السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الاقتصاد الفلسطيني المأزوم في معادلتي المقاومة والتسوية

2019-03-21 06:39:58 AM
الاقتصاد الفلسطيني المأزوم في معادلتي المقاومة والتسوية
حملة قاطع احتلالك - ارشيفية

الحدث - إبراهيم أبو صفية

بعد خروج الحراكات الشعبية التي تطالب بتحسين المستوى المعيشي، والاحتجاج على الخطط الاقتصادية، ووسائل التعامل بها، عاد الحديث عن النظريات التي تتبنى ما يطلق عليه بـ" الاقتصاد المقاوم"، لمواجهة التأزم المعيشي وأساليب الاحتلال التي تستهدف ضرب الاقتصاد الفلسطيني، والضغط على "جيب" الفلسطيني في محاولة لتدجين ممارساته وتفكيره.

وفي ظل التأزم المعيشي المتمثل بارتفاع نسب الفقر والبطالة وغلاء الأسعار، وتراجع الدعم الدولي، وفرض حصار على أموال "المقاصة"، يطالب الفلسطيني بإيجاد حلول بعيدا عن مساومته أيضا.

وكذلك فإن من أهم عوامل استمرارية المقاومة وإحداث نسق ثوري دائم، وخصوصا انخراط الكل الفلسطيني في مسيرة التحرر، ومواجهة عنف الاحتلال، في المقابل الحفاظ على بعد اقتصادي يعتاش الناس منه، بعيدا عن تراكم حالات الفقر والبطالة، بل استيعاب العامل الفلسطيني في عمل معين. يحتاج الفلسطيني لمخطط يطلق عليه دائما  بناء "الاقتصاد المقاوم"، فـ بأي معنى ولأي مدى يستطيع الفلسطيني تناول هذه "الفرضية أو النظرية".

وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي الصحفي جعفر صدقة، إن منذ احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية، بذلت جهدها في السيطرة على كل الموارد في الضفة الغربية، وإلحاق كل الأنشطة الاقتصادية فيها، وبناء نظام يمكنها من التحكم المطلق بحياة الفلسطينيين، وتمكنت من تعزيز هذا النظام ومأسسته ببروتوكول باريس، وهو أحد ملحقات اتفاقات أوسلو، وينظم العلاقة الاقتصادية بين "إسرائيل" ومناطق السلطة الفلسطينية، ورغم أنه مؤقت لفترة خمس سنوات، إلا أنه تحول إلى اتفاق دائم مع مرور 25 عاما على توقيعه ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية تعديله.

وأوضح صدقة لـ"الحدث" أن الإجراءات والممارسات "الإسرائيلية"، هدفت إلى إضعاف الفلسطيني وقدرته على الصمود ومقاومة الاحتلال، ودفعه بكل السبل إلى الرحيل عن أرضه، أو هجرها على الأقل. لافتا إلى أن الأصوات تعالت في السنوات الأخيرة، داعية إلى تبني اقتصاد يعزز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه، ويحرره، ولو جزئيا من قبضة نظام التحكم "الإسرائيلي"، وهو ما أطلق عليه "الاقتصاد المقاوم".

وبين أن التعريف الأقرب إلى الدقة للاقتصاد المقاوم، هو تعزيز الأنشطة الاقتصادية التي من شأنها تقليل أثر الإجراءات "الإسرائيلية" على حياة المواطنين فرادى، وتخفيف وطأة قبضة الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني عموما، حتى لا يبقى عرضة للتأثر الفوري والمباشر بالإجراءات التي تتخذها "إسرائيل" كيفما تشاء كالحصار وقطع الطرق والإغلاقات وحجز العائدات الضريبية، والأهم من كل ذلك؛ تحديد سقف تكاليف المعيشة في الأراضي الفلسطيني بمحددات بروتوكول باريس، التي تساوي في التكلفة بين الفرد الفلسطيني و "الإسرائيلي"، رغم التباين الكبير بين الاقتصادين.

وأشار صدقة، إلى أنه حتى الآن، بقي "الاقتصاد المقاوم" مجرد شعار فارغ من أي مضمون، رغم دخوله أدبيات المؤسسات الرسمية، كالمجلس الوطني لمنظمة التحرير والمجلس المركزي والحكومة، إذ لم يجر العمل حتى الآن على وضع تصور متكامل له، ولا خطط وخطوات عملية لتحقيقه، وعمليا، ما زال النظام الاقتصادي، بشقيه الرسمي والخاص، يتبع نفس السياسات والممارسات، فاعتمد الأفراد على العمل المأجور، ونمط الاستهلاك نفسه، وما زالت "إسرائيل" تتحكم في أكثر من نصف الإيرادات العامة والاستيراد والتصدير، وما زالت الشركات والبنوك تعمل دون اعتبار لخصوصية الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

وأضاف، أن الاحتلال ينظر إلى الأراضي الفلسطينية كمصدر من مصادر دخلها، واستثمارٍ مجدٍ، موضحا أنه لطالما الحال كذلك، فليس هناك ما يدعو "إسرائيل" للتفكير بالتخلي عن احتلالها، وحتى يتم ذلك، لا بد أن تشعر بأن احتلالها للأراضي الفلسطينية مشروع خاسر.

وأكد صدقة، أن المطلوب حاليا على صعيد السياسة العامة، تشجيع المنتج المحلي، سواء بحوافز ضريبية أو غير ضريبية، وتعديل النظام الضريبي، الذي يحمل الفئات الفقيرة والهشة العبء الأكبر، باعتماده على الضرائب غير المباشرة (الجمارك، والقيمة المضافة) بنسبة 95% من الإيرادات، فيما لا تزيد حصة الضريبة المباشرة (الدخل) عن 5% من مجمل الإيرادات. وكذلك تقليل العجز في الميزان التجاري بخفض الاستيراد قدر الإمكان، إما بإحلال منتجات محلية بدلا من المنتجات المستوردة من "إسرائيل" والخارج، أو الاستغناء تماما عما يمكن الاستغناء عنه من سلع كمالية.

وطالب بتطوير  القطاعات التي تتمتع بها السلطة بهامش مناورة، بما يمكن من تقليل الاعتماد على "إسرائيل"، والقطاعان المؤهلان للبدء بهما هما الزراعة، والطاقة. لأن فيهما هامشا للمناورة الأوسع للعمل المحلي، ويشكلان حصة مهمة من مدخلات باقي القطاعات كالصناعة.

فيما يخص الصعيد الفردي في مساهمته ترسيخ "الاقتصاد المقاوم"، قال صدقة إنه يتوجب على الأسر تنويع دخلها من مصادر بعيدة عن الوظيفة ولا تتأثر بإجراءات الاحتلال، كحجز عائدات المقاصة مثلا. وتعزيز الاقتصاد المنزلي: كتربية الطيور والحيوانات والزراعة، بما فيها المنزلية، لإنتاج أكبر قدر من احتياجات الأسرة من المواد الغذائية، النباتية والحيوانية، ولنا تجربة ناجحة في ذلك إبان الانتفاضة الأولى. وتغيير نمط الاستهلاك، بالعودة إلى "بيت المونة" وابتداع طرق ووسائل لحفظ مستلزمات الأسرة في المواسم لغرض استخدامها في باقي فصول السنة، فلا تبقى الأسرة تحت ضغط السيولة لشراء حاجياتها يوما بيوم.

بدوره قال رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام والمحلل السياسي، د. عدنان أبو عامر، إن مصطلحات " الاقتصاد المقاوم، أو اقتصاد المقاومة"، عايشها الشعب الفلسطيني في الانتفاضتين السابقتين، إذ كان هذا الاقتصاد قائما على تساوي المدخولات المالية أو على الأقل اقترابها من بعضها البعض، وعدم وجود فجوات في المداخيل المالية لأفراد الشعب. مشيرا إلى أن توزيع هذه الموارد متقارب على المواطنين حتى يتمكنون من الصمود ويصدون الحصار "الإسرائيلي" وإجراءات الاحتلال بمنع دخول عمال إلى الداخل المحتل آنذاك.

وأوضح أبو عامر لـ "الحدث" أن الوضع العام اليوم يختلف عن السابق بكثير، وخصوصا في ظل وجود سلطة وحكومات ومؤسسات ووزارات وبنوك وشركات كبرى، ولكن الأمر يتعذر باتباع خطوات سابقة رغم وجود رغبة في ظل الحصار المطبق.

وبين أن الاقتصاد المقاوم يتطلب قرارا من الإدارة السياسية، كي تعمل على إيجاد مداخيل مالية وحتى وإن كانت متواضعة لكل المواطنين والحفاظ على الحد الأدنى للحياة الكريمة لهم. حتى يشكلون الحاضنة الشعبية للمقاومة. وحتى تكون هناك فجوات كبيرة تعمل على زعزعة الجبهة الداخلية، لافتا أن أي فجوة تبرز ظواهر اجتماعية غير مرضية.

وأضاف، أنه يتطلب من قيادة المقاومة أن تكون حريصة بشكل دائم على كسر الفجوات وسد الثغرات رغم وجود الأزمة المالية الخانقة عند جميع الأطراف.

وأشار إلى أنه في الانتفاضة الأولى والثانية كان هناك أناس أغنياء ووضعهم المالي جيد، إلا أنهم اشتركوا في المقاومة دون أن تضرهم، وكذلك اليوم مطالبين بدعم الصمود الفلسطيني والمقاومة، وكما أن على المقاومة تعويض وترميم الأضرار التي قد تلحق أصحاب هؤلاء الأموال إذا لحقهم الضرر. حتى يتمكنوا من الصمود في مسيرات قادمة وفي ترميم الجبهة الداخلية والحفاظ على الحاضنة الشعبية.

وأكد أنه في ظل وجود أزمة مالية الكل يتجه إلى "الاقتصاد المقاوم " والالتحاق به بشكل طوعي لأن الكل سواء السلطة أو الفصائل أو الشعب يفتقر لموارد مالية مثلما كانت في السابق.

في ظل الحديث عن "الاقتصاد المقاوم" باعتباره مواجهة مبتكرة لم يأت ردا على فعل ما،  وحتى يتأقلم الفلسطيني مع ظروف التحرر الوطني، فإن أبرز عوامل هذا الاقتصاد حاليا تكمن في تحصين العمل والنهوض ذاتيا بعيدا هالة منج الغير.