السبت  18 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

* مرافىء الوهم للروائية ليلى الأطرش

2014-12-23 02:34:02 PM
* مرافىء الوهم
للروائية ليلى الأطرش
صورة ارشيفية

مقطع من رواية

- أ تعرف أننا صورنا فيلماً وثائقياً عن زراعة الحشيش والمتاجرة به؟

- معقول؟!. وهل قبل الفلاحون والمهربون؟

- لم نظهر وجوههم، صوّرناهم من الخلف،  وكنا مع المجاهدين وطالبان، وهم المسيطرون على الزراعة والتجارة.. أقنعتهم بأننا سنعرض قضيتهم على الشاشة لمزيد من التعاطف وجمع الأنصار والتبرعات  فنحن مسلمون.

- هل جربته يا سيف؟

- أدمنته فترة حين كان متيسراً. سأطلعك على سر يعرفه قليلون،  اقترحت الفيلم لأعود بالحشيش  وأسدد ديوناً خنقتني.

- معقول؟! وكيف أدخلته؟!

- قصة تشبه الروايات، والأفلام.. ظلت أمي تؤكد أن بي شيئاً لله!. يا أخي أكون في مصيبة وإذ بها تُفرَج بسهولة، ويخدمني حظ يهبط من حيث لا أعلم... وبصراحة، وللحقيقة، لم يكن حرس الحدود بتلك الكفاءة..  الأمور في بداية الثمانينات عشائرية، ودولنا لم تقرر بعد أهي حكومة أم مشيخة؟ وكبار الشخصيات والعائلات الحاكمة والغنية ومن له واسطة يمرون من المطارات بلا تفتيش، وتفتح لهم صالات كبار الزوار، حتى وصلت إخباريات وتحريات عن تجار ومهربين تابعوهم وألقوا القبض عليهم في صالات الشرف، فكانوا من عليّة القوم، وأسماء لا يمكن تصديقها، تهرِّب وتدمن، فمنعوا فتح الصالات إلا للرسميين وفي أضيق الحدود  مع تفتيش الجميع.. هل جرّبت الحشيش يا سيد كفاح!

- أرجوك نادني كفاح، كما أناديك سيف؟ نعم جربته.. مرات قليلة ومتباعدة.. في لبنان.. في بعلبك والجنوب، وكنت كثير التردد على المقاومة هناك. أردت أن أعرف تأثيره، لم أحب المرارة في المرة الأولى.. ثم كرهت أن يصبح رأسي ملكاً لغيري، حتى ولو لأوهام الحشيش.. ليس لي إلا هذا الدماغ، فكيف أفرّط به؟.. أعدت تجربته مع الرفاق فحملني خارج الأشياء وفوقها.. وحين أفقت أدركت خديعته. الشعور بالتحليق فوق كل شيء والانفصال عن العالم جميل، ولكن إلى حين، لأن الواقع يصير أكثر صعوبة حين ترتد إليه . منذ وعيت تحملت مسؤولية عائلتي فوالدي دهَّان بسيط يتوقف عمله معظم الشتاء.. المهم، بعد ليلة تحرَّرْتُ فيها من كل كبت ورغبة مجنونة في داخلي توقفت، رقصت فوق الطاولة، مددت لساني لوجه أمي المُتَخَيَّل والرافِض لبوهيميتي، ضربت الولد العاقل فيَّ بالشلّوت، غنيت وصرخت وضحكت.. وحين أفقت سألت نفسي ثم ماذا بعد يا كفاح؟ ماذا تريد أن تكسر وماذا بقي لتتمرد عليه؟ قلت.. يكفيك يا أبو غليون. هذا ليس أنت. توقف الآن. وانتصرت على ذاتي بقرار لا رجعة فيه... وأنت يا سيف؟

- أقلعت عنه بحكم الضرورة. لم أعد أجده.. واستغلني التجار حتى آخر درهم من راتبي، استدنت لأشتريه، كنت أدخنه بشراهة حين يتوفر، أنا لم أدمن شيئاً سوى النساء والسجائر، وما عداهما أسقطه بسهولة.. قررت التوقف عنه إذا عدت سالماً من كابول، سافرت وقد نويت التوبة إذا نجحْتُ في تهريبه، كنت مفلساً ومديناً ومهددا بالسجن، لهذا سلّمني الله. وأعتبر أن ما حدث في الطائرة تحذيراً سماوياً، إلهاماً يقول لي سدد ديونك وابدأ من جديد. فكرت بزوجتي وأطفالي وتشردهم لو أمسكوا بي فتوقفت بعدها.

 يضيع حد فاصل بين الحقيقة والخيال في رواية رجل يلقاه عابراً، فيحمله على كل هذه الدهشة، وينسيه فضوله وما ينتوي.

- وماذا حدث؟

- واللهِ، رضى الوالديْن.. كلما تذكرت أرتجف. أحياناً تحس أن قوة ما تحميك، كنت خائفاً ووحيداً، وحقيبتي ومعطفي محشوّة بأكياسه الصغيرة.. لم يكن أمامي غير المحاولة مهما كانت النتيجة لأنجو من ابتزاز التجار والمروجين وأسدد ديوني.. طبعاً مطارات تلك الأيام صغيرة والتفتيش يدوي ولا يطال الشخصيات، وأنا اسم معروف ولي أصدقاء في المطار، فقلت لنفسي جرّب وإن نجحْتَ تُبْ.. طلبت من قائد الأفغان وبعض المقاتلين العرب كمية حشيش فأعطوني الكثير، قالوا تدبر أمرك في مطار بلادك، أما مطار كراتشي فإخراجك منه علينا.. تعرف أن حكومة بي نظير بوتو كانت تدعمهم وتساندهم. رأيتهم بنفسي يدخلون ويخرجون من المطار كأنه مطار أبيهم. حقيبتي الملغومة بالحشيش خرجت مع الأمتعة بلا تفتيش، ثم تركوني في قاعة كبار الزوار.

- ما زالوا يزرعونه ويتاجرون به لشراء السلاح، أمر معروف.

- أتصدق؟ سألت أحد زعمائهم عن هذا فقال، يا سيف من يشتري الحشيش ويستعمله هم أولاد الكفار. وهم يدفعون ثمنه من أموالهم فنشتري سلاحاً يقتل أبناء جلدتهم.. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة!. هذا ما نملك لحربهم.

 استفزني جوابه فأخطأت.. قلت، ولكن أولاد أمة محمد يدخنونه ويدفعون ثمنه أيضاً!. وكأنني نطقت كفراً، عربد وصرخ. إذا فعلوا فهم زنادقة مرتدون ويستحقون الموت.. يتركون قضايا الأمة ويغيبون في الحشيش، هذا ما تريده زبانية الشيطان من الكفار والنصارى.. آسف آسف مرة أخرى يا أستاذ!

- ولا يهمك، نسمع هذا ألف مرة على الشاشات.. أكمل.

- قال، إن المسلم الحقيقي يحميه دينه وعقيدته، ولا يفكر إلا بالجهاد ومحاربة الكفّار. بيني وبينك خفت أن أواجهه بأن بعض رجاله يدمنون الحشيش أيضاً، وحين تدور رؤوسهم حتى التجلّي يخشى رفاقهم الانكفاء والسجود لئلا ينقضوا على مؤخراتهم، قلت ربما يدري ويسكت ويعتبرهم غلمان المجاهدين! ها ها ها.. والباقون منهم حين تلح غريزتهم يركضون إلى الكهوف حيث نساؤهم ليقضوا وطراً سريعاً، فيدخلون ويخرجون في دقائق!. واللهِ حرام، هؤلاء وحوش. المرأة لعبة، وملاطفتها متعة وقدسية، تتزين لها وتتعطر، تبخّر ثيابك وتغتسل قبل أن تلمسها، تقبلها تشمها تضمها تشربها وتغوص في الحرير وسخونته، هؤلاء الحمير نسوا أمر الرسول بالملاطفة والملاعبة! يعني بصراحة، أنا في أمور النساء مسلم أكثر منهم ألف مرّة.

يدمع كفاح بضحكه، يجره فضول واضح:

- المهم.. كيف أدخلت البلوى التي تحمل؟

- ما جرى! خيال! لا يُصدّق.. من زوابع الحيرة ولحظات الخوف والدعاء جاء!.. نبع لي مخلِّصاً فجأة، رأيته كثيراً في نشرات الأخبار، من كبار القوم وعائلة معروفة ومتنفِّذة في بلادنا.. بينما يدخل صالة كبار الزوار قدّمت له نفسي، رحب بحرارة وبخلق عظيم، وأكد أنه يعرفني ومعجب ببعض برامجي. وبدأنا حديثنا.. سكنت عواصفي وقلت، يا رضى الله ورضى الوالدين إذا نفدْتُ بجلدي فسأتوب.

*  عن دار الآداب، وافاريت 2005