الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة "الحدث" | آمال غزة معقودة على نصّابها.. والتنسيقات يُدفع ثمنها بالآلاف

تريد فيزا أو تنسيق للخروج من غزة؟.. لا تتعامل مع هذا الشخص

2017-11-08 07:52:44 AM
متابعة
معبر رفح الذي يربط مصر بغزة (أرشيفية)

 

الحدث- علاء صبيحات

 

يبدو أن آمال الغزيّين بالخروج من رحم الحصار الذي لا يزال "يكبس" على أنفاسهم منذ عقد ونيّف لم تتوقف ولا يمكن حصرها، حتى أنها دفعت الغزيّين للتفكير بالتحايل ودفع الرشاوي، بل والوقوع في فكّ المفترسين الذين يسعون وراء المال نصبا واحتيالا.

 

التنسيق والفيزا

 

عندما يريد أي مواطن من غزة الخروج منها عبر معبر رفح البري فإنه يحتاج لما يُسمّى تنسيقا، ويكون هذا التنسيق بين الأمن الفلسطيني والأمن المصري.

 

لكن كما أوضحت المصادر المطّلعة لـ"الحدث" فإن هناك 24 ألف اسم مسجل في وزارة الداخلية، وهي أسماء لحالات خاصة تريد الخروج من غزة.

 

بهذا العدد يبدوا أن البعض قد بدأ يفكّر "خارج الصندوق"، ليبحث عن طريقة تؤمن له تنسيقا "من تحت الطاولة كما وصفها البعض"، عن طريق بعض الضباط المصريين الذين يتلقون رشاوى من الغزيين مقابل توفير التنسيق لهم للخروج عبر معبر رفح باتجاه غزة.

 

وهناك البعض الآخر الذي يريد أن يخرج إلى ما هو أبعد من الوطن العربي، كأوروبا مثلا أو الولايات المُتّحدة الأمريكية.

 

وفي الحالتين "التنسيق والفيزا" يبدوا أن استغلال الناس وصل لحد بعيد إذ كما أكّد بعض من تواصلت معهم "الحدث" أنهم دفعوا مبالغا تصل لـ6 آلاف دولار مقابل الحصول على فيزا، وشهدوا بدورهم على أشخاص آخرين دفعوا مبالغ تصل لأكثر من 13 ألف دولار.

 

عملية الاستغلال بحد ذاتها غير قانونية وغير أخلاقية، لكن الظروف المعقّدة التي يعيشها الغزيون لا تفتح مجالا لنبش مثل هذه الظاهرة.

 

فكيف إذا استغل هذه الحجج جميعها نصّاب من جلدتهم، ودفّعهم أموالا طائلة مقابل أكاذيب؟ نعم.. هذا هو محور التحقيق الصحفي الذي تقرأونه.

 

من هو؟

(خ/ب) اسم أصبح الغزيون يعرفونه جيدا لكن بعد فوات الأوان، يقول الإعلامي طارق الفرّا والذي التقى فيه أكثر من مرة لمناسبات عديدة "إنه شخص يوهم الأشخاص أنه على علاقة بشخصيات مهمة في المخابرات والأمن المصري".

 

وبحسب وصف الفرا فإنه شخص يحب "الأنا" ويكررها كثيرا، لكن ليس سهلا على الإنسان أن يصل لقناعة أن (خ/ب) إنسان كاذب إذ أنه يعتمد على سلسلة أكاذيب منسقة ومترابطة.

 

(خ/ب) هو مواطن غزي يحمل جواز سفر فلسطيني، ويسكن مصر حاليا وشهد كثيرون أنه امتلك منازل وسيارات وأموال لا تأكلها النيران، ذلك أنه نصب على المئات من أبناء غزة قبل أن يكشفونه.

 

كيف مرّت؟

 

النصب لا يكون على الفئة البسيطة من الناس التي تلاحق أحلامها دون وعي، إنما تطورت أساليبه ليقنع حتى الفئة التي تحمل شهادات عليا، فلم يعد أحد خارج إطار الوقوع في فخ النصب والاحتيال.

 

تقول دكتورة الإعلام شيرين عوّاد، والتي تسكن السويد حاليا بعد أن خرجت من غزة إنها وقعت فريسةً لصيّاد المحتاجين للسفر، بعد أن التقت بالنصاب (خ/ب) على مجموعة تُسمى (معبر رفح البري) على الفيسبوك.

 

كتبت استفسارا عن معبر رفح البري فتمّت إضافتها من قبله، ثم سألها لماذ تستفسر عن معبر رفح وما حاجتها منه، أخبرته انها بحاجة لتوفير تنسيق لأمها التي يتوجب وصولها للقاهرة.

 

فطلب مكالمتها هاتفيا، وعلى الهاتف تصنّع اهتمامه ببعض التفاصيل، ثم أخبرها أن تنتظره على خط الهاتف، ثم هاتف شخصا آخر ادّعى أنه ضابطا مصريا يكون جاره في مصر.

 

أخبر (خ/ب) الدكتورة عوّاد أن الضابط المصري يحتاج لألف دولار حتى يؤمّن التنسيق لوالدتها، في حين أنه كما قالت عوّاد لـ"الحدث" إن التنسيق يكلّف 3000 آلاف دولار، ويبدو أن هذا ما شجّعها على الإقدام بدفع جزء من المبلغ لـ(خ/ب).

 

فبلّغته أنها ستعطي 400 دولار كجزء من المبلغ، لطرف ثالث هو الصحفي محمد عثمان حتى يوصلها إليه، فأخبرها (خ/ب) أن لا تعطي لعثمان أية تفاصيل عن سبب دفعها لهذا المبلغ، لأن الضابط المصري لا يريد أن يعرف أحد عن عمله بتوفير التنسيقات حتى لا يتم تقديمه للقضاء.

 

وها ما أكّده عثمان لـ"الحدث" إذ قال إنه دفع المبلغ لـ(خ/ب) دون أن يعلم لأي سبب دفعها، خاصة أن الأموال كما قال عثمان هي ملك للدكتورة عوّاد.

 

وبالفعل وصل له 400 دولار، فأبلغ (خ/ب) الدكتورة عوّاد أن الـ400 دولار التي وصلته مزوّرة، وطالبها أن توصل له المبلغ المتفق عليه كاملا من دون وسيط.

 

وحتى تخرج من الإحراج مع عثمان اضطرت الدكتورة أن تدفع 1000 دولار كاملة مقابل أن يعيد (خ/ب) الـ400 دولار لعثمان لكنه لم يفعل.

 

اضطرت فيما بعد للتواصل مع شبان لهم مكانتهم التنظيمية في غزة، وكان عثمان حاضرا آنذاك كما قال لـ"الحدث"، فجلبوه وأخضعوه للتحقيق واعترف بالمبلغ كاملا فحاصروه ليعيده، لكنه باغتهم وهرب إلى مصر.

 

حاولت عواّد أن تجعله يعيد المبلغ لكنه امتنع عن ذلك، بل وتمادى محاولا إقناعها أن تشاركه بمشاريع عديدة في مصر.

 

بعدما توصّلت دكتورة الإعلام لقناعة مفادها أن (خ/ب) لن يعيد المبلغ عن طيب خاطر، كتبت على صفحتها الشخصية ما حصل معها من عملية نصب من قبل ذلك الشخص، لتتفاجأ أن هناك العشرات من الحالات التي تعرضت للنصب بنفس الطريقة من نفس الشخص، لكن المتغير الوحيد هو المبلغ المدفوع.

 

وتابعت الحدث هذه الحالات لتجد أن بعض المبالغ وصلت لـ13 ألف دولار، فيما قالت دكتورة الإعلام أنها تعرّضت للتهديد من قبل (خ/ب) حالما كتبت عن قضيتها على الفيسبوك.

 

تقول الضحية الثانية (ن/أ) لـ"الحدث" إن (خ/ب) عرض عليها هي وصديقاتها الأربع الحصول على فيزا لبلجيكا، واستطاع إقناعهن بذلك ليحصل في المقابل على 2000 دولار من كل واحدة، وحصل على أكثر من 6000 دولار من الضحية الأخيرة.

 

لم تحصل على أي فيزا كما قالت، في حين أنهن يمتلكن ما يثبت على (خ/ب) حصوله على مبالغ مالية كبيرة منهن.

 

لقد تواصلت الحدث مع عدد لا بأس به من ضحايا هذا الشخص، لكن عددا قليلا تجاوب مع مراسل صحيفة الحدث، ذلك أن جميع من تعرّضوا لعملية النصب قد تم تهديدهم من قبل (خ/ب) بالاختطاف وتشويه السمعة والقتل.

 

أما أحمد عويص مالك سوبرماركت من غزة، فقد حاول (خ/ب) أن يقنعه بتحويل مبلغ مالي له مقابل أن يُجهز له التنسيق الأمني من أجل العبور إلى مصر.

 

عويص رفض ذلك وحاول أن يدفع له المبلغ بعد الخروج من غزة، وإصرار (خ/ب) على تحويل الأموال قبل السفر كما يقول عويص جعله يشك لحد بعيد.

 

ثم أوهم عويص النصاب (خ/ب) بأنه سيدفع له المال قبل الخروج من غزة، ليعرف مصداقية (خ/ب) لكن أثبت (خ/ب) لعويص أنه لا يريد غير المال، مما أكد شكوك عويص لينسحب من العملية لاحقا.

 

شكاوى؟

 

بعد التواصل مع عدد لا بأس به من ضحايا (خ/ب)، قالوا جميعا أنهم لم يتقدّموا بأي شكاوى لدي أي من أجهزة الأمن.

 

واتضح لـ"الحدث" أن جميعهم يخافون أمرا ما، فمنهم من يخشى التعقيدات الأمنية التي ستطاله، ومنهم من يخاف أن يؤذيه (خ/ب) فعلا، ومنهم يريد المحاولة بالطرق السلمية علّه يحصل على ماله منه.

 

بالإضافة لما سبق فلا يوجد أي دليل إدانة قانونية على (خ/ب) فقد وصفوه جميعا بالإنسان الحذر جيدا، فلم يعترف لا صوتا ولا كتابة بما قام به من نصب أو بأي مبلغ قد سلبه منهم.

 

حاول البعض أن يثبت حقه منذ البداية، وحصل على إثبات لكنه سرعان ما ثبت أن ما كان دليل إثبات أصبح دليل إدانة (وطالب الشخص المعني بعدم إيضاح هذه النقطة لأسباب شخصية)، بخدعة قام بها (خ/ب) وسيقت على الشخص الذي تعرّض للاحتيال، ولما احتاج الدليل ليثبت أمواله اكتشف الفخ الذي أوقعه (خ/ب) به.

 

الجهات الرسمية

 

وقد حاولت الحدث التواصل مع الجهات الرسمية في غزة  لتستعلم ما الشكوى التي يمكن تقديمها وفي أي ظروف وعند أي جهاز، لكن لم تتمكن من التواصل معهم.

 

يذكر أن بعض قضايا النصب كما علمت الحدث تعود لثمانية أعوام مضت، دون أن يسترد أحد أمواله من النصّاب الذي بات مشهورا جدا في مصر.

 

في الختام يتساءل البعض كيف يمكن أن يقع أحد ضحية لعمليات نصب كهذه، بخاصّة الفئة الواعية منهم وأجاب جميع من تواصلت معهم الحدث أنها ساعة غفلة، فهو ماكر جدا ويعرف كيف يمكن أن يكذب وينسّق كذباته.

 

لكن الحقيقة المرّة هي أن الجميع يريد أن يعيش حياة عادية، يخرج من المعبر ويعود إلى غزة، وهذا بالضبط ما ينتجه حصار 10 أعوام ونيّف، فهل ستتم متابعة النصاب وملاحقته فعليا وهل سيفتح معبر رفح بحيث أنه سيمحي هذه الظاهرة تماما؟