ربما تعتبر حالة الاعتداء على أي من الكوادر الطبية، هي الأصعب على نفوس الطاقم الطبي كله من الكوادر الطبية، وتثير الكثير من الألم في النفوس وتترك انطباعا سيئا أن كل شخص منهم قد يتعرض لهذا الموقف والاعتداء اللفظي والجسدي والمعنوي، في الوقت الذي يعاني الجراحون والكوادر الطبية من حالة ضغط دائمة، بسبب الاستنزاف الكبير للطاقة والموارد، ناهيك عن استهداف جنود الاحتلال لأفراد الطواقم الطبية ووسائل النقل الطبي والمراكز الطبية والمشافي الميدانية.
إن ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية ليست حصرية هنا في غزة أو في الضفة الغربية، بل هي ظاهرة تجتاح كل المستشفيات والمؤسسات الطبية في العالم، وسجلت حالات من الوفاة والإعاقة الدائمة نتيجة لهذه الاعتداءات، ولكن نظراً لخصوصية وضع مستشفيات قطاع غزة وما تعانيه الكوادر الطبية وما يقع عليها من ضغط اجتماعي وأسري ونفسي؛ فإن المعاناة تتضاعف ولذلك تصنف هذه الاعتداءات بالخطيرة والشاذة عن عادات وتقاليد شعبنا الفلسطيني، فحين يُهدد الطبيب فإن الخدمة الطبية المقدمة للمرضى والمواطنين داخل المشافي تتأثر، ولهذا يجب أن يتم إدخال ثقافة مجتمعية للجميع بأن أي اعتداء على هذه المؤسسات الطبية، هو جريمة اعتداء على جميع المرضى وعلى القطاع الصحي والعاملين والمنتمين له.
وأتذكر أنه في ليلة ما تم استدعائي لصرف أدوية لقسم العناية المركزة، ولاحظت أن هناك حالة "شحن وغضب حادة" لمواطنين يقفون بجانب العناية، وفي تلك الليلة توفى أحد المرضى في العناية المركزة، مما أدى لسخط هؤلاء المواطنين ورفضهم للوفاة، واقتحموا القسم وانتهكوا خصوصيته، وقاموا بتكسير أجهزة طبية ثمينة تقدر بآلاف الدولارات، وتم قذف الأطباء والممرضين بالكراسي والاعتداء عليهم لفظيا وجسديا وتعريضهم للخطر المباشر، ولولا ستر الله لتوفى ممرض نتيجة إصابته بأثاث خشبي ثقيل تم ضربه به، ولقد أبدت الطواقم الطبية في القسم حالة من الصمود النفسي واحتواء الأمر مع أن الواقعة كانت مرعبة وغير محتملة وداخل قسم حساس بوجود مرضى يخضعون للعناية المكثفة.
وبالرغم من حالة التسامح المجتمعي في معالجة مثل هذه الاعتداءات ومحاولات احتواء أثرها، فإن تكرارها يعد أمراً لا يحتمل ولا يمكن التعايش معه، ولأنه لا يوجد تشريع يمكن أن ينهي ظاهرة الاعتداء على الأطباء والكوادر الطبية والتمريضية، وإنما القضية أخلاقية وقيمية بالدرجة الأولى؛ يتوجب على الأطباء امتصاص حالة الغضب لدى المريض وذويه ومراعاة ظروفهم النفسية وتدريب الكوادر على التعامل مع هذه الحالات للحد ما أمكن من تفشي هذه الظاهرة، وفي نفس الوقت فإن تشكيل خطة حماية للطواقم الطبية داخل أماكن عملهم وتنفيذ القانون في حالة الاعتداء، وتغليظ العقوبة على من يعتدي على الكوادر الطبية سيشكل رادعا للمعتدين وحماية لمقدمي الخدمة الطبية، كما ويجب اعتبار أن الاعتداء هو إهانة مباشرة لهيبة المؤسسة كاملة.