الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في الحيّ اليهودي المنسي تقع فلسطين ويغيب الحاخام "يوسي ريفلين" للمرة الثانية (صور)

2018-07-16 06:10:22 AM
في الحيّ اليهودي المنسي تقع فلسطين ويغيب الحاخام
حي مئة شعاريم في خمسينيات القرن الماضي

 

الحدث ـــ محمد بدر

في عام 1857 كان مشروع استيطاني يولد في القدس حيث لم تكن الصهيونية نفسها قد تأسست ولا المشروع الاستيطاني المنظم قد تبلور. أسس الحاخام "يوسي ريفلين" حفيد الحاخام "موشي ريفلين" شركة أسماها "نبني أورشاليم"، حينها كان "ريفلين" من قادة الجالية اليهودية في فلسطين ومن أهم الشخصيات اليهودية وشخصا مؤثرا في الوسط اليهودي.

 

الحاخام يوسي ريفلين

هدفت الشركة التي أسسها "ريفلين" إلى بناء أحياء لليهود خارج أسوار المدينة القديمة، ومن بين الأحياء التي كان مسؤولاً عن بنائها بشكل مباشر "نحلات شيفا" و "بيت داود" و "مئة شعاريم" و "زخرون توفيا" و "شعاري زدك" وغيرها، وكان يطمح  لإنشاء 16 حيًا يهوديا في القدس.

واحدٌ من هذه الأحياء كان يسمى بـ"باريس الشرق"؛ وعمل "ريفلين" على أن يكون هذا الحي نموجا للتحديث والتطور. بعد تسعة سنوات من بنائه وقف فيه "ريفلين" وخطب قائلا: "قبل تسعة أعوام وقفت هنا ونظرت لهذه المنطقة المهجورة.. وشعرت بخطورة المسؤولية، كيف لي أن أقنع الناس بالمجيء إلى هنا؟ وبعد أن اكتمل الحلم، ها أنتم تلقون بي خارج الحي..."، هوجم "ريفلين" خلال خطابه هذا وضُرب وأُلقي خارج حي "مئة شعاريم" الذي بناه.

 

حي مئة شعاريم في خمسينيات القرن الماضي

لم يكن خطاب "ريفلين" سوى دلالة على التحولات الكبيرة التي حدثت داخل الحي، اتجه السكان للتشدد ورفض الآخر، وعادت ثقافة "الجيتوهات" لتحكم سكان الحي الجديد من جديد؛ ما حدث في الحي ومع "ريفلين" يكاد يكون موقفا للتاريخ وللحقيقة العلمية؛ بأن "جيتو المنفى" كان نتيجة فعل اجتماعي موضوعي وذاتي ولا علاقة له بظروف محيطة كما روّجت الحركة الصهيونية فيما بعد.

الحركة الصهيونية و"مئة شعاريم"

كان أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية هو خلق هوية جماعية للشعب اليهودي، وبناء شخصية جديدة تختلف عن الشخصية اليهودية التقليدية، بحيث يكون لها خصائص ثقافية واجتماعية مختلفة عن تلك التي ميزت المجتمع اليهودي في المنفى، ودعت الحركة الصهيونية منذ بداياتها إلى تحدّي النظرة الدينية، واقترحت بديلاً قيمياً وأيديولوجياً وأخلاقياً، وكانت الحركة الصهيونية تسعى من وراء ذلك إلى خلق مجتمع متجانس على غرار المجتمعات الأوروبية ذات الأيديولوجيات الوطنية.

إلا أن استعارة الحركة الصهيونية لبعض المفاهيم والمعاني والوعود الدينية خلقت حالة من الالتباس في هذه الهوية الجديدة، وبالتالي خلق حالة من عدم القدرة على تعريف هوية الدولة والمجتمع، ولم تستطع بذلك الصهيونية أن تتجاوز اليهودية الديانة.

 وبكل الأحوال إنه من المهم التأكيد أن الأحياء اليهودية التي بنيت ما قبل نشأة الحركة الصهيونية، كانت دافعا من دوافع الحركة الصهيونية للتوجه في مشروعها الاستيطاني لفلسطين، خاصة وأن بعض المستوطنات التي قد تشكلت على دينية في فلسطين؛ أصبحت بمثابة قاعدة استيطانية جاهزة.

بالنسبة لسكان الحي فإن الحركة الصهيونية أحدثت تغييرات كبيرة في جوهر العقيدة الدينية فيما يخص دور الفرد في الخلاص، ويشددون على أن خلاص اليهود يكمن في حركة إلهية بحتة لا علاقة للإنسان بها، ويرفضون كذلك القول الشائع لدى الصهيونية بأن ضياع الدولة استبعد اليهود من التاريخ، فهم يؤكدون دوما على أن اليهود لعبوا دورا فعالا في تشكيل تاريخهم، وشكلت هذه الأفكار قطعا بينهم وبين الحركة الصهيونية وفيما بعد "إسرائيل" الدولة بعد إقامتها، ونظروا للدولة القائمة ككيان شيطاني لا علاقة لليهود فيه، وشكّلت "إسرائيل" بالنسبة لهم خطيئة كبرى تضاف لخطايا اليهود؛ هذه الخطايا التي تؤجل الخلاص.

 

يدهشك دائما الناس.. لا الرحلات ولا الذكريات

كتب الصحفي الإسرائيلي "جيل كوهين" عن الحي بعد رحلة فيه استمرت لسنوات كان من المقرر أن تكون رحلة أيام: "اعتدت على حمل الكاميرا منذ أن كنت طفلا.. واستطاعت عدستي أن ترصد كل شي في إسرائيل؛ الرحلات والورق والبحر.. لكن ما يدهشك دوما هو الإنسان، الصورة أحيانا تخذله".

من داخل حي مئة شعاريم

ويضيف "كوهين" في كتابه الذي ألفه عن الحي: "تربيت وترعرعت في حي علماني، وكانت صور ساكني مئة شعاريم النادرة تستفزني، طريقة لباسهم ونمط حياتهم وقوانينهم المتشددة.. لكني أضطررت أن أقترب منهم ومن حياتهم في مهمة عمل مع وكالة رويترز التي أعمل فيها".

ويروي "كوهين" عن لحظاته الأولى في الحي، حين أوقفه مجموعة من سكان الحي ومنعوه من التصوير.. وازدادت الصورة ظلاما حول الحي وسكانه لدى "كوهين" عندما بدأوا بالصراخ في وجهه: "أنت يهودي؟! هل قرأت في التوراة أنه لا يجوز للإنسان أن يصنع لنفسه تمثالا؟".

في النهاية، اضطر كوهين أن يوهمهم بأنه يريد أن يصبح جزءا منهم ووافقوا على ذلك مقابل أن ينعزل عن المحيط، بعد أيام من وجوده بينهم قرر "كوهين" أن يصبح جزءا من هذا المجتمع واستمرت رحلته لسنوات وخرج من هذه الرحلة بكتاب يقول فيه: " اكتشفت عالمًا كاملاً مذهلاً بما يحوي من الجماليات الروحية بعد أن كنت أظن أن سكان الحي مجموعة من المتطرفين.. لقد انجذبت بشكل خاص للمجموعات المعادية للصهيونية وإسرائيل، في هذه المجتمعات هناك الكثير من الجمال والروحية المخفية.. هذه الرحلة شحذت مشاعري اليهودية وأنا أعترف بذلك".

رحلة أنس .. والممنوعان

على مدخل الحي ليلا، وقف أنس برفقة صديقته التي تتقن العبرية، اللافتة الأولى المعلقة على مدخل الحي أيقظت أنس لمحظور يرافقه، الصبية لا تلبس غطاء للرأس، واللافتة تشدد على أن أي امرأة تدخل الحي بلا غطاء رأس ولباس "محتشم" يتم مهاجمتها.. مع ذلك قرر الاثنان الدخول والمغامرة إلى حي داعش المنسيّ كما يصفه البعض..

 

لافتة تحذيرية بخصوص لباس النساء

 

المحظور الثاني هو كاميرته التي وثقت بيوت الحي القديمة، التي بحاجة إلى إعادة تأهيل، لكن لا أحد هناك يقبل أن تقوم "دولة الشيطان" بتأهيلها، ومع ذلك تجول أنس ومحظوريه في شوارع الحي، راصدين المطعم العام الذي يقدّم الطعام للفقراء، والسيارات القديمة والنفايات التي ملأت الشوارع، وفي الحي مكان يعقد فيه سكان الحي مشاوراتهم ويقررون ويقرّون قوانينهم الخاصة.

في الحي علم فلسطين طبع على الجدران، وطبعت عبارات لا يجرؤ كثيرون من العرب ترديدها بحق "إسرائيل"؛ في ذكرى "استقلال إسرائيل" بينما كان قادة "إسرائيل" يحتفلون في القدس بإنشاء الدولة، كتب سكان الحي على الجدران: "70 عاما على نشوء دولة الشيطان.. 70 عاما على سقوط مملكة السماء".

علم فلسطين داخل الحي

 

ليس أكثر من هذا التناقض تناقض

لم يكن الحاخام "يوسي ريفلين" يعلم وهو يردد خلال بناء الحي: "تم بناء الجدران؛ إنها قراءة للخلاص.. أبوابها أبواب المجد والنور، حتى تتحد القدس ونعلن الحياة"؛ أن جدران الحي ستبقى شاهدة على "شبه مجتمع" لن يتحدّ، لسبب بسيط؛ أنه أسقط غصبا على أرض تلفظه في كل مرة، وأن الحي الذي بناه كأول لبنة في الاستعمار؛ يرفض الاستعمار والاحتلال بقدر وموقف عكسي.

 

 عبارة كتب فيها أن دولة الصهيونية كفر وباطل