الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين التواصل والتأثير ومنطق "أبو العرّيف" بقلم نور عودة

وعلامة رفعه الفكرة

2017-11-06 11:45:00 PM
ما بين التواصل والتأثير ومنطق
نور عودة

تنفق إسرائيل عشرات ملايين الدولارات سنوياً للتأثير على الرأي العام حول العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والعالم العربي. وفي هذا الجهد، تستخدم إسرائيل كل الوسائل التقليدية المتاحة، بالإضافة إلى الوسائل والتقنيات الحديثة ذات التأثير العالي والفوري في كثير من الأحيان. تستعين إسرائيل في هذا المسعى بشبكة مهولة من المنظمات الأهلية المناصرة حول العالم، فضلاً على جيش المساندين مدفوعي الأجر ولهؤلاء مهام عدة منها وبشكل رئيسي شن هجمات منظمة ضد أي وسيلة إعلام أو شخص أو مجموعة تضامن مع الشعب الفلسطيني وإجهاض أي مسعى فلسطيني للتأثير على الرأي العام الدولي.

 

لكن المال لا يعدو كونه الميسر لتأثير إسرائيل المهول في عالم التواصل التقليدي والاجتماعي الذي يعتمد على عوامل أخرى أهمها ربما المنهجية والتخطيط ووجود ماكينة إعلامية وإدارية ضخمة تسهل على المتحدثين أداءهم وتزودهم بحجج وجمل قصيرة مؤثرة تتغير وتتبدل حسب الحاجة لكنها قادرة على إيصال رسالة متسقة دائماً مع الرواية الصهيونية التاريخية. هناك أيضاً تنسيق عالٍ بين القطاع الحكومي والأهلي المناصر للموقف الرسمي في إسرائيل وتبادل الأدوار حيثما كان ذلك مطلوباً لتحقيق الهدف المنشود. عامل آخر يساهم في تطبيع الرواية الإسرائيلية العنصرية وتسللها إلى الخطاب المتداول عالمياً هو قدرة الإسرائيلي على صياغة رسائل تراعي الاعتبارات الثقافية للجمهور المستهدف بحيث تبدو منطقية وأصيلة حيثما قيلت وهذا يشمل على سبيل المثال لا الحصر وجود متحدثين رسميين ومن يدّعون الخبرة ممن تكون لهجتهم وثقافتهم مطابقة للجمهور المستهدف.

 

الرواية العنصرية الإسرائيلية هذه تقابل بمنطق أبو العريف الفلسطيني وأداء ينطوي في كثير من الأحيان على جهل بثقافة الآخر ويفضي بالنهاية إلى تعزيز الرواية الإسرائيلية. كأن تجد رجلاً فلسطينياً متجهماً يشارك في حوار متلفز مثلاً بلكنة عربية ثقيلة ومفردات لغوية محدودة تحاكي الصورة النمطية للعربي المنفر التي رسختها هوليوود وعقود من رواسب الخطاب الاستعماري. أو أن تجد من يعتقد أن ترجمة رسالته من العربية إلى الإنجليزية الركيكة دون الالتفات للعوامل الثقافية أو دراسة الجمهور المستهدف ودون حتى الإلمام بعناصر النجاح في وسائل التواصل الاجتماعي سيكون كافياً لادعائه حول التأثير على الرأي العام الدولي. الأمثلة كثيرة في هذا السياق.

 

لا شك أن الجهد الفلسطيني للتواصل مع الرأي العام الدولي وصناع القرار عالمياً يواجه صعوبات عديدة ويتحدى عقوداً من الانفراد الإسرائيلي والصهيوني في سرد الرواية وتأصيل منطلقات مغلوطة حول طبيعة الصراع وثناياه. ولا شك أيضاً أن الطرف الإسرائيلي ومن يسانده يمتلكون إمكانيات مالية مهولة لا يمكن للفلسطيني أن يوفر مثلها.  لكن التفوق الإسرائيلي في عملية التواصل والتأثير على الرأي العام لم يعد من المسلمات في ظل وجود عالم افتراضي لا يؤمن بمسلمات ومحدودية الإعلام التقليدي الذي لطالما احتكر النقاش والوعي في إطار حدده ولا يزال رأس المال والحسابات السياسية لمالكي الإعلام.

 

التجربة أثبتت أن الفلسطيني قادر على التأثير في الفضاء الافتراضي الذي يؤثر الآن على السياسات والرأي العام في المجتمعات الديمقراطية. في الأسبوع الماضي، نجح الفلسطينيون ومناصريهم في وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أسباب رفض الاحتفاء العنصري البريطاني بمئوية وعد بلفور ونشر الوعي حول الفكر الاستعماري العنصري الذي يفسر ذلك الوعد العار من خلال حملتين رئيسيتين (#MakeitRight  و #Balfour100). ورغم انعدام الموارد المادية، حصدت حملة #MakeitRight أكثر من مليونين ونصف المليون انطباعاً في وسائل التواصل الاجتماعي وكان وسم الحملة شائعاً (trending) في هذا الفضاء الواسع خلال ثلاث ساعات فقط. الحملة كانت نتاج عمل طوعي استمر لمدة عام وضم شخصيات ومؤسسات رسمية بالإضافة إلى عدد من الناشطين والإعلاميين والمختصين الذين اجتهدوا طيلة عام لتهيئة الرأي العام الدولي لاستقبال وقبول الرواية الفلسطينية حول مئوية بلفور رغم جهل الغالبية الساحقة بذلك الوعد أو معناه وأثره المستمر. سبق هذه الحملة نجاحات أخرى كثيرة منها حملة #occupations أو "الاحتلال هو" في حزيران الماضي والتي حصدت مليوني انطباع على وسائل الإعلام الاجتماعي خلال ساعتين وبمشاركة دولية بارزة. لكن هذه النجاحات والحملات يمكن أن يكون أثرها أكبر بكثير إذا ما كانت جزءا من جهد متكامل تُفرد له الموارد المادية المناسبة للتواصل مع العالم والتأثير عليه بشكل منهجي ومدروس.

 

النجاح ممكن رغم محدودية الإمكانيات والكم الهائل من المواقف السلبية المسبقة التي قد تواجه الفلسطيني، إذا ما أدركنا الفرق بين التواصل والقدرة على التأثير وإذا ما سلمنا بضرورة الاعتماد على أهل الخبرة والمعرفة والتخلي عن الفهلوة ومنطق "أبو العرّيف" سبيلاً للأداء الإعلامي. في هذا السياق، لا بد من دراسة موضوعية لتعثر قدرة الرواية الفلسطينية ومحدودية تأثيرها بشكل منهجي ومستمر واتخاذ قرار استراتيجي الأبعاد باستثمار الموارد المحدودة المتاحة بشكل مؤثر وعلمي والتخلي عن مبدأ الاجتهاد وعمل الهواة لتحصيل التأثير المطلوب على الرأي العام الدولي. فرصة النجاح الحقيقية في هذا السياق يجب أن تغلب منطق "أبو العرّيف" الذي أضاع علينا كثيراً من فرص التأثير نحن بأمس الحاجة إليها.