الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من يتحمل مسؤولية الفوضى في قطاع تجارة السيارات المستعملة في ظل وجود 374 شركة استيراد؟

2019-02-27 09:47:15 AM
من يتحمل مسؤولية الفوضى في قطاع تجارة السيارات المستعملة في ظل وجود 374 شركة استيراد؟
أرشيف

الوزارة تتراجع بعد تخبط.. والوزير بارك لهم تراجعه

ملايين الدولارات ضائعة في ظل عجز مالي مستمر

 

الحدث- محمد غفري

"اتخذنا إجراءات لتنظيم تجارة السيارات المستوردة المستعملة، لأن هناك فوضى في هذا القطاع"، هذا بالضبط ما بررت به وزارة المالية اتخاذها سلسلة من الإجراءات الجديدة مطلع العام الجاري والتي من شأنها أن ترفع من قيمة السيارات المستوردة، وتقلل من عدد التجار.

إجراءات وزارة المالية قوبلت برفض قاطع من قبل التجار المستوردين، ونظموا الأسبوع الماضي اعتصاما حاشدا في مدينة رام الله.

أما وزارة النقل والمواصلات فأكدت على لسان مسؤوليها أن السوق الفلسطيني سوق حر وغير احتكاري، وبررت التوجه الواسع لاستيراد السيارات، في الوقت الذي تنفي فيه (على لسان مسؤوليها) وجود أي تهرب ضريبي من قبل التجار المستوردين.

وأقرت الأطراف الثلاثة (المالية، النقل والمواصلات، التجار) باختلاف اللهجات بوجود فوضى في قطاع تجارة السيارات المستعملة.

إجراءات وزارة المالية

تشتهر وزارة المالية، بعدم ظهور مسؤوليها باستمرار على وسائل الإعلام حتى تضع النقاط على الحروف، إلا أن مدير عام الإدارة العامة للجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية لؤي حنش، خرج في مؤتمر صحفي يوم 31 كانون الأول 2018 برر فيه إجراءات وزارة المالية الجديدة.

تمثلت إجراءات وزارة المالية الجديدة التي أوردها حنش آنذاك، بإلزام التجار بفترة محددة للتخليص الجمركي، وتقديم الفواتير الحقيقية لثمن السيارة، وتعديل نسب تقييم استهلاك السيارة بما يضمن الحفاظ على سعرها.

كما نفى حنش أي رفع لقيمة جمارك السيارات، إلا أن تطبيق الإجراءات المذكورة سيقود وفق خبراء إلى رفع ثمن المركبات المستعملة. ووفق الخبراء؛ لن تقترب من سعر السيارات الجديدة كما ادعى الكثيرون، بل سيبقى الفرق مجديا.

حنش قال في ذلك الوقت، إن الإجراءات التي قامت بها وزارة المالية هي إجراءات روتينية تتم كل عام منذ نشوء السلطة الفلسطينية، وبداية استيراد المركبات من الخارج، وما يجري هذا العام هو وضع تصور جديد يتعلق في آليات استيراد المركبات المستعملة لتنظيم هذا القطاع.

إلا أن اجتماعا بين وزير المالية وتجار السيارات المستعملة قبل نحو أسبوعين، انتهى بتراجع الوزارة عن الكثير بعد إصرارها السابق على عدم التراجع، فتراجعت عن تخفيض فترة السماح لدفع الجمارك من ٦٠ يوما إلى ٥ أيام وجعلتها ٣٠ يوما بدل ٥ أيام كما نشر سابقا، بمعنى أن الوزارة قررت الاستمرار بتمويل قطاع السيارات المستعملة دون غيره من قطاعات هامة، علما أن للتمويل تكلفة مالية تتراوح ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين شيقل سنويا دون أن يعود ذلك بفائدة إلا على تجار المستعمل، وتراجعت عن تخفيض قيمة الاستهلاكات، وكذلك عن رفع سعر الأساس للسيارات الذي تحسب عليه الجمارك إلى تقريبا نصف ما كانت عليه بداية العام، علما أن القيم الجديدة قد تكون أقل من السعر الحقيقي لسعر الشراء الذي يدفعه تاجر المستعمل عند استيراده للسيارة. وتراجعت الوزارة وفق ما نشر في وسائل الإعلام على لسان تجار السيارات المستعملة عن طلب مسك الدفاتر وإظهار الفواتير بقيمها الحقيقة الفعلية (هذا بالذات لا حق لأحد التراجع عنه لأنه يعني بلغة الاقتصاد والمحاسبة مدخلا للتهرب الضريبي والضريبة حق للمواطن قبل أن تكون حقا لغيره). ومثال ذلك: إذا باع تاجر سيارة مستعملة بثمن 100 ألف شيقل للمواطن توافق دائرة الضريبة على حساب ضريبة القيمة المضافة على فقط 60 أو 70 ألف شيقل من هذا الثمن "مسامحة" تجار المستعمل عن دفع ضريبة قيمة مضافة عن باقي قيمة المبيع.

رفض اتحاد مستوردي السيارات

اتحاد مستوردي السيارات المستعملة أعلن منذ البداية عن رفضه لهذه الإجراءات الجديدة، ونفى أي تهرب ضريبي من قبل التجار، وعقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولي وزارة المالية لم تفضِ إلى أي نتائج.

يقول رئيس اتحاد مستوردي السيارات المستعملة جلال ربايعة، إن في فلسطين 374 شركة استيراد منها 320 شركة في الضفة الغربية، و 54 شركة في قطاع غزة.

وأشار ربايعة في تصريح لـ"الحدث"، أنه يوجد ما يقارب 1000 معرض سيارات في الضفة الغربية لوحدها.

وأكد ربايعة أنهم يطالبون بأقل الحقوق وهي العودة إلى الإجراءات والتعليمات التي كانت متبعة قبل بداية العام الجاري، لأن ما يجري على حد قوله هو احتكار للسوق الفلسطيني وقرارات تصب في صالح 7 شركات (يقصد شركات وكالات السيارات الجديدة).

ربايعة أقر بارتفاع عدد التجار المستوردين قائلاً "نحن لا نتحمل مسؤولية هذه الفوضى، لأن وزارة المواصلات لديها تعليمات وشروط واضحة، وكل شخص يريد الاستيراد، يقدم طلبا وينال رخصة استيراد، وبناء على الالتزام بهذه الشروط يقوم بالاستيراد".

وحمل ربايعة وزارة النقل والمواصلات مسؤولية ارتفاع أعداد شركات استيراد السيارات، قائلا "حتى عام 2014 كان هناك 120 شركة استيراد في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعدها بدأت الوزارة بإصدار رخص استيراد وسمحت بالاستيراد الشخصي، وقامت بإعطاء رخص لأصحاب الوكالات".

وهنا يتهم ربايعة اتجاه وزارة النقل والمواصلات بزيادة عدد المستوردين "من أجل إيجاد دخل إضافي للسلطة". إلا أن رباعية ظهر بعدها على وسائل الإعلام في مؤتمر صحفي مع الوزير شاكرا معالي الوزير على تراجعه عن نقاط كثيرة وليس كل النقاط ورد عليه الوزير مباركا لتجار السيارات المستعملة هذا الإنجاز أمام كاميرات الصحافة.

ما هي شروط الاستيراد؟

يقول سائد موقدي مدير عام الشؤون الفنية في وزارة النقل والمواصلات، إن شروط الحصول على رخصة الاستيراد متغيرة وغير ثابتة.

لكن أهم الشروط الثابتة التي ذكرها موقدي لـ"الحدث"، أن تكون الشركة مسجلة لدى مراقب الشركات، وأن يكون رأس مالها لا يقل عن 300 ألف دينار، وأن تحمل بطاقة تعامل بالتجارة الخارجية.

ومن ضمن الشروط أيضا وفقا لموقدي، أن يكون لدى الشركة معرض مركبات مرخص بمساحة معينة ولا يعيق السلامة المرورية، وأن تكون الشركة مسجلة أيضاً في ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، ويكون أعضاء الشركة لديهم شهادات عدم محكومية، وشهادات حسن سيرة وسلوك. إلا أن "الحدث" لم تحصل حتى لحظة إعداد هذا التقرير على متطلبات الترخيص للتأكد من مطابقة الشركات المرخصة لشروط الترخيص، علما أن بعض الدكاكين ومحلات الخضار والحلاقين وأرصفة الشوارع يعرض فيها وعليها سيارات مستعملة قد لا تكون مطابقة للشروط التي ذكرها مسؤول وزارة المواصلات.

مبرر وزارة النقل والمواصلات لزيادة الاستيراد

برر موقدي ارتفاع عدد شركات الاستيراد، بأن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد حر، وأن من حق كل شخص أن يستثمر في أي مجال يشاء، وطالما أن الشخص مستوفى للشروط الفنية والإدارية المذكورة يحق له الاستيراد.

كما وأكد أن السوق الفلسطيني غير احتكاري، ولا يستطيع حصر الرخص في عدد معين، وحرمان شخص يستطيع الاستيراد على حساب شخص آخر.

بالتالي وفق موقدي، تم إعطاء رخص الاستيراد لتتناسب مع حاجة السوق في ظل التحديات الموجودة، وانتشار ظاهرة المركبات غير القانونية بأعداد كبيرة تصل إلى مئات الآلاف، رغم الحملات التي يقومون بها مع الشرطة الفلسطينية للقضاء على هذه الظاهرة.

هنا يشير موقدي، أنه لا يوجد أمام المواطن الفلسطيني بدائل إلا أن يشتري سيارة صفر كيلو، أو سيارة مستعملة مستوردة، ولا يستطيع الجميع شراء سيارة جديدة، وبالتالي تم منح رخص الاستيراد المستعملة حتى تكون بديلا في متناول المواطن.

ونوّه موقدي، أن الوزارة تقوم بعملية تقييم سنوية للشركات المستوردة، وكل مستورد لا يقوم بعملية استيراد سنوية ولا يلتزم بالشروط والتعليمات الموجودة يتم شطبه من قائمة المستوردين.

"حالياً توجد لجنة تعمل منذ نحو شهر ونصف، وتقوم بعمل مراجعة شاملة لجميع المستوردين، وقريباً سوف يتم استبعاد الشركات غير الملتزمة بالشروط والتعليمات" وفق ما كشف موقدي في حديث خاص لـ"الحدث".

التهرب الضريبي وخسارة خزينة الدولة

يقول سائد موقدي مدير عام الشؤون الفنية في وزارة النقل والمواصلات، إنه لا يوجد مجال للتهرب الضريبي في قطاع استيراد السيارات المستعملة، وإن كل الشركات مسجلة في الضرائب، وكل مركبة لا تحصل على ترخيص من قبلهم إلا بعد دفع الجمارك في وزارة المالية، ولا يسمح للشركة بالاستيراد إلا بتسديد الضرائب لدى ضريبتي الدخل والمضافة، ولا تجدد الرخصة السنوية إلا بعد الدفع.

وأكد موقدي لـ"الحدث"، أن قضية التهرب الضريبي مسيطر عليها، وكل مركبة لديها سجل في وزارة المالية، ويتم التعامل معها حسب الأصول المعمول بها لدى المالية، ووزارة النقل لا ترخص مركبة إلا بناء على كتاب من الجمارك وفواتير مالية مصدقة من الضرائب. إلا أن مدير عام الجمارك والمكوس لؤي حنش نفسه ألمح في مؤتمر صحفي سابق إلى وجود تهرب ضريبي، مما يعني اختلافا واضحا بين الوزارتين.

وهنا وللتأكد، وصلنا عبر مصادرنا التقديرات التالية والتي تعود لعام 2018:

إن دخل السلطة من الجمارك عن كل سيارة مستعملة أقل بنسبة 35% من دخلها عن كل سيارة جديدة، والضريبة المضافة أقل بنسبة 45%؜ لكل سيارة مستعملة مقارنة بكل سيارة جديدة، مما يظهر بشكل واضح أن مصلحة الحكومة تكمن في دعم الجديد أو رفع الفرق الكبير بين الجديد والمستعمل إلى ما هو أكثر عدلا للقطاع ككل وللحكومة التي تواجه عجزا ماليا. أما ضريبة الدخل، فلم نحصل على تقديرات بهذا الخصوص مع اعتقاد الخبراء أنها أقل بكثير للمستعمل من الجديد، و كنا قد خاطبنا وزارة المالية لتزويدنا بهذه البيانات ولم نحصل على رد منها آملين من الوزارة تصحيح تقديراتنا إن أخطأنا لأنها لم تردّ على طلبنا لهم حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

يتفق رئيس اتحاد مستوردي السيارات المستعملة جلال ربايعة مع موقدي، قائلاً إن القطاع الوحيد الذي يعمل بشكل رسمي هو قطاع السيارات المستعملة، لأنه لا يتم استيراد أي مركبة إلا بإصدار حوالة مالية بموجب فاتورة رسمية، ولا يتم ترخيص هذه السيارة إلا بموجب حوالة موثقة من البنك ومختومة بصورة طبق الأصل.

وحول وجود تهرب ضريبي يقول ربايعة، إن هذا الكلام عارٍ عن الصحة، وإذا كان هناك أي تسيب مالي، فإن الأجهزة الأمنية وسلطة النقد هي صاحبة الشأن وهي من تراقب. مع أن بعض تجار السيارات المستعملة يبدون تخوفهم الكبير من التعامل بناء على الفواتير والقيم الفعلية.

ويجدد ربايعة التأكيد، أنه لا يتم ترخيص أي سيارة مستوردة إلا بموجب الفاتورة التي يتم تحويل المبلغ بها للخارج، وصورة عن الحوالة الأصلية مصدقة من البنك.

ومع ذلك وفقا لربايعة، فإن وزارة المالية لا تعتمد الفاتورة الأصلية، وإنما تأخذ بالأسعار الاسترشادية لديها من أجل التساوي مع جميع المستوردين.

وحول فاتورة المبيعات، يقول ربايعة إن التاجر يذهب بدفتر الفواتير إلى دائرة الضريبة عندما يريد ترخيص السيارة، وهي من تقطع الفاتورة، وتضيف على سعر السيارة مربحا قسريا حوالي 15%.

خلاصة الأمر

يجمع خبراء، أن إجراءات وزارة المالية من شأنها أن تقود إلى تنظيم أكثر للسوق، وأن ملايين الدولارات تخسرها خزينة الدولة سنوياً بسبب الفوضى في هذا القطاع، بصرف النظر عن الجهة التي تتحمل المسؤولية.

ولكن حتى الآن تتلكأ وزارة المالية في تطبيق إجراءاتها الجديدة، وتراجعت عن الكثير منها، وبارك الوزير لتجار المستعمل إنجازهم بتغيير رأيه وبارك التجار للوزير إنجازهم أيضا بتغيير رأيه، والتخبط انتهى بتنازل الوزارة.