السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرئيس عباس ليس إمعة

2018-06-03 07:12:33 AM
الرئيس عباس ليس إمعة
الرئيس محمود عباس

الحدث الإسرائيلي

نشرت صحيفة إسرائيلي هيوم مقالا للكاتب يوآف ليمور ترجمته صحيفة الغد يتحدث عن الأوضاع في قطاع غزة، وعن دور الرئيس عباس، وعلاقة الردع الناشئة ما بين حماس والاحتلال.

وفيما يلي نص التقرير المترجم:

لن يكون من الصعب أن نجد هذا الأسبوع، أحدا في إسرائيل يؤمن بأن الهدوء الذي تحقق صباح يوم الاربعاء في القطاع سيصمد على مدى الزمن. والتقدير السائد الذي يسود في غزة أيضا على أي حال هو أن هذه مهلة مؤقتة، وربما مؤقتة جدا، وفي غضون وقت قصير ستستأنف النار.

بعد نحو أربع سنوات هادئة، شيء ما في الميزان بين إسرائيل وحماس قد انكسر. هذا لا يعني انهم في غزة توقفوا عن الخوف: احداث الاسابيع الاخيرة تثبت بوضوح بان الردع الإسرائيلي لا يزال قويا، والا لكان اندلعت في الجنوب معركة واسعة اخرى منذ زمن بعيد. ولكن يخطئ من يعتقد بانه يمكن اعادة الدولاب إلى الوراء إلى أيام الهدوء التي سادت على حدود القطاع على نحو شبه متواصل منذ انتهاء حملة الجرف الصامد.

إسرائيل وحماس في نقطة تحول. فقد قال مصدر رفيع المستوى انه "في كل يوم ترتفع درجة الحرارة في الميدان. في غزة أقل فأقل كوابح، وأكثر فأكثر استعداد لأخذ المخاطر". هذا لا يعني أنهم في القطاع حسموا أمرهم في صالح الحرب: هذا يعني أنه إذا لم يتوفر سبيل لتحرير الضغط هناك، فلن يتبقى في ايديهم بديل آخر.

جذور يوم القتال هذا الأسبوع يمكن البحث عنها في أحداث الأيام التي سبقته، أو في أحداث نصف السنة الاخيرة، أو بشكل عام في ما يحصل في القطاع منذ 2014. يبدو أن كل الاجوبة صحيحة. فبعد أربع سنوات من المعركة الاخيرة، بات قطاع غزة في درك أسفل غير مسبوق. فالشبكات تنهار، الاقتصاد يخبو، البطالة تستشري بشكل غير مسبوق والمعنويات العامة في الحضيض.

تعترف حماس اليوم بالفم المليء بأن ليس لها قدرة على الحكم في القطاع. وان وعودها بمستقبل أفضل لسكانها كانت عابثة ولا يسندها شيء. فقد أملت بالمصالحة مع السلطة الفلسطينية، والتي لم تحصل، على خلفية معارضة طلب ابو مازن نزع سلاح المنظمة وانخراطها في أجهزة أمن السلطة التي تأخذ على نفسها السيطرة في غزة  واعادة بنائها.

في إسرائيل يحبون ان يكرهوا أبو مازن، ولكنه ليس إمعة. لو كان استجاب لطلب استجداء حماس، لتم دفن السلطة مرتين: في غزة، حيث يعلق مع المشاكل ويترك حماس لتكون بطل الشارع الذي يقاتل ضد إسرائيل، وضمنا في الضفة، حيث كان سيسمح لحماس بتحقيق مزيد من الشعبية على حسابه. ليس واضحا إذا كان ابو مازن على الاطلاق اراد مساعدة غزة أم انه سعى إلى خنقها ولكنه رفض التراجع. وكانت النتيجة هي ان المشكلة تدحرجت كما هو دوما إلى الملعب الإسرائيلي.

بحثت حماس عن حلول بديلة للوضع. مال قطري، وساطة مصرية، وحتى اتصالات عقيمة مع دول في الغرب (وبالطبع التسكع الدائم مع إيران، الذي ادى إلى مساعدة مالية معينة للمنظمة، أصغر من تلك التي يتلقاها من طهران شريكها – خصمها في القطاع، الجهاد الاسلامي). وعندما وصلت إلى طريق مسدود، عادت حماس إلى المطارح المعروفة للاحتكاك مع إسرائيل. بداية احتكاك مدني، بدأ في كانون الاول في "مظاهرات" احتجاج على قرار الرئيس ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبعد ذلك احتكاك عسكري على الجدار وصل الذروة في الأسبوع الماضي.

على الطريق كانت عدة نقاط اساسية. الاحداث العنيفة ليوم الارض في 30 اذار وبعدها تلك في يوم نقارة السفارة إلى القدس في 14 ايار، والتي ادت إلى الهدوء، بوساطة مصرية، بالذات في اليوم الذي كان يفترض أن يكون هو الاعنف، يوم النكبة، في الغداة. هذا اثبت شيئين: ان حماس في ضائقة ومن شأنها ان تتوجه إلى العنف، وأنها تتحكم في المنطقة بشكل مطلق، إذا ارادت ان تشجيع العنف فعلت وإذا ارادت أن توقفه فتوقفه على الفور.

في محاولة للحفاظ على احتكاك دائم مع إسرائيل، اختارت حماس في الأسبوعين الاخيرين تحويل الجدار إلى مجال للإرهاب. بدأ هذا مع الطائرات الورقية الحارقة التي فعلت العجب بحقول الكيبوتسات في غلاف غزة، تواصل في محاولات اطلاق النار ورشق الزجاجات الحارقة على قوات الجيش الإسرائيلي، وبلغ الذروة في بداية الأسبوع الماضي مع محاولة زرع عبوة قرب الجدار. الجيش الإسرائيلي رد بنار دبابة نحو موقع مجاور للجهاد الاسلامي، الذي كان مسؤولا عن العملية فقتل ثلاثة من عناصره.
في الجهاد اقسموا على الانتقام. فغير قليل من المحافل في إسرائيل يعتقدون بان هذا كان أمرا مباشرا من طهران، من خلال قيادة التنظيم في دمشق، بهدف اشغال إسرائيل في الساحة الجنوبية مما يخفض قليلا من الضغط الذي تمارسه ضد وسائل تثبيت التواجد الإيراني في الساحة الشمالية. معقول ان يكون هذا التفسير صحيحا ولكنه ليس كاملا: فحتى لنشطاء الجهاد في غزة فتيل، كان قصيرا جدا هذا الأسبوع، وطلبوا الانتقام. في المرة الاخيرة التي حصل فيها هذا، في تشرين الأول من العام الماضي (بعد أن دمرت إسرائيل نفقا للتنظيم ودفنت فيه 12 من عناصره)، انتظر الانتقام زمنا طويلا. اما هذه المرة فقد اراد الجهاد سطرا أخيرا مختلفا.

في إسرائيل ينبغي أن يكونوا قلقين من التفكر الذي استخدموه في غزة، عندما اختاروا طريقة الرد. عشرات قذائف الهاون نحو استحكامات الجيش من ناحل عوز وحتى تسوفا، هي ظاهرا هدف مشروع، الموقع بالموقع والمقاتل بالمقاتل، ولكن الإصابة التي كادت تقع في روضة الأطفال في عين هشلوشا كان يمكن ان تنتهي بمصيبة. ليس واضحا لماذا ظنوا في الجهاد ان إسرائيل ستمر على هذه الاحداث بسكينة، وكأنها لا شيء، كمرور الكرام: ليس واضحا أيضا ماذا ظنوا في حماس حين اقروا للجهاد أن يحطموا القواعد ليوم واحد.

اما الرد الإسرائيلي الحاد، والذي تضمن هجوما على عشرات الأهداف، في وضح النهار، فقد ادخل حماس في فخ. فجأة وجدت نفسها في مكانة فتح: الحاكم، الذي يخشى المواجهة مع إسرائيل ويتركها لمنظمات اخرى. الشارع هتف مطالبا بالانتقام، والشبكات الاجتماعية عربدت، بينما تنظيم المقاومة الاساس جلس هادئا.

استغرق هذا بضع ساعات فقط إلى أن قررت حماس الانضمام إلى النار. ومع أنه بقي دون تحطيم القواعد، وسمح بضرب البلدات المجاورة للقطاع فقط، ولكنه اشار لإسرائيل بان حماس هي الاخرى في اللعبة.

ولكن خلف الكواليس ادارت حماس لعبة مزدوجة. توجهت لإسرائيل عبر مصر وطلبت هدوءا فوريا. ولاحقا في المساء ادعت حتى انه تحقق وقف للنار. في إسرائيل رفضوا خوض مفاوضات وقدموا الجواب الدائم: إذا اوقفتم اطلاق النار، فنحن أيضا سنوقفه. وفي هذه الاثناء استغل الجيش الإسرائيلي الفرصة ودمر غير قليل من اهداف المنظمة، وبالأساس تلك المتعلقة بتعاظم قوته العسكرية. حماس فهمت الرسالة، فأوقفت في الفجر النار من غزة تماما.

جولة قصيرة وغير تمثيلية في النقب الغربي قدمت أول امس ما هي المعضلة الإسرائيلية. في سديروت، بعد ليلة من الانذارات والملاجئ، طالبوا بعمل قاطع؛ في كيبوتسات الغلاف طالبوا بالعودة إلى الهدوء. وراوحت إسرائيل هذا الأسبوع بين هذين الطرفين: جاهزية فورية لعمل واسع واستعداد للتوقف الفوري عن العملية.

ولكن الحسم الإسرائيلي يجب أن يكون استراتيجيا، وليس تكتيكيا. اولا بسبب سلم الاولويات الوطني. اذا كانت إيران اليوم في المكان الأول، فمحظور على إسرائيل ان تجتذب إلى تصعيد في الجنوب. وهذا صحيح أيضا في نظرة مركزة على غزة. فشيء ما فيها انكسر، ولن يكون ممكنا اصلاحه. مطلوب طريق آخر، يمكن أن يكون واحدا من اثنين: معركة واسعة أو تهدئة طويلة الامد.
في الاسابيع الاخيرة تجري اتصالات أولية، بوساطة مصرية، لفحص الامكانية الثانية. معقول أن يكون الطريق إلى هناك مليء بالعقبات والازمات ولكن فحص الخيار واجب، وليس فقط لان من مسؤولية الحكومة البحث عن كل سبيل قبل الانزلاق إلى الحرب.

هدنة كهذه ستجبي ثمنا من الطرفين. فإسرائيل ستكون مطالبة بالسماح بمشاريع لإعمار القطاع بل ودفع ثمن بتحرير سجناء مقابل اعادة المحتجزين في غزة. وبالمقابل يمكن لإسرائيل أن تتلقى غير قليل من التنازلات من حماس، بما في ذلك في مجال التعاظم العسكري. الاحساس العام كان ان هذا ممكن.

على هذه الخلفية ليس واضحا ما الذي دفع بعضا من وزراء الطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية "الكابينيت" إطلاق التهديدات. فهم يعرفون صورة الوضع والخطط العسكرية، ويعرفون ان احتلال القطاع، اسقاط حماس، قطع رؤوس زعمائها، ليس على جدول الاعمال في هذه اللحظة. بل العكس هو الصحيح إذ ان إسرائيل سعت إلى اعادة المعضلة إلى غزة كي يحطموا هناك الرأس. فإذا اختارت حماس الحرب فستكون المسؤولية عليها وإذا اختارت الهدوء فهي ستصل اليه من نقطة ضعف.
هذه المعضلة ستزداد الان. يوم الثلاثاء متوقع يوم قتالي آخر على الجدار، يوم النكسة. ويحتمل أن تستأنف بعده محاولات تحدي الجيش الإسرائيلي على الجدار. وفي هذا احتمال للتفجر الذي يفتح جولة اخرى. وهذا ما يجعل الجيش يبقي على قوات معززة في الجبهة والمواظبة على التدريب لحرب في الجنوب. وستقرر الايام القريبة القادمة إذا كان حزيران 2018 ينضم إلى أشهر حزيران سابقة، أم يكون مؤشرا بالذات لبداية تحول في جبهة الجنوب.