الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قل لي إلى أين المسير؟

2013-12-24 00:00:00
قل لي إلى أين المسير؟
صورة ارشيفية

ابراهيم جاد الله

كاتب مصري

 أذكر مرة حين تحتم علي التعرض لإشكالية إعلامية أو أمر يخص الخطاب الإعلامى العربى أن تذكرت كتابا لشاعر العامية المصرية الكبير عمنا بيرم التونسى (مذكرات فى المنفى) وما ورد بإحدى صفحاته، أنه عندما اشتد جوعه، تناول كتابا عله ينسيه صرخات البطن الجائعة، ولكن الأمر التبس عليه نتاجا من الجوع ، فراح يقرأ الخبر خبزا.

ولعل ذلك يكون مدخلا آخر للذاكرة، وأنا أرصد بيقين ما كان يقوله المفكر المصرى الراحل أمير اسكندر فى السبعينات وهو يعلمنا كيف تكون الحيادية والموضوعية في تناول القضايا ذات الحساسية في التأثير على أوسع قواعد جماهيرية، وكان يتحدث عن منابر الإعلام وتعدد منطلقاتها ورؤاها، رابطا بشكل جدلي بين أصحاب تلك المنابر ومموليها سلطة كانت أو أفرادا أو جماعات، وبين خضوع كل منها لشروط الممول.

والشعب الفلسطيني مثله كمثل الشعوب العربية الأخرى، وقد انقسم موقفه حول الأحداث في بلدان الربيع العربي، فمن أبنائه من اعتبرها ردا طبيعيا من الجماهير المقهورة المهمشة على الدكتاتوريات المتكلسة، ومنهم من اعتبرها مؤامرة غربية تندرج تحت اسم الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، واستمر الانقسام وبشكل أكثر حدة حول التحولات الجذرية في مصر، خاصة بعد عزل الرئيس مرسي من قبل الشعب الذى استعان بجيشه العربي، من رأى ذلك من الفلسطينيين انقلابا على الشرعية، ومن رأى ذلك تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير 2011 المباركة التي أسقطت نظام مبارك، وهذا لعمرى أمر طبيعي بسبب اختلاف الآراء والخلفيات والتحليل والانتماء والرؤية والتوجه والفهم.

لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين أنفسهم، فهناك من يشيطن وهناك من يخون وكأن ما هو مسموح  لكل العرب ممنوع على الفلسطينيين. لا أشك معكم للحظة أن هناك علاقات جد مميزة بين حركة حماس ذات المرجعية الإخوانية وحركة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى كرسي الحكم في مصر بطريقة اختلف حولها الشارد والوارد. 

احتفلت حماس ووزعت الحلوى بعد فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية لأنه عزز بانتخابه وجودها، بينما أقامت سلطة رام الله الأفراح والليالي الملاح لسقوط حكم الإخوان في مصر، الذي سيضعضع حركة حماس منافسها التاريخي.

الذي يعنينا هنا هو أن استغلال هذه الأوضاع الصعبة من قبل فلول نظام مبارك للنفاذ منها لشيطنة حماس والشعب الفلسطيني ككل، وصل إلى حد التحريض على الفتك بالفلسطينيين والسوريين.

وهنا يكون الفلسطيني ويصير هو سَقطُ المتاع، أو الحيطة المايلة كما نقول بمصر فلماذا يتم شيطنة كل الشعب الفلسطيني؟ لماذا تستخدم حماس شماعة لتجريم الشعب الفلسطيني بكامله؟

إن مصر بالنسبة للقطاع هي الرئة التي يتنفس منها، والممر الذي يتيح للمحاصرين أن ينطلقوا منه نحو العالم، والمشفى الذي يستقبل مرضاهم، وحبة الدواء لأوجاعهم، ويد العون التي تمتد لهم في محنتهم، ومصر قبل هذه وتلك بلد التضحيات التي لا تحصى من أجل قضيتهم وقضية مصر والعرب الأولى.

ولم يطرح الإعلام العربى بتعدد منابره الخاضعة كما قلنا لأصحابها أو مموليها من الحكومات ذات التوجهات الرأسمالية، أو الأفراد الذين هم كذلك، أو منابر تمشي بركاب أنظمة لضمان استمرارية مداخيلها إلا التكالب على استدراج الفلسطيني إلى الصورة كل من جانبه، وفى الحالتين فالفلسطينى وقضيته التي هي حتما تظل قضية العرب المركزية يكون هو الضحية، أو كرة الصوف التي يكر خيوطها قطٌ أعمى.

إن هذه الاشتباكات الغبية من طرفي الإعلام التي تستدرج كلا منها صورة الفلسطيني كوسيلة لتبرير قناعاته الزائفة، والتي لا تصب فى محصلة النتاج إلا في المحصلة الإسرائيلية؟ توضح لنا أن الحالة المصرية من خلال إعلامها الكرنفالي ليست الاستثناء لقاعدة تجريم الشعب الفلسطيني بسبب تصرف مجموعة أو أفراد، فما فتئ النظام العربي الرسمي بكل أشكاله وأطيافه يستخدم الفلسطيني كبش فداء عندما يريد أن يبحث عن عذر أو شماعة يعلق عليها فشله أو تقصيره أو مخططه المشبوه، لأنه مهيض الجناح لا دولة تحميه، ولا سلاح قوي ينتصر له، ولا جواز سفر عادي يؤهله للحل والترحال على هواه، ولا قاعدة آمنة يلجأ إليها في الملمات. والإعلام ومنْ أسف يبارك هذه الصور ويقويها لدى الرأي العام مما ينتح آثارا لم تكن متوقعة أبدا بعد انخفاض وتيرة وإيقاع المد العروبي القومي