الثلاثاء  23 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أصل الحكاية بقلم: نبيل عمرو

2017-12-18 08:34:10 PM
أصل الحكاية
بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

أمريكا إن أخطأت وكثيرا ما تخطئ، وإن أصابت ونادرا ما تصيب، هي في كل الحالات أمر لا يمكن تفاديه، هي ليست في القضايا الدولية مدعوة من قبل احد، فهي تحضر أو تغيب، وفقا لحسابات إداراتها وصنّاع السياسة فيها.

 

ونحن العرب في داخلنا عقدة أمريكية، السلبي فيها يحدد حجمه وعمقه وأذاه مستوى التزامها بإسرائيل بكل ما تفعل من موبقات رسّخها الاحتلال والاستيطان والقهر، وفي كل منعطف أظهرت الولايات المتحدة قدرا من الجفاء لإسرائيل، كانت الخلاصات دائما تُسجّل لمصلحة إسرائيل وسياساتها، التي دائما ما توصف على أنها مُحرِجة حتى للولايات المتحدة.

 

هكذا كانت أمريكا مذ عرفناها، ولن تكون غير ذلك رغم أمنياتنا ودعواتنا وجهدنا ورشاوينا لعلها تتغير، إلا أنها كانت على الدوام تأخذ منّا وتطالبنا نحن بأن نتغير.

 

في هذه الأيام هبّت عاصفة علينا، تحمل اسمَ ترامب، تشبه عاصفة كاترين التي تهب في وقت مفاجئ وتترك ورائها دمارا فيه قدر كبير من التخريب، إلا أنه لا يوحي بنهاية الكون.

 

قدّم ترمب لإسرائيل قرارا، لا لزوم له، ضمن كل المقاييس المنطقية، وضمن قوانين المساومة والأخذ والعطاء التي تبدو مجانية، فلهذا القرار المباشر تداعيات، إذ أنه يقدم لإسرائيل تشجيعا على التشدد إزاء الفلسطينيين، ويفتح شهيتها على القدس الشرقية، بعد أن ضمنت دولة الاحتلال اعترافا أمريكيا بالقدس عاصمة لها، وبهذه الخطوة التي أقدم عليها ترامب بدافع الوفاء بوعده لمن موّلوا حملته الانتخابية، يكون قد قزّم قضية كبرى، فقد هزّ قراره بشأنها أركان العالم ليبيعها كمقاولة شخصية، كان كل من سبقوه في البيت الأبيض قد تجنبوها، لمعرفتهم الأكيدة بردود الفعل التي ستترتّب عليها، فكلّها ردود سلبية إن لم نقل عدائية.

 

القدس تثير الانفعال، وحين يمسّها عدوان على أي مستوى يستنفر العالم من أقصاه الى أقصاه، وتندلع العواطف بما يبدو متجاوزا كل الحسابات المنطقية والعملية، وتنفتح القرائح على أوسع مساحاتها ومجالاتها، فتسمع من يطالب بمعاقبة أمريكا وقطع العلاقات معها وقطع النفط عنها وسحب الأرصدة منها، وإنهاء رعايتها السياسية بما كان يسمى عملية السلام، والامتناع عن تحميل وتنزيل حمولات طائراتها وبواخرها في الموانئ والمطارات العربية والإسلامية، أمور كهذه لم تكن لتُسمع من قبل، إلا أنها تُسمع بإلحاح الآن بفعل القدس والتجرؤ عليها.

 

في لحظات الانفعال يقال كل شيء بحده الأقصى، وعند ضرورة الفعل يتراجع كل شيء ولا يُرى حتى الحد الأدنى، فما العمل إذا ؟. سياسة المطالبات والتمنيات تندرج غالبا تحت بند الانفعال البديهي والغريزي لتمضي وتتطاير كأنها لم تكن بعد أيام وأسابيع، غير أن إلحاح سؤال "ما العمل" يظل فارضا نفسه على تفسيرنا وسلوكنا، والجواب بسيط للغاية، بدل من أن نطلب من العالم أن يفعل كل شيء، وبالتأكيد لن يستجيب لنا، فلنفعل نحن كل ما هو مطلوب منا وهذه هي ضمانة تفريغ وعد ترامب من مضمونه العملي، وتبديد الوهم الإسرائيلي بجعل القدس عاصمة للدولة العبرية، وإن لم نستطع جعلها عاصمة لنا فباستطاعتنا أن تظل حقوقنا فيها حية ومتجذرة وعصية على الإنهاء.

 

أول ما يتعيّن علينا فعله، هو تغيير سياساتنا جذريا تجاه القدس، فلا يجب أن نتباهى بعشرات ملايين الشواقل التي تُدفعُ لها بين وقت وآخر، بل يجب أن لا تحتاج ولا يحتاج ، إلى  أي أمر يتعلق بالحياة الكريمة التي تؤمّن صمودا راسخا لا يتزعزع، كذلك يجب أن نحمي أيقونتنا الوطنية بوحدة داخلية متينة وأداء سياسي متمكن، تكون فيه المؤسسات هي إطار سياستنا، والمفاعل الوحيد لانتاجها، فالقدس يجب أن تمثّل بالنسبة لنا سلاحا استراتيجيا غير قابلٍ للتفوق عليه، سلاح متمثل بالجغرافيا والبشر، فالقدس متصلة بكل الجغرافيا الفلسطينية وهيهات أن يتم عزلُها، فأهل القدس الذين يُعدون بمئات الألوف جعلوا من التهويد والدمج خرافة مستحيلة، كما أقر بذلك، حتى غلاة الصهاينة، وفي مدينة القدس، يقع الأقصى والقيامة، بكل ما يجسدان من معانٍ عميقة، ثبت مع الزمن أنها لن تنطفىء ولن تزول، ومن له كل هذا في القدس له المدينة وله المستقبل فيها، فلنفعل ما يتعين علينا أن نفعل أما الذي يأتي من غيرنا فهو خير وبركة.