الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"فلسطين"... فريق تشيلي يتبّنى "خارطة 1948" ولقب جماهيره الانتفاضة!

2014-12-24 10:41:09 AM
صورة ارشيفية

الحدث- خليل جاد الله
بينما تشرق شمس السابعة على فلسطين، يكون الفجر قد لاح بأوله في "تشيلي" الأمريكية الجنوبية، وهناك وفي "زُرقة الفجر" استقيظ الحالمون يوماً، مهاجرين طوعاً وقسراً من فلسطين ومدينة بيت لحم بالذات، فأنشأوا نادي كرة قدم أسموه "فلسطين"، وترجمته "بالستينو" بلهجة أهل الدار اللاتينية، متناغمين مع قول الأغنية "بكتب إسمك يا بلادي ع الشّمس الـ ما بتغيب".

طلع الفجر وكتب "فلسطين"
أشرقت شمس نادي "فلسطين" ممثلاً للجالية الفلسطينية في تشيلي مطلع العام 1920. يومها اتفق أبناء الجالية الفلسطينية آحاداً وعشرات على إنشاء مؤسسة اجتماعية، ورياضية، تكون حضناً لتجمعاتهم، وملاذاً لأطفالهم، ومناخاً لممارسة الرياضة الأولى في العالم، وهي كرة القدم.

ومنذ ذلك الحين حصد الفريق عدداً كبيراً من البطولات في "تشيلي"، أحد أهم المدراس الكروية في العالم، وأمريكا اللاتينية تحديداً، فهي البلد التي أنجبت المهاجمين الأسطوريين، الثنائي، مارسيلو سالاس (مجاهم لاتسيو، ويوفنتوس)، وايفان زامورانا (مهاجم ريال مدريد، وإنتر ميلان)، وقبلهم الحارس الشهير نيلسون تابيا، وقدّمت اليوم المهاجم "أليكسس سانشيز" (مهاجم برشلونة، وآرسنال)، والحارس برافو (حارس برشلونة)، وآخرين.

اليوم وبعد مرور 94 عاماً، عاد الولُد ليقدّم لأهله وسام التفوّق بعد فترة من الغياب. عاد "بالستينو" مرصِّعاً صدور أبناءه بإشارة النصّر، ليصل بعد 35 عاماً من الغياب لأهم البطولات القاريّة في أمريكا الجنوبية (كوبا ليبارتادوريس) رغم احتلاله الترتيب الرابع في الدوري، بعد أن حسم مبارتي الذهاب والإياب في "الملحق الفاصل" أمام خصمة سينتايغو ويندرز وصيف الدوري لمصلحته وبنتيجة مُذهلة وصلت 9 أهداف مقابل هدفين، وقبلها انتصر على خامس الدوري مرتيّن أيضاً.
 
تاريخهم كبير ... وفي "السبعينات" خبطة قدمهم كانت هدّارة!
العام 1952 كان شاهداً على أول "كأس" يدخل باب مقرّ نادي بالستينو، متوجّهاً نحو الخزائن الفارغة، حينها. ففي ذلك العام حصد الفريق لقب دوري الدرجة الثانية التشيلي لكرة القدم. فاحتفل الأنصار من أبناء الجالية الفلسطينية طويلاً، ولم يستفيقوا إلا على وقْع بطولة جديدة، بعدها بثلاثة أعوام، عندما توّج الفريق ببطولة دوري الدرجة الأولى في عام 1955.

صام "بالستينو" عن الألقاب 17 عاماً بعدها، وعاد ينظّف واجهات خزائنه لاستقبال لقب جديد هو بطولة دوري الدرجة الثانية مطل السبعينات، ولكن الخزائن تلك تزيّنت بعدها بثلاثة أعوام أيضاً بالهدية الأجمل واللقب الأثمن، وكان كأس تشيلي لكرة القدم في العام 1975 ومثله كأسٌ آخر في عام 1977، ثم دوري الدرجة الأولى مرة جديدة بعدها بعام فقط (1978)، لتكون بحقّ "خبطة" أقدام بالستينو في ذلك الحين الأقوى، فهدرت بها سفن الفريق عزّاً وشموخاً.
العام 2008 كان عاماً مفصلياً في تاريخ بالستينو أيضاً، عندما احتل الفريق الترتيب الثاني لبطولة الدوري التشيلي الختامية (كلاوسورا) وبفارق 5 نقاط فقط عن حامل اللقب.

وعاد هذا الضيف -الذي بات يمثّل 500 ألف فلسطيني في تشيلي- ، ليطلّ برأس فدائيته هذا الموسم (2014/2015)، فاحتلّ الترتيب الرابع بالدوري التشيلي الختامي، منتزعاً بطاقة العبور لبطولة "سودا أمريكانا" بعد مباراة نصف نهائي فاصلة لعبها أمام "هويشاباتو" خامس الترتيب، ثم قدّم هديّة الوصول للبطولة الأهم "كوبا ليبارتادوريس" لجماهيره، بانتصاره الكاسح بنتيجة المباريتن (9-2) أمام نادي "سانتياغو ووندورز" وصيف الدوري، لتكون المرة الأولى التي يفكّ فيها الفريق خصام دام 35 عاماً مع البطولات القاريّة، وتحديداً منذ عام 1979.
 
هل مثّل اللاعبون منتخب فلسطين (الأم)؟
استفاق الفلسطينيون على تجربة نادي "بالستينو" مطلع العام 2000، وذلك بعد أن انتشرت أخبار النادي كالنار في الهشيم لدى المتابع الفلسطيني الذي كان حينها يعيش "نشوة" حصول المنتخب الفلسطيني لكرة القدم على برونزية الدورة العربية في الأردن عام 1999 كأول بطولة للمنتخب الوطني، الذي عاد لممارسة حقّه في التكوين والمشاركة مطلع العام 1996 بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسيطينية.

نجاح المنتخب الوطني في مشاركته بالدورة العربية، ودخوله للعب تصفيات كأس العالم 2002، وتصفيات كأس آسيا 2004 بعدها، جعلت عيون الاتحاد الفلسطيني تتفتّح على تجربة ناجحة لأحد أندية الشتات الفلسطيني، فكانت تجربة "بالستينو" الأكثر لفتاً للانتباه، وطمعا للاستفادة والاستزادة.

لعب المدرب نيكولا شهوان أحد أهمّ المقربيّن من نادي بالستينو دوراً بارزاً في استقطاب نجوم الفريق لتمثيل المنتخب الوطني فاستعان الاتحاد الفلسطيني بشهوان مدرباً، ومعه عددٌ من اللاعبين ليشاركوا في تصفيات كأس العالم 2002، وكأس العرب 2003 في الكويت بشكل خاص، وفي تلك البطولة –كأس العرب- تعرّف الجمهور الفلسطيني على الفنّان "روبيرتو كاتلون"، والفدائي "بابلو عبد الله" -الذي بكى عندما أًصيب في إحدى اللقاءات قائلاً: "أبكي لأني لن أرتدي قميص فلسطين في اللقاء القادم!"، والنفّاذة اليسارية "فرانسيسكو علاّم" وروبيرتو بشارة –لعب آخر مباراة مع الوطني في 2011- وأخرين، فحصد الفدائي نتائج مميزة وقدّم مستويات لافتة، لا سيّما تعادله مع العراق، وانتصاره الأكبر في تاريخه أمام تايوان بنتيجة 8-0.

اليوم لا يلعب للمنتخب الوطني أي لاعب من نادي بالستينو، بعد أن قررّ الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الاعتماد بنسبة كبيرة على أبناء الدوري المحليّ، لتشجيع اللعبة في فلسطين وإعطاء الثقة للمنتج المحلي (بطولة الدوري والكأس)، مع الاعتماد بنسبة أقلّ على المحترفين أيضاً. وحسب الخطط المرسومة فإن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم سيعود للاعتماد على عدد أكبر من المحترفين، لا سيّما بنادي "بالستينو" ولكن بعد أن يكون المنتخب قد بلغ مجده من الاستقرار والبناء السليم المدروس.

 
 
خارطة فلسطين الكاملة أسرت قلوب "الفدائيين" .. وأستفزّت يهود "العالم" وتشيلي
أسر القائمون على نادي "بالستينو" قلوب الجماهير الفلسطينية مطلع العام 2014، وذلك عندما أعلن النادي عن إطلاق زيّ فريق كرة القدم للموسم الرياضي 2014/2015 في تشيلي بمفاجأة تخصّ الهويّة والأرض الفلسطينية.

فالنادي الذي أسسته الجالية الفلسطينية منذ زمن بعيد، أحيا ولا زال هويته الفلسطينية بطرق وأساليب عدّة، وأبرزها القمصان المزيّنة بألوان العلم الفلسطيني منذ التأسيس، ولكن المفاجأة الجديدة والمُبتكرة كانت بأن تم الاستعاضة عن رقم (1) على ظهر القميص الرياضي للاعبين بوضع خارطة فلسطين "التاريخية" كاملةً بامتدادها الذي يشبه الرقم 1، وذلك من النهر للبحر ومن رأس الناقورة حتى أم الرشراش. ما أثمر تفاعلاً "كبيراً" في الشارع الرياضي الفلسطيني وحتى التشيلي.

بعدها بأيام فقط قامت "الجالية اليهودية" في تشيلي ودول القارة اللاتينية مدعومة من اللوبي الصهيوني بتقيدم إحتجاج رسمي للفيفا على قميص نادي فلسطين بسبب وضعه خريطة فلسطين الكاملة، مما عرّض نادي بالستينو لعقوبة ماديّة وحُرّم عليه ارتداء هذا الزيّ لأسباب تتعلق بشروط الاتحاد الدولي لكرة القدم المتمثلة بعدم إقحام "السياسة" في الجانب الرياضي.

لم تمض سوى أيام حتى ابتدع الفريق زيّاً جديداً رسمت عليه خارطة فلسطين بلون "الذهب" على الصدر.

عموماً، تمثّل تجربة نادي "فسطين/ بالستينو" حالة مميّزة، تستحق الوقوف عندها طويلاً، وهي تشبه أيضاً وبنسبة كبيرة حالة معظم الجاليات الفلسطينية في العالم، سواء أرحلوا بشكل طوعيّ أو قصريّ، وسواءٌ أكانوا داخل الوطن "لاجئين" او خارجه، ففي بطولة الدوري الفلسطيني يبرع أبناء "المخيمات" بحصد الألقاب ومثال ذلك فريقي مركز شباب الأمعري، ومركز شباب بلاطة، وفي الأردن يعدّ نادي "الوحدات" ممثّل مخيم اللاجئين الفلسطيني، الأكثر شعبية، والأكثر احرازاً للبطولات خاصة في الأعوام العشرة الأخيرة وأحد أهم الأندية العربية والآسيوية.

ولكن إلى الآن قد لا نجد تفسيراً واضحاً لينبوع المحبّة والارتباط الذي دام بين أفراد الجالية الفلسطينية في تشيلي، وأمهم "فلسطين" –التي تبعد عنهم مسيرة 14 ألف كم- دون انقطاع وإلى هذا الحدّ من الانتماء، الذي يجعل الصفحة الرسمية للفريق على "فيس بوك" مثلاً تكتب منشوراتها مترجمةُ كلها للغة العربية، وتتذكّر كل قضايا فلسطين، والوطنية منها أيضاً، كالعدوان على غزّة، واقتحام الاقصى وغيره.

المفارقة تكمن أيضاً، في أنه كم راية وكم علم لفلسطين رُفع في ملعب "كيسيرينا" البلدي واستُهلك، ثم أٌعيد انتاج المئات والآلاف بدلاً منه طوال 94 عاما لم تسقط الراية إلى الآن!

وكم هو عدد الألقاب التي تحمل معنى "القوّة والمنعة" لجماهير أندية العالم كـ "الشياطين الحُمر"، و "المقاتلون"؟ فيما لا زالت جماهير نادي "بالستينو" في تشيلي تحتفظ بلقب واحد هو "الانتفاضة" تجُذّراً برمزية هذا المصطلح في فلسطين.

وكم مرّة أيضاً غيّرت وبدّلت أندية العالم أطقم ملابسها تلاحق بها "الموضة"؟ فيما بقيت "موضة" نادي "بالستينو" الألوان الأربعة (الأبيض، والأسود، والأخضر، والأحمر) ورمزه بعد الشعار الرسمي، "خارطة كاملة" مثّلثٌ نصفها الأعلى ومثلث نصفها الأسفل، تخطّ شكل فلسطين قبل العام 1948!