفاتهم، وايضًا سيكون هناك ربما برنامج تقاعدي حسب القانون للموظفين الموجودين الذين لا يعملون منذ 10 سنوات، مما يعني انه سيخرج عدد من الموظفين، وبالنتيجة سيتم استيعاب ما لا يقل عن 26 الف موظف، وهذا يعني ببساطة ان كلفة توظيفهم الاضافية لن تكون اكثر من 25 مليون دولار شهريًّا، بمعنى زيادة فاتورة الرواتب السنوية 300 مليون دولار، لكن هناك كلفة اخرى لها علاقة بالكهرباء بحوالي 10 ملايين دولار شهريًّا، وبعض مشاريع للنفقات التشغيلية الاخرى، وربما اعادة الغاء التخفيضات، بمعنى الحديث يجري عن 400 مليون دولار – 450 مليون دولار في موازنة السلطة".
الفوائد والعوائد التي ربما تجنيها السلطة وخزينتها من المصالحة
ويرى الدكتور عبد الكريم، أنَّ السيطرة على المعابر وتسهيل التجارة خصوصًا اذا رفع الحصار وتبدأ معابر (ايرز وبيت حانون ورفح والمعابر التجارية) تعمل بانتظام، وبافتراض ان مشاريع الدول المانحة لاعادة الاعمار في غزة ستتحرك ما يعني تنشيط عجلة دوران الاقتصاد والتجارة في قطاع غزة، ما يعني دخول اموال الى خزينة السلطة من خلال المقاصة، ومن المحتمل ان يلغي الرئيس قراره باعفاء اهالي غزة من دفع ضريبة الدخل، ما سيعود بالنفع ايضًا على خزينة السلطة، ولذلك خلال عام من تفعيل عجلة الاقتصاد في قطاع غزة من المتوقع ان تعود الايرادات الضريبية من قطاع غزة الى ما كانت عليه قبل الانقسام وقبل الحصار، لذلك كانت تسهم بثلث الايرادات للخزينة انخفضت الى اقل من 5% وهذا الفارق يترجم الى مئات الملايين من الدولارات، ويتوقع انه بعد سنتين في المدى المتوسط صافي تأثير المصالحة سيكون ايجابيًّا، ويقول: "لا خوف لدي من الكلفة المالية على المدى المتوسط للمصالحة، ولا أرى ان الكلفة المالية للمصالحة ستقف امام اتمامها لانها ستغطى بعد مدة من الايرادات الذاتية".
ولكن بقول عبد الكريم: "ان عاد لظروفه الطبيعية فانني افترض ان سيضيف تدريجيًّا مع التقدم في حركة الاقتصاد ومشاريع الاعمار على الاقل 700 مليون دولار سنويًّا ايرادات اضافية لخزينة السلطة، وبالتالي فان الايرادات ستتحقق لخزينة السلطة التي تقترب إيراداتها في الضفة الغربية من 3,5 مليار دولار".
المتوقع الانتقال إلى خطوات أخرى
ويعتقد الدكتور عبد الكريم، انه ستتم مراجعة ما تم، وهو تسلم الحكومة لمهامها وتسلم الوزراء لوزاراتهم ومؤسساتهم، وسيتم التأكد انه تم كل شيء كما اتفق عليه، ومن المتوقع الانتقال الى خطوات اخرى تتمثل في البحث في الادماج الاداري والمالي، وربما قبل هذا ستتم السيطرة على المعابر، وكذلك البحث عن الأمن وكيفية معالجة الامن الداخلي المتصل بحياة الناس وادارة اقتصادهم، وبالتالي المعابر والامن ملفات سيتم البت فيها وليس باتجاه حلها بالكامل ستوضع لها اسس وشروط وآليات يتفق عليها.
وبالنتيجة يرى عبد الكريم، "إنْ تم الاتفاق على الملفين الاوليين سيحال الموظفون وادماجهم واحالة مشاكلهم الى اللجنة القانونية الادارية، ومع ان الكلفة تستطيع الخزينة على تحملها، الا انه وفقًا للورقة السويسرية، هناك جهات دولية ابدت استعدادها لتمويل هذه الفاتورة، لذلك اعتقد ان تم التوصل لاتفاق بشأن المسألتين الاوليتين، يصار الى معالجة الملف الثالث واحالته الى اللجنة، وسيحال الى الحكومة لتنفيذه".
المصالحة تكشف تصدعات كبيرة في (حماس)
ويرى الاعلامي زياد غنام ان المصالحة كشفت تصدعات في البنية الإدارية والتنظيمية داخل أروقة حركة حماس، فبعدما تمكنت (حماس) من إغلاق ملف القيادي فيها محمود الزهار "ووضعه تحت الإقامة الجبرية" تحدث ناشطون، عن وضع القيادي في الحركة فتحي حماد كذلك تحت الإقامة الجبرية.
وقبل ذلك يقول غنام: "خرجت تهديدات شديدة اللهجة عن القائد العام للحركة في غزة "يحيى السنوار" بأنه "سيقطع عنق كل من لا يريد المصالحة"، وفي هذا التصريح الكثير من الدلالات وأبرزها هو أن هناك تخوفات لدى السنوار من وجود بعض الأصوات المغردة خارج سرب المصالحة الفلسطينية ولم الشمل".
ولكن (حماس) التزمت الصمت، ولم تعلق على تلك الاخبار المتواترة عن الخلافات في أروقتها، وبالتالي حتى الآن ما يطفو على السطح هو تسريبات، يبنيها المراقبون على غياب شخصيات مهمة، ومتقدمة في الحركة عن لقاءات المصالحة كخليل الحية وفتحي حماد ومحمود الزهار، بالإضافة إلى غياب صوت خالد مشعل وتياره والحركة في لبنان.
ويرى غنام، أن توليفة "هنية السنوار الضيف"، أصبحت في سلة واحدة، وفي مقابلها هناك سلال أخرى ليست راضية تمامًا عن ما يدور في الساحة، مما أوجد تلك الخلافات لحد الوصول إلى وسائل الاعلام، وسط الصمت المطبق من الحركة على أي تسريبات حول خلافات.
ويتوقع غنام، أن المصالحة (الفتحاوية الحمساوية) ستخلق انقسامًا (حمساويًّا) ليصبح حال الحركة أقل تماسكًا، كما هو حال حركة (فتح) التي تعاني أيضًا من وجود تيارات مختلفة وأجنحة تصل أحيانًا حد النزاع.
وبالتالي يعدّ غنام، أن المصالحة التي انطلق قطارها ستكون "هشة" إلى حد كبير، لعدم وجود اجماع (حمساوي فتحاوي) على إنجازها، وإن كان ما يظهر هو إجماع مطلق، غير أن الواقع على الأرض يختلف، فهناك أصحاب المصالح الذين سيتضررون من تحقيق المصالحة، وهناك من يتبع لأجندات إقليمية، وهناك إسرائيل التي ستحاول بمختلف الوسائل التأثير على سير المصالحة بما يخدم مشروعها.
ويقول: " إن هناك أسبابًا أخرى تثير المخاوف في (ولادة مصالحة بصحة جيدة) وهي الموارد المالية، لأن تنفيذ الاتفاقات يتطلب دعما ماليّا سخيّا، وهو حتى الان على الأقل غير متوفر، فإصلاح وضع الكهرباء يحتاج التزامات مالية جديدة، ورفع الإجراءات العقابية سيشكل عبئًا على الخزينة العامة التي تعاني أصلاً، والناس في غزة "ضاقوا" بسبب سنوات الحصار، ويرون في الحكومة منفذًا لحياة أفضل، وهذا من شأنه أن يشكل عبئًا ورهانًا على حركة حماس (هنية والسنوار)، ويعتقد أنه سيحتاج إلى المزيد من الحزم منهم، من أجل ضبط أقطاب الحركة، وحتى لا تتحول خلافاتهم الداخلية إلى ما هو أكبر من ذلك".