الثلاثاء  23 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة سياسية حول السلطة والواقع موجهة للرئيس عباس وقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية(1)/ علاء الريماوي

2018-12-29 09:52:00 AM
قراءة سياسية حول السلطة والواقع موجهة للرئيس عباس وقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية(1)/ علاء الريماوي
علاء الريماوي

 

لم يكن الواقع الفلسطيني بالسوء الذي عليه اليوم، سواء كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، بالإضافة إلى الضعف البين في القدرة على مواجهة الاحتلال وأداء الحكومة المضطرب والذي قد يسهم في انفجار خطير، إذ نحاول في هذه القراءة تقديم النصح لمن يعنيهم الأمر للمساهمة في الإضاءة على بعض القضايا الخطيرة، والتي يمكن من خلالها إثارة نقاش وطني للخروج من المأزق الوطني الذي نعيش.

أردت توجيه هذه القراءة للرئيس وقادة الأجهزة الأمنية الذين يقدمون ويتلقون تقديرات للموقف بشكل شهري لكنها للأسف لم تنتج حالة من التقييم السياسي الحقيقي.

وهنا وحتى لا نظل في إطار النقد، على الرغم من موقفي المعارض لأداء السلطة أحاول هنا قرع جدار الخزان حتى لا نظل في ارتكاسة متسارعة وخطيرة.

أ: بيئة الاحتلال السياسية ومنجزاته على حساب القضية الفلسطينية.

من الجهل بمكان، التقدير بأن بنية الحكم في "إسرائيل" ستتغير خلال السنوات العشر القادمة.

ما نفهمه من خلال المتابعة والقراءة لبنية الاحتلال السياسية، بأن اليسار قد تقوقع وانحسر على صورة حزب العمل الضعيف وميرتس المتلاشية.

أما الوسط فقد بات أقرب لليمين في فكر السياسية كلابيد عدا عن المتوقع ظهورهم على رأس أحزاب من العسكر "كيعالون وجانتس" رؤساء أركان الاحتلال السابقين.

لذلك حاولنا خلال الشهور الماضية قراءة التحولات في المجتمع الصهيوني وتوجهاته الانتخابية عبر تحليل 16 استطلاع رأي، عدا عن ربط الاستطلاعات بآخر مرحلتين انتخابيتين، وجدنا الآتي:

أولا: تصاعد التوجه اليمني داخل المجتمع، خاصة تلك المرتبطة بقضايا المواجهة مع الفلسطينيين، إذ تتوفر غالبية تصل إلى 70 % ترفض التفريط بالقدس الشرقية والانسحاب من المستوطنات، عدا عن رفض الحديث عن دولة مستقلة للفلسطينيين بنسب تختلف لكنها تتقارب.

ثانيا: يميل الناخب الصهيوني إلى اختيار الوجوه اليمنية على حساب اليسارية والوسط، إذ ما زالت بنية اليمين وشخوصه تسيطر على 68 % من المؤسسات الصهيونية المختلفة، بشكل تصاعدي، سواء على صعيد الكنيست أو النقابات والاتحادات، ويتراجع في المقابل حضور اليسار إلى مستوى التقهقر.

ثالثا: تعتبر شعارات اليمين وأفكاره في السياسة ضد الفلسطيني هي الأكثر حضورا، في الإعلام ومراكز البحث الكبرى في "إسرائيل"، سواء في قضايا مستوطنات القدس، التعاطي مع فلسطينيي الداخل، اللاجئين، وشكل الدولة.

رابعا: يتوفر لليمن الحاكم في "إسرائيل" لوبي يميني متطرف يدعمه بلا حدود، في الولايات المتحدة وأوروبا يتفق في الأفكار ويتماهى في شكل التعاطي مع الفلسطيني.

خامسا: تشير الرؤية التحليلية التي أجريناها إلى أن الداعمين للكيان في أمريكا وأوروبا من المفاصل الحاكمة يتبنون الرؤية اليمينية لإدارة الصراع.

سادسا: نجح اليمين في السيطرة على بنية الدولة ومفاصل قولبة الرأي العام مما توفر له إجماع في المؤسسة الصهيونية الحزبية، والسياسية، والأمنية على أن الحل الممكن مع الفلسطيني، يندرج في الإطار الاقتصادي، مع التسليم بأن الواقع الفلسطيني ضعيف وغير مقلق للاحتلال، خاصة في جوانب السياسة وأفق المواجهة مع الاحتلال.

هذه السداسية من النقاط، هي الأهم في إطار استطلاعنا المطول لبنية المجتمع الصهيوني خلال السنوات العشر والتي أشارت إلى حتمية في الاستنتاج الذي توصلنا إليه، ما لم يحدث هناك قدرية كونية تغير من المعطيات الناتجة عن التحليل.

في ذات السياق حاولنا أيضا حصر ما أنجزه الاحتلال خلال السنوات الماضية من وجهة نظره والمتفقة مع رؤيته اليمينية، إذ يمكن تلخيص ذلك بالاتي:

ب: إنجازات الاحتلال ونظرته لمبادئ المواجهة مع الفلسطيني

أولا: على صعيد السلطة الفلسطينية؛ يرى الاحتلال بأن البنية السياسية هشة في الضفة الغربية، بعد الرئيس أبو مازن وخلاله، متفقة هذه الحالة مع رؤية الدول العربية الرسمية، الأمر الذي ولد أشكالا من العلاقات مع العرب على حساب السلطة.

ثانيا: القراءة الاستراتيجية للاحتلال وصفت العلاقة مع السلطة في السنوات الأخيرة على أنها منهج للتعامل مع إدارات حكم وليس "كيان" له رأس ضابط للإيقاع، أي أن التعامل يتم مع كيانات داخل السلطة كالاتصال بها عبر (وزراء مدراء عامين، إدارة مدنية، مستويات أمنية، مستويات اقتصادية) بحسب الاختصاص.

ثالثا: يرى الاحتلال بأن المنهجية القائمة في التعامل مع الجانب الفلسطيني يجب أن تربط حالة الرفاهية بالأمن تحت عنوان (الاقتصاد المسيطر عليه مقابل حالة أمنية مستقرة)، لكن المرة من خلال التحكم بالمصادر المالية للسلطة (المقاصة) باعتبارها الجزرة التي يتم المقايضة بها.

رابعا: تخليص السلطة مواطن قوتها عبر الاحتكاك المباشر مع المجتمع الفلسطيني عبر المنصات التجارية والسفر، والعمل داخل الكيان، الأمر الذي أضعف حضور السلطة في الساحة الفلسطينية وسيضعفها لدور متسع للإدارة المدنية.

خامسا: نجح الاحتلال في التأسيس لحركة نخبوية لم تعلن عن نفسها بعد، تقترب من خيارات الاحتلال ترتبط بالاحتلال في الضفة الغربية والقدس وتمارس أشكالا شبه اجتماعية وسياسية تقترب من الحزب الحاكم والسلطة وتلعب أدوارا خطيرة الآن وسيكون لها أدوار أكبر خلال المرحلة القادمة.

سادسا: أسس الاحتلال ثقافة للانقسام، قبلناها وتعاملنا بها، ومنهجناها، مما أتاح للاحتلال الاستفراد بكل طرف من الأطراف بصيغة تناسبه مرحليا واستراتيجيا، وجعل سلوكنا لأسباب مختلفة ينتج حركة مؤسسات وأفراد تتكسب من الانقسام وتعتاش على الخراب الذي صنعه.

سابعا: استفاد الاحتلال من الانقسام في بناء استراتيجية تعامل مع الفلسطيني تقوم على رؤية سياسية تتجاوز الحصار لغزة، وصولا إلى بناء حكم قطاعي مقسم بين قوى اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية للضفة، تتصل مصلحيا بالاحتلال والدول المجاورة هذا في الضفة أما غزة فالرؤية إدخالها تحت ضغط الحاجة عبر سيناريو "المقايضة على الحياة بأدوات عربية وغربية".

ثامنا: يرى الاحتلال أن مؤسسته نجحت في بناء علاقات استراتيجية مع العرب، ودول إسلامية متجاوزة معها الملف الفلسطيني بكل تفاصيله، بل هناك تلميحات واضحة لتفاهمات مع بعض العرب على ملفات في القضية الفلسطينية كالقدس واللاجئين والحدود.

تاسعا: تتسع ظاهرة الاختراق الإسرائيلي في ساحات النصرة للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، إذ تمكن الاحتلال من قولبة الرأي السياسي العالمي بما يخدم سلوكه السياسي والأمني.

عاشرا: اليوم خسرنا الجغرافيا في الضفة الغربية، والديمغرافيا والجغرافيا في القدس لصالح مخططات الاحتلال، إذ تشير كل المعطيات التي رصدناها إلى هجرة المواطن المقدسي من القدس، وإحلال استيطاني خطير في المدينة، عدا عن تآكل حفظ العقار والأرض في المناطق الحيوية في القدس والضفة الغربية.

حادي عشر: الاحتلال نجح في ضرب البنية الاجتماعية بمستويات مخيفة، وتحقيق دوائر اختراق مهولة، سيصعب معالجتها في حال القرار بالمواجهة معه في أي مرحلة من المراحل.

في المقابل كيف كان سلوك المؤسسة السياسية في مواجهة الاحتلال:

الحديث هنا تشخيصي معلوم، من قبل السلطة، لذلك للأسف سيعتبره البعض تحريضا لكن ما نكتبه هنا تشخيص لقائم مع تعليق للأثر المتروك على الاحتلال:

أولا: التلويح المتعلق في تقييم العلاقة مع الاحتلال في ظل علم السلطة أن التقييم المقدم لديها من البعض سلبي ونظري، ولا يمكن تطبيق أي من التوجهات الاقتصادية كون الإرادة منعدمة لأسباب مختلفة والاحتلال يعلم ذلك.

ثانيا: التلويح بالمؤسسات الدولية ومحاكمة الاحتلال: هذا الإطار نظري، وغير فعال ومنذ القرار بمحاكمة الاحتلال، لم نخلق بعد حالة يمكن الإشارة إليها، وهذا لأسباب بنيوية تتعلق بضعف أدواتنا، وأخرى تتعلق بالجدية التي عليها بعض الدوائر المتابعة لهذا الملف.

ثالثا: الانضمام للمؤسسات الدولية: هذه بنية نظرية لا يمكنها تصحيح واقع دولي، ولا يمكنها البناء في مواجهة عناصر الهدم التي صنعها الاحتلال.

رابعا: حركة النضال الشعبي السلمي: الماثل في الضفة الغربية والذي تشرف عليه فتح؛ باهت وضعيف، حتى نموذج الخان الأحمر لم يشكل حالة يمكن البناء عليها كنموذج ثوري سلمي بجدوى حقيقية.

خامسا: المؤسسة وقدرتها على مواجهة اختراق المجتمع: للأسف سلوك الحكومة ضعيف ومرتبك، وهذا ما سنفصله في قراءة مستقلة، هناك سخط عال على أداء السلطة وحالة غضب متصاعدة يمكن قياسها من بعض استطلاعات الرأي.

سادسا: غياب أي منهج بنائي واع لمواجهة الاحتلال وسياساته، على الرغم من كل ما يقال عن تصورات وخطط لا أثر لها على الأرض.

ما أكتبه اليوم هو جهد سيتواصل في عناوين مختلفة لقيادة السلطة وأجهزتها الأمنية بصفتي مواطنا يرى الحريق ويعي أبعاده، ويرى الكارثة في ظل صمت مطبق.

أكتب هنا ولست أدري مستوى الاهتمام فيه، وإن سيقول البعض إن ما تكتبه سيرتد غضبا تجاهك أو مادة جديدة للغضب.
لكن والله يشهد أنها محاولة صادقة للمساهمة في قرع جدار الخزان، لأنه سيليها كتابة لكافة الفئات الفلسطينية المختلفة.

الخاتمة: الكتابة ليست هي الأهم، بل المهم والأهم أن تجد قائدا واحدا يأخذ على عاتقه التغيير، في الحالة الفلسطينية يبدو أنه لم يظهر أو يتحرك بعد.