الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لعبة المجموع الصفري الكل فيها خسران/ بقلم: غسان عنبتاوي

2018-04-25 01:07:24 PM
لعبة المجموع الصفري الكل فيها خسران/ بقلم: غسان عنبتاوي
غسام عنبتاوي


كيف يمكن لمجموعه من الأشخاص النظر لنفس الشيء ومدلولاته بان ينتهي بهم المطاف باستنتاج أشياء مختلفة بل ومتناقضة ويتكون لهم وجهات نظر مع وضد في ذات الوقت؟ نظرية الاستدلال، تجيب تفسر ذلك على النحو التالي:
يتشكل التكوين الذاتي للفرد ومنظروه حول الأمور من خلال الكم الهائل من المعلومات والتجارب والسمات التي يستقبلها ويحللها بحيث يصبح لديه نمط محدد يقارب ان يصبح غريزيا للنظر الى الأمور ومدلولاتها ومعاني  
المؤثرات والأفعال فتترجم ضمن سياق المخزون.
عندما تحدث الخلافات في النقاشات والمفاوضات حول سبل جسر هوة الخلاف، ينبغي توضيح المفردات المشتركة ومدلولاتها ومعانيها لكن من النادر أن يحاول أي من الفريقين بشكل حقيقي التوصل الى اتفاق. وتتمحور النقاشات بمحاولة إثبات كل فريق خطأ الفريق الآخر مما يقلل مساحات إمكانية الوصول لحل مشترك تخرج الجميع من دائرة إما الربح او الخسارة (المجموع الصفري) الى دائرة التعادل بل والفوز المشترك. الحوار بهدف الفوز وطحن الآخر او الحوار بهدف عدم الخسارة والربح المشترك، منهجان مختلفان، وكل واحد منهما يؤدي الى نتيجة تباعد بينها وبين الأخرى 180 درجة.
وبعيدا عن علم النفس، فان أي موضوع يطرح للنقاش بالتأكيد سيكون له مؤيد ومعارض، كل حسب منطلقة ووجهة نظره وأهدافه.
مجلس بلدي نابلس تبنى مؤخرا بأغلبية الأصوات الشروع في إنشاء حديقة معارض على جزء مهمل من اراضي متنزه جمال عبد الناصر، والتي تعتبر مساحة عامة كبرى يرتادها سكان المدينة ومخيماتها وآخرون،
أثير هذا الموضوع لنقاش الرأي العام في ضوء تصريحات لبعض أعضاء من المجلس البلدي والذين لم يكونوا من أنصار الفكرة او ربما ليسوا من أنصار الموقع مما ساهم في تحشيد البعض من سكان المدينة وأثار حفيظتهم 
وبغض النظر عن صحة او مشروعية هذا النقاش خارج اطره الصحيحة، وبعيدا عن الخروج عن مفاهيم العمل الديمقراطي واحترام نتائج التصويت داخل الأروقة المختصة وضرورة احترام الأقلية لرأي الأغلبية، ووجوب اصطفافهم مع القرار لا الخروج عليه.
ومع تفهمي بان الاختلاف في وجهات النظر حق بل وظاهرة صحية، إلا ان موضوع حديقة المعارض أشبع نقاشا ضمن الأكر الداخلية وأبدى كل فريق حجته وبينته ومنبعه في الوقوف مع او ضد، ومن ثم تم أخذ القرار بالأغلبية، وهذا هو جوهر العمل المؤسسي، ولكن الا وان الموضوع اخرج للشارع وسيقت التعليقات والآراء، أرى بضرورة توضيح الركائز التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1. الهدف الرئيس لمن تبنى الفكرة هو المساهمة في إيجاد هوية جديدة لمدينة نابلس ومحافظتها بوجود حديقة معارض أولى في فلسطين لتكون نقطة جذب أساسية للعديد من الأنشطة متعددة الأغراض في ذات الموقع خصوصا وان الفكرة ستقوم على الجزء غير مستغل من الحديقة وسيتم تطويرها وزراعتها لتضاف الى المساحات المستخدمة للحدائق.
2. بنيت الفكرة على أساس ان التعاون المؤسسي مطلب ومتطلب أساسي لتطوير البلد، إذ بدون هذا التضافر بين المؤسسات الأهلية وشبة الحكومية والحكومية الرسمية، والقطاع الخاص، ستكون الأمور منقوصة سيحمل طرف العبء أكثر من غيره، اما في حال التعاون سيكون الحمل موزع وبالتالي سيتسهل القيام بأكثر من مشروع في ذات الوقت لصالح البلد
3. المشروع لم يتم طرحه واشتراط تنفيذه بمشاركة الغرفة التجارية فقط، بل هو متاح للتنفيذ بتمويل من البلدية. وتم طرح الموضوع ضمن الأطر الرسمية في البلدية وتم أخذ أكثر من قرار بشأنه من المجلس في جلسات متعددة ابتداء من شهر 7 -2017 وحتى يومنا هذا وخرجت القرارات بالتصويت وضمن السبل المتعارف عليها والمعمول بها في اخذ القرارات في المجلس البلدي. وهنا لا بد من التنويه لعدم مصداقية ما روج اليه بان البلدية ستتنازل عن الأرض لصالح الغرفة التجارية، فهذا امر لم يطرح ولم يناقش ابدا لا في السر ولا في العلن ولا حتى في الضمائر المستترة. وكل ما كان يدور حوله النقاش هو إدارة مشتركة حينما يكون هناك معارض.
4. حديقة جمال عبد الناصر، كانت وستبقى حديقة خضراء مفتوحة مجانا للناس وسيحافظ على اسمها وستزداد المساحات المخصصة للتنزه وملحقاتها من خدمات تليق بالمتنزهين ضمن التوسعة المقترحة والتي سميت بحديقة المعارض والتي تعتبر مساحات متعددة الاستخدام من ضمنها المعارض وتم إختيارها لسهولة الوصول اليها مشيا على الأقدام لقربها من وسط المدينة.
5. حدائق جمال عبد الناصر هي حدائق مملوكة بالكامل لبلدية نابلس، ولم يتم وضع اليد عليها للمنفعة العامة كما في بعض الحالات الأخرى، وبالتالي تعود ملكيتها لأصحابها في حال زوال المنفعة العامة المخصصة. إن الزج بعائلات نابلسية كانت تملك الأرض قبل استملاكها في عهد رئيس البلدية الراحل حمدي كنعان هو أيضا محاولة لا أساس لها من الصحة ولا مسوغ قانوني لها، وبالتالي هي فقط ذر للرماد في العيون وتحشيد غير موفق للبعض ضد المشروع.
6. تبني البعض موقف معرض للمشروع على قاعدة الحرص على المساحات المجانية الخضراء في المدينة والتي يرتادها ذوي الدخل المحدود وغيرهم من محبي الطبيعة هو امر إيجابي كوننا وحتى في ظل أقسى أنواع الاحتلالات المعاصرة لا زلنا نفكر في البيئة والحفاظ عليها وفي حقوق العامة وأحقيتها في التنزة والترفيه عن النفس، ومن تبنى الدفاع عن مصالح ذوي الدخل المحدود له مني كل الاحترام والتأييد، بل تأييد المجلس البلدي برمته والذي يوازن بين مصالح كافة الفئات والشرائح المجتمعية كونه مجلس اتى لخدمة الجميع بالتساوي وبعدالة ولكن ضمن رؤية واولويات محدده. وهنا اود طمأنة الجميع ان الدفاع عن مصالح المهمشين لم ولن تكون حكرا على أحد، ومصطلحاتها التي تداعب العواطف ليست حكرا لجهة ما ومحرمة على أخرى، ولا لملك أحد حق الادعاء بانه الأكثر حرصا من الآخرين. في المشروع المقترح راعى كافة المصالح، بل تم اخذ قرارات تكميلية بتطوير الحدائق (الجزء المستغل حاليا) ليصبح جاذبا أكثر من ذي قبل لرواد المنطقة.
7. الاختلاف في الرأي لا يجب ان يفسد للود قضية، وليس المهم ان يفوز طرف على حساب الطرف الآخر بفرض رأيه على الآخرين، بل يجب ان نحرص على مصلحة البلد وان ندرك ان اختلاف اجتهاداتنا منبعه تقديم الأفضل للبلد، فلو فشلنا في هذه القضية او تلك في ان يسود منطقنا وفكرنا فالمستقبل مليء بالفرص الجديدة والمقترحات والمشاريع ذات البعد الاستراتيجي. ألهم ان تكون لغة الاختلاف لغة حضارية وغير إقصائية او فوقية او تخوينيه او هجومية. 
ختاما اود التأكيد على ان نابلس ومؤسساتها المختلفة وأحزابها بيمينها ويسارها، وإسلامها وما بينهم مطالبون بالعودة الى العقل والى التفكير الجمعي بدل الفردية والإقصاء للآخر. نابلس تحتاج الى وحده لا الى تعميق الخلاف، والى تقارب لا تباعد بين المؤسسات والأفراد، نابلس كانت عصية على الكسر وهي لن تقبل القسمة ولا الجمع، وإذا دخلنا في معمعان من سيسجل النقاط أكثر ولمن ستكتب الإنجازات، أذكر الجميع ان الإنجازات لن تكتب لمجلس بلدي او لرئيس هذا المجلس طالما لم تتحقق إنجازات تاريخية لتبقى معلما للأجيال القادمة او حلولا ذات بعد استراتيجي وهو ما لم يتحقق حتى الآن بفعل التجاذبات التي تبعد كل البعد عن النظر لنابلس بعين الحكمة والحصافة والتمكين،
وأخلص الى ان العناد والتمترس خلف الآراء امر ليس في صالح البلد، ولا في الصالح العام، وكسر الأنوف هو لعبة الجميع بها خاسر، فمن انتصر هو خاسر كونه أسس قواعد جديده للعبة سيقع في شركها قريبا، ومن خسر أيضا سيحاول الانتقام وبالتالي هو خاسر مرة أخرى، وكما دائما فان من يخوض في غمار لعبة " المجموع الصفري" سيكون بها خاسر.