السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حول التطبيع/ بقلم: نهاد أبو غوش

2017-10-24 10:21:28 AM
حول التطبيع/ بقلم: نهاد أبو غوش
نهاد أبو غوش

 

شهدت الأشهر الأخيرة عددا من الوقائع والملابسات المتصلة بقضية "التطبيع" والتي رافقها قدر كبير من الجدل والخلافات في المجتمع الفلسطيني،  أو على الأقل في أوساط النخب الثقافية والسياسية، بحيث احتلت هذه القضية صدارة اهتمامات المتابعين والمعلقين وبدت وكأنها القضية الرئيسية التي تشغل الرأي العام.

 

هكذا حصل عند صدور بيان لكتل طلابية يسارية يحمل موقفا حدّيا من أعضاء الكنيست العرب، وهو موقف ما لبثت الكتل نفسها أن تراجعت عنه، ثم لدى زيارة شخصيات وقيادات من فلسطينيي الداخل معروفة بوزنها التمثيلي والنضالي لجامعة بيرزيت، ومشاركة مسؤولين من منظمة التحرير في مؤتمر هرتسليا، وتصريحات لوزير سابق حول رواتب الأسرى، وبعدها المسيرة النسائية المشتركة، وأخيرا فيلم القضية 23.

 

إزاء المواقف السابقة تبرز عدة ملاحظات جديرة بالتوقف والتحليل، أولها أنه لا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه وطنيا للتطبيع ، لا في إطار القوى السياسية، ولا في المؤسسات. ويتبين لنا أن هناك مروحة واسعة من المواقف على استدارة 360 درجة تجاه هذه القضية الخطيرة وعظيمة الشأن، بين من يخطّىء ويجرّم أي لقاء كان مع أي طرف إسرائيلي أو يهودي، في أي مكان من العالم، وبين من يرى أهمية اختراق جبهة الوعي الداخلي الإسرائيلي بكل السبل المتاحة، بما في ذلك تبادل الزيارات والوفود والعلاقات المفتوحة مع كل ألوان الطيف الإسرائيلي. ونتيجة لهذا التباين في المنطلقات من الطبيعي أن نجد مثلا من يرفض ويندد بتصريحات الوزير السابق ولكنه يتخذ موقفا مرنا أو داعما لعرض الفيلم المختلف عليه، وهكذا.

 

 ثمة أيضا خلاف حول الوسائل المشروعة والمسموح بها لإدارة هذا الخلاف، فمن جهة هناك من يرى أن البعض يتجاهل الخصوصية الفلسطينية تحت الاحتلال، ووجود أكثر من مليون وربع المليون فلسطيني فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، ويستل الاتهامات الجاهزة، ويشهر أسلحة التخوين دون أي تمحيص. وفي المقابل يرى معارضو التطبيع أنهم يدافعون عن الوعي الفلسطيني، وعن روايتنا التاريخية، وأن المطبعين على اختلاف تلاوينهم يتسترون بمواقف القيادة الرسمية، وأن هدف الاحتلال هو احتلال العقل لإسباغ الشرعية على احتلال الأرض.

 

أما بشأن الوسائل التي يستخدمها الطرفان، فهي متنوعة وواسعة جدا ايضا، تبدأ من إثارة الفوضى في قاعة جامعية وبالتالي إفشال نشاط ما، والتلويح بالتجمع والتظاهر في الشارع، وحروب الفيس بوك، وصولا لاستنفار بلدية رام الله  وزجّها في المعركة. بينما لا يعدم المدافعون عن النشاطات الموصوفة بالتطبيع، الوسائل وأشكال التمويل، والغطاء الرسمي.

 

اللافت في هذه المواجهات أنها تبرز فجأة، وتتضخم، ويحتدّ حولها الجدل، ثم لا تلبث أن تنطفىء وكأنها لم تكن. ليعود المتجادلون إلى مواقعهم وانشغالاتهم اليومية في انتظار جولة أخرى لمعركة جديدة حول التطبيع، وفي النتيجة لا أحد من الفريقين، أو الفرق الكثيرة، راكم إنجازا، أو بنى موقفا شعبيا، أو احدث اختراقا جديا في وعي المجتمع، ويبدو الأمر وكأنه مجرد تشاغل عرضي مع ما يستجد من أحداث.

 

ولعل هناك أشكال أكثر خطورة للتطبيع لا ينتبه لها كثير من الناشطين الغاضبين على عرض الفيلم، من بينها ما تقوم به بعض وسائل الإعلام الفلسطينية من تجميل لصورة الإسرائيلي وأنسنته بطريقة تدعونا للتعاطف معه وقبوله كما هو، أي كمحتل، وهي طريقة تتسرب إلى وعينا بدون ضجيج، ونكاد نطالعها يوميا في وسائل إعلامنا.

 

قضية التطبيع والموقف منها قضية جدية وخطيرة، وهي تتطلب تعاملا جديا يليق بها، ويضعها في سياق يخدم معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وللمسألة أبعاد وطنية وديمقراطية ايضا، وإذا لم يكن مسموحا لفرد أو لمجموعة أن يطلق أحكامه التعسفية بتخوين غيره أو تكفيرهم ويتطاول على حقهم في الرأي والتعبير، فإنه ليس مسموحا في الوقت نفسه لفرد أو لمجموعة أن ينتحل صفة تمثيل الشعب الفلسطيني وأن يعاكس التيار الوطني العام.

 

لكل ما سبق بات مطلوبا بشكل عاجل وملح من القوى والمؤسسات الوطنية، بما فيها النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الشعبية والجمعيات أن تضع تعريفات ومعايير واضحة بشان التطبيع، تعريفات تراعي القواسم المشتركة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وتراعي التعددية، والاختلافات الموضوعية، والأدوار المختلفة لكل من الجهات الرسمية والأهلية، وخصوصية أبناء شعبنا في الداخل.