الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة إلى غرينبلات: الغرينغو وفنون الغشمنة/ بقلم: د. حسن أبولبده

2018-12-02 08:38:48 AM
رسالة إلى غرينبلات: الغرينغو وفنون الغشمنة/ بقلم: د. حسن أبولبده
د. حسن أبولبده

 

كمواطن فلسطيني يعتز بمواطنته ولا يخطط للمتاجرة بها، أجد من واجبي أن أبعث لك برد على موعظتك حول مساعدة الشعب الفلسطيني. وقبل أن أتوغل في ردي فإنني أطمئنك بأنني لست من المصفقين أو المداهنين للقيادة الفلسطينية، ولدي تحفظاتي على أدائها كما هو حال الكثيرين مثلي، لأسباب لا تخطر ببالك أو ببال الملقنين من حولك، خاصة فلسطينيو آخر طبعة، ولكنني كفلسطيني غيور على مستقبل أحفادي، أجد نفسي ملزما بالوقوف مع القيادة الفلسطينية في وجه أكثر الحكومات الأمريكية يمينية وسطحية وغشمنة في تاريخ الصراع العربي-الفلسطيني مع إسرائيل، والتي بسلوكها وعدوانيتها على كافة المسارح ستعود ولا شك بالضرر الاستراتيجي على شعبها الطيب المسالم في غالبيته، هذه الحكومة التي لا تفوت فرصة في دفع العالم إلى مربع الحرب الباردة والصراعات الدموية.  إنني كفلسطيني يعتز بهويته، أرى في ما سعيت إليه بتغليف حقد حكومتكم الدفين ببكائية مساعدة الشعب الفلسطيني، ليس أكثر من محاولة مكشوفة للتحريض على القيادة الفلسطينية لعدم انصياعها لبرنامجكم والتسليم لكم بحقوقنا غير القابلة للتصرف، وقد يكون لسطحية اطلاعكم على خفايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم جرأتكم على الإعتراف بدور دولة الإحتلال في ما نحن فيه اليوم من فقر وبطالة واضمحلال الأمل بالمستقبل، الدور الأكبر في محاولة استغفالنا بهذه البكائية غير المستندة إلى وقائع، وأفصلها أدناه:

أولا: كيف لهذه القيادة، مهما اختلفنا معها، أن توافق على خطتكم وهي تكتب في حواري تل أبيب والقدس الغربية بخط أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية في تاريخ إسرائيل، على أكتاف الوقوف بوجه بديهيات مرجعيات عملية السلام.  وهل تعتقد بأنه حتى لو وافقت هذه القيادة على خطتكم، التي تختصر طموحات الفلسطينيين بمجموعة منافع مؤقتة وكانتونات ومسميات ليس لها في التاريخ شيء، سيتحسن وضع الفلسطينيين اقتصاديا في ظل استفحال قضم الحقوق الفلسطينية؟، بالتأكيد لا.

ثانيا: ألا تعلم أن أحد أهم أسباب فقر حالنا هو استمرار الاحتلال وقم الأرض والموارد من قطعان المستوطنين، وقيامه بمنع أي إمكانية للنمو والتطور في مختلف المناطق بغض النظر عن تصنيفها، ووضع العراقيل اليومية بوجه النفاذ الاقتصادي إلى العالم. هل تعلم مثلا أن أعتى المستثمرين الفلسطينيين من أبناء الشتات لا يستطيع الاستثمار في وطنه لمنعه من العودة (استثماريا) والإشراف على استثماراته في وطنه.

ثالثا: ألا تعلم بأن معظم الشركات الرائدة في قطاع التكنولوجيا لديها قصص نجاح مبهرة، وليست بحاجة لجسر إسرائيلي أو أمريكي إلى العالم.  إننا يا سيدي ندرك جيدا أن حسرتكم في هذا المجال تحديداً ليست لوجه الله، حيث أن قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يعاني من نقص شديد في الخبرات والأيدي العاملة الماهرة، وبالتالي فإنكم تحاولون تصدير دأبكم لمساعدة إسرائيل في توفير المبرمجين مستغلين بذلك الفلسطينيين.

رابعا: وما دمت تعتقد بأن الفلسطينيين يستحقون أفضل، فهل تتم ترجمة ذلك بقطع المساعدات الأمريكية التنموية للفلسطينيين، والتي تمس حياة كل مواطن، قبل أن تمس القيادة التي تسعون لتغييرها. أم أن قطعها يجيئ عقابا للفلسطينيين لأن قيادتهم قالت لا لغطرسة ال "غرينغو" الأمريكي.

خامسا: وهل تعتقد بأن الفلسطينيين أغبياء وسذج لدرجة محاولة إقناعهم بأن القيادة الفلسطينية تعمل على "منعهم من الشعور بالارتياح حتى لا يفقدوا اهتمامهم بالقضية الفلسطينية"، وكأن وطنية الفلسطينيين مرهونة بالفقر والحاجة، وليست متجذرة في جيناتهم وآبائهم وأجدادهم. وهل سألت نفسك لماذا قام الفلسطينيون بانتفاضتهم الأولى في أوج رخائهم عام 1987، أم أن مخابراتكم لم تزودكم بهذه المعلومة.

سادسا: الفلسطينيون متعلمون جيدا وخبراء ولهم باع طويل في مسيرة النمو في اقتصاديات عديدة حول العالم، وفعلا كما أشرت فإن ".. العديد منهم ممنوع من ترجمة تلك الصفات إلى مهن أو وظائف توفر لهم ولأسرهم لقمة العيش.." بفعل قيود التنقل والاستثمار والإستيراد والتصدير التي تفرضها دولة الاحتلال على مقدراتهم، وعلى الرغم من ذلك فإننا نعتد بنجاحات معظمهم على الرغم من ظروفهم ومعيقات الاحتلال.

سابعا: وهل تعتقد بأن نافذتك المتمثلة بحفنة من رجال الأعمال الذين تلتقيهم تحت جنح الظلام، وتغريهم بثمن الخروج عن الصف الوطني، تؤهلك للبناء على ما يقولون لك بالسر، وتتبجح بقدرتك من خلال مبادرات متواضعة في قطاع صغير كقطاع التكنولوجيا، على إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني وخلق السلام الاقتصادي.  ولو كنت تبحث حقا عن رأي القطاع الخاص، أليس من الأجدى بك العودة لمؤسساته التمثيلية واستمزاج رأيها، ولديك من العسس ما يكفي ليرشدوك إلى عناوينهم. أما بما يتعلق بالأحلام التي لم تتحقق كما تدعي، فابحث مرة أخرى عن دوافعكم للعبث في هذا القطاع، حيث أن القيادة الفلسطينية على اطلاع كامل على كل الشراكات الفلسطينية الإسرائيلية في قطاع التكنولوجيا، وتشجعها وترعاها حين لا تكون أهدافها مشبوهة وتساهم في جهودكم لإخراج صفقة قرن على مقاس المتطرفين في إسرائيل. ليس فخراً لأي فلسطيني الخروج عن الصف الوطني ومقابلتكم، والحفنة التي تقابلها لا وزن لها في فلسطين، وإن كان لها وزن فهو في مخيلتكم ليس أكثر.

ثامناً: أليس من السخرية أنه في الوقت الذي تحاولون فيه الإطاحة بالقيادة الفلسطينية تصدحون بأن ".. للولايات المتحدة الحق في اتخاذ هذه القرارات التي تصب في مصلحتها"، وهل من حقكم الدفاع عن مصالحكم، وليس من حق غيركم فعل الشيء ذاته.

تاسعا: تدعي بأن السياسات الفلسطينية تتناقض مع اتفاق أوسلو، رغم مئات التصريحات والدراسات والتقارير الأممية التي تؤكد أن الطرف المعطل لاتفاقات أوسلو وباريس الاقتصادي هو إسرائيل. ألا تعلم بأن هذه الاتفاقيات الانتقالية حولتها حكومات اليمين المتعاقبة بإسرائيل إلى اتفاقيات دائمة، وفي هذه الأثناء أحرقتها ممارسات هذه الحكومات ومستوطنيها. وإن كنت حقا تتألم لحالنا فألح بالطلب من حكومتكم الإطلاع عليها. إضافة إلى أن مسألة التطبيع التي تكررها هنا لا تعدو كونها مسألة إذعان ليس أكثر.

عاشرا: أما بالنسبة لوقف التمويل الأمريكي فأنت تعلم ولا شك أنه لم يكن يوما تمويلا مباشرا لخزينة السلطة، وإنما هو تمويل يقوم على أساس تنفيذ مشاريع بنية تحتية بأضعاف سعرها الحقيقي، وتمنحون هذه المشاريع بيد وتسحبونها باليد الأخرى.

يا حضرة الغرينغو:

إن القيادة الفلسطينية، وعلى الرغم من مآخذي عليها، تمثل الشعب الفلسطيني، وهو الوحيد القادر وصاحب الحق في تغييرها، وإن كانت لا تعكس بعملها طموحات شعبنا فنحن أصحاب البيت، ونحن الذين نقرر كيف ومتى وبأي طريقة نحيلها للتقاعد. أما أنتم، فليبق "غرينغو" محلقا في أضغاث أحلامه باندثارنا وذوباننا في غياهب التاريخ. أنت مخطئ يا حضرة الغرينغو، فنحن لسنا الهنود الحمر في وطننا، نحن أصل الحكاية وملجأ التاريخ.  واسمح لي بأن أختتم بهذه الرسالة إلى الـ"غرينغو" فيكم: إذا كان التمسك بالثوابت فشلا من وجهة نظركم فنحن فاشلون، وإن كان رفض الخنوع لإملاءتكم خيانة فنحن خائنون، وإن كان ثمن نيل رضاكم هو التسليم بحقوقنا فنحن ضالون، وإن كان السلام الاقتصادي هو طريقكم فنحن مفارقون.