الأربعاء  02 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع 103 | يُنشئون "شركات وهمية" للهروب من جحيم غزة!

تراخيص وسجلات تجارية لشركات بأهداف وهمية الهدف منها فقط الحصول على اسم تاجر

2018-02-21 08:38:39 AM
ع 103 | يُنشئون
البطالة في غزة (ارشيفية)

* رجل يبيع مصاغًا لزوجته ويستدين مبلغًا من المال ليصبح تاجرًا ومالكًا لشركة تجارية

* تدهور الحال الاقتصادية في غزة وارتفاع الأجور داخل الخط الأخضر تدفعان عمالاً إلى ابتداع أساليب لتمكينهم من الخروج

*"الشؤون المدنية": الشركات ليست وهمية وهي مسجلة رسميًّا، والهدف منها الحصول على تصاريح لأهداف تجارية أو سياحية أو للعمل

* أصحاب شركات جديدة يلجأون إلى طلب فواتير ضريبية وإرساليات نقل بضائع من الضفة وإسرائيل

* شطب 5000 سجل تجاري لشركات و1000 سجل تجاري فردي غير فاعلة خلال العامين الماضيين

*خبير: تسجيل شركات تجارية لأهداف أخرى تؤثِّر سلبًا على عمل التجار الممتهنين هذه المهنة

 

الحدث- إسلام أبو الهوى

رغم الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على عشر سنوات، سهَّلت سلطات الاحتلال مؤخرًا لتجار قطاع غزة، من بينهم التجار صغار السن، الدخول إلى داخل الخط الأخضر، الأمر الذي دفع الكثير من العمال إلى التحايل من أجل الحصول على تراخيص لشركات حقيقية بأهداف وهمية غير تجارية وفتح سجلات تجارية الهدف منها فقط الحصول على اسم تاجر، لتسهيل وصولهم للعمل داخل الخط الأخضر.

وقد دفعت الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة جراء الحصار والانقسام الداخلي، وعدم توفر فرص عمل، وارتفاع معدلات البطالة إلى 46%، وارتفاع معدلات الفقر لتتجاوز ما نسبته 65% في القطاع هؤلاء العمال إلى التحايل والبحث عن طرق الوصول إلى الخط الأخضر للعمل هناك لقاء الحصول على دخل مالي وأجر يومي مرتفع مقارنة بالعمل في الأسواق المحلية.

وليس من الغرابة في شيء أنَّ رجلاً يبيع المصاغ الذهبي لزوجته، ويستدين مبلغًا من المال ليصبح تاجرًا ومالكًا لشركة تجارية.

في غزة كلّ شيء ممكن، فكما أنَّ أصحاب السيارات العمومية العاملة في القطاع سابقًا لجأوا إلى استخدام زيت الطعام كوقود لسياراتهم، فإنَّ العمال يختلقون طرقًا للبحث عن العمل، ولا يفكر هؤلاء العمال في مضار تأسيسهم لشركات على التجار العاملين في هذا المجال، ومن جهة أخرى، لا يفكرون بالمضار التي ستلحق بهم جراء ملاحقاتهم من قبل الضرائب بأنواعها كافة، وحرمانهم أيضًا من الحصول على المساعدات الإغاثية التي تخص العمال، بما فيها التأمين الصحي المجاني، كون أنه تغيرت صفتهم في السجلات الرسمية من عمال إلى تجار ورجال أعمال.

بدأت الحكاية عندما قامت سلطات الاحتلال خلال الفترة الأخيرة بتسهيل دخول تجار غزة للعمل داخل الخط الأخضر بعد أن منعت اجتيازهم لمعبر بيت حانون (إيريز) شمال قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة أو إلى الضفة  لسنوات طويلة بدأت منذ اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر شهر أيلول عام 2000، فأبدع العمال وأبدوا استعدادهم لدفع كل ما يملكونه مقابل العمل داخل الخط الأخضر. فمن ذاق حلاوة العمل وارتفاع قيمة الأجور يبدع دائمًا بالتفكير!

 

فما هي هذه الحلاوة؟ وما طعمها؟ وما المردود؟ وما الخسائر التي يتكبدها العمال؟ والمخاطر التي قد يتعرضون لها؟

المواطن (أ. ق)، وبعد أن استحلفناه وبعد عناء شديد، وافق على أن يحدثنا عن تجربته الشخصية. قائلاً: "إنه أصبح الآن من رجال الأعمال، وقد أقبل على تسجيل شركة تضامن لدى مسجل الشركات بغزة مع شركاء آخرين بهدف السماح له بدخول أراضي عام 48، والعمل هناك بحرية، ليس في مهنة التجارة -كما هو مسجل في المستندات الرسمية- وإنما في مهنته الحقيقية (فني سيارات) لتصليح سيارات البنزين.

ويتابع لـلحدث لم يعد لدينا فرص للعمل في قطاع غزة، ولا يوجد أي مصدر للدخل يفي بالاحتياجات اليومية الأساسية للحياة في القطاع، بينما هناك (أي داخل الخط الأخضر) أتقاضى أجرة يومية مقدارها تقريبًا 700 شيقل، وهذا دخل خيالي بالنسبة لي، لا يمكن أن أحصل عليه في قطاع غزة في شهرٍ كامل في حال توفرت أية فرصة للعمل.

ويضيف ضاحكًا: "أنا (صنايعي) والطلب عليّ كثير، وحتى لو أنني لا أجيد أيّ مهنة أخرى على الأقل دخل العامل هناك 400 شيكل تقريبًا، أي حلم كل عمال قطاع غزة بل وموظفيها".

وبيّن أنَّ سلطات الاحتلال تمنع التجار من العمل كعمال، فهذا غير مصرّح به، ومخالف للقانون لديهم، الأمر الذي يجعل العمل سريًّا ويدفع أصحاب العمل في الجانب الإسرائيلي لاستغلالنا والتعامل معنا بدونية، وعادةً ما يتأثر بذلك الشباب عديمو الخبرة.

 

طلب فواتير ضريبية وإرساليات نقل بضائع

في حين يقول المخلِّص الجمركي (أ. م) الذي يعمل بشركة لنقل البضائع من الضفة والداخل إلى قطاع غزة: أنَّ بعض أصحاب الشركات الجديدة يلجأون إلى طلب فواتير ضريبية وإرساليات نقل بضائع من الضفة وإسرائيل، لأنَّ ذلك إثبات لشركاتهم من أجل الحصول على إذن استيراد من الخارج، وأنَّ البعض الآخر منهم يهدف لأن يكون لشركته رصيد من المعاملات التجارية، وبالتالي يُثبت أنه بحاجة لتصريح للدخول في أراضي الـ 48.

قد يبدو أنَّ تسجيل شركة أمر سهل، لكن ذلك يحمل في طياته الكثير من التفاصيل. ويقول المحامي محمد عطا: إنّ تسجيل شركة يكون على ثلاثة أوجه، الأول، تسجيل سجل فردي، والثاني، شركة تضامن، وهي الشركات العادية، والوجه الثالث، شركات المساهمة.

وبيّن عطا لـلحدث أنه كان يقوم بعمل شركة كل شهر أو شهرين على أبعد تقدير، لكن بعد تسهيل دخول التجار الغزيين إلى الداخل أصبح يقوم بتسجيل ثلاث شركات على الأقل شهريًّا، لافتًا إلى أنَّ هناك إقبالاً كبيرًا من قِبل المواطنين على تسجيل شركات، معظمها الهدف منها وهمي.

وأضاف: "يأتي الشركاء لطلب الحد الأسهل من الإجراءات لتسجيل شركة، وغالبًا ما يتم اختيار تسجيل شركات تضامن، وذلك لتضمنها أكثر من شريك ووسطية رسومها".

 

إقرار بزيادة طلبات تسجيل الشركات

بدوره قال عبد الله أبو رويضة، مدير عام الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني: إنَّ الإقبال على طلبات تسجيل الشركات أصبح ملحوظًا، ما استدعى زيادة التدقيق في واقعية وفعالية وجود هذه الشركات عبر تنظيم زيارات ميدانية لمقرات الشركات المراد تسجيلها، والطلب من أصحابها فتح حسابات فعلية لدى أحد البنوك العاملة في فلسطين، فضلاً عن إيداع مبالغ مالية فيها.

وأوضح أنَّ عدد الشركات المسجلة لدى الوزارة حتى هذه اللحظة حوالي 24,000 ملف فردي و20,000 شركة، مؤكداً أنّه يتم باستمرار متابعة مدى فعالية هذه الشركات، حيث تمّ شطب 5000 سجل تجاري لشركات، وشطب 1000 سجل تجاري فردي غير فاعلة خلال العامين الماضيين.

ولفت إلى أنَّ الوزارة تسعى بشكل دائم لمتابعة الشركات والتحقق من عملها لدعم الاقتصاد الوطني، لافتًا إلى أنَّ الإجراءات من قبل الجانب الإسرائيلي أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب زيادة الإقبال للحصول على "السجل التجاري" بغرض العمل داخل الخط الأخضر.

 

"الشؤون المدنية": الشركات ليست وهمية ولكن!

من جهته، أكد محمد المقادمة، مدير الإعلام والمنظمات الدولية في الهيئة العامة للشؤون المدنية أنَّ "هذه الشركات ليست وهمية، وذلك لاستيفائها الإجراءات كافة من الناحية القانونية، وبحسب القانون الفلسطيني بغض النظر عن الأهداف التي تأسست من أجلها، لافتًا إلى أنَّ البعض يلجأ للحصول على تراخيص للشركات لأهداف تجارية، أو بهدف السياحة والترفيه، وآخرين من أجل زيارة الأقارب في الشطر الآخر من الوطن، وفئة رابعة للعمل داخل الخط الأخضر.

ونوه المقادمةإلى الحدث:" أنَّ الجانب الإسرائيلي يسهّل ويشدد حسب أهوائه وحساباته ومصالحه الخاصة، وليس للجانب الفلسطيني سوى التنسيق فقط، وإرسال المعلومات والطلبات إلى الجانب الإسرائيلي الذي بدوره يقبل من يشاء ويرفض من يشاء.

 

تأثيرات سلبية على التجار

وفي السياق نفسه، قال د. ماهر الطباع، مدير عام العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية: إنّ الاقتصاد في قطاع غزة لا يزال يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل على القطاع غزة الحادي عشر على التوالي، هذا بالإضافة إلى الحروب والاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، والتي عمقت من الأزمة الاقتصادية، نتيجة للدمار الهائل الذي خلفته في البنية التحتية، والقطاعات والأنشطة الاقتصادية كافة.

ويؤكد الطباع أنَّ السعي وراء الحصول على تصاريح للعمل في الأراضي المحتلة ليس جديدًا، لكنه زاد مؤخرًا نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة في القطاع إلى مستويات غير مسبوقة، لافتًا إلى أنَّ تسجيل شركات تجارية لأهداف أخرى غير العمل التجاري تؤثر سلبًا على عمل التجار الممتهنين هذه المهنة، وهي مصدر دخلهم الوحيد، بخاصة أنَّ الاحتلال شدّد من القيود والإجراءات المفروضة عليهم بغرض تضييق الحصول على تصاريح.

وطالب الطباع بالسماح لاستصدار تصاريح خاصة لعمال قطاع غزة، لتمكينهم من العمل داخل الخط الأخضر بعيدًا عن تصاريح التجار الرسميين لأهمية حاجة هؤلاء التجار للتصاريح لتسهيل دخولهم لأراضي الـ 48 أو السفر إلى خارج الأراضي الفلسطينية عبر الأردن والتنقل إلى أنحاء العالم كافة؛ لفتح مجالات وآفاق جديدة للتجارة هنالك.

من الجدير ذكره، أنَّ معدل البطالة في قطاع غزة قد بلغ 46.6% في الربع الثالث من عام 2017، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد على 243 ألف شخص وفق مركز الإحصاء.

وبحسب البنك الدولي، فإنَّ معدلات البطالة في قطاع غزة تعد الأعلى عالميًّا، وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط، أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 67%.