الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معركة مخيم جنين- من إعادة إحياء الذاكرة الثورية .. حتى هندسة الفلسطيني "الناعم"

2019-04-05 07:20:04 AM
معركة مخيم جنين- من إعادة إحياء الذاكرة الثورية .. حتى هندسة الفلسطيني
معركة مخيم جنين 2002

 

 الحدث - إبراهيم أبوصفية


مقابلة بين صورة المخيم في الذاكرة
وبين تطويعِ شخصيةِ المخيم

في أواخر آذار عام 2002 بدأ جيش الاحتلال " الإسرائيلي" حشد قواته على أطراف مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، شانا حربا إعلامية مستمدا منها شرعيته بالانقضاض على الفلسطينيين، مصورا بأنه يخوض حربا ضد " الإرهاب"، متماشيا مع الحملة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما أسمتهم " الإرهاب" بعد أحداث انهيار البرجين الأمريكيين في أيلول عام 2001.

في المقابل شكلت الفصائل الفلسطينية غرفة عمليات مشتركة بقيادة يوسف ريحان أبو جندل، ومحمود طوالبة وقيس عدوان وزياد العامر وغيرهم، للدفاع عن المخيم، حيث استطاعت من تجهيز 200 مقاتل وصنع العبوات البدائية، والاستعداد برسم خطط عسكرية لصد العدوان.

وفي لحظات فاصلة من صباح يوم الثاني من نيسان/أبريل، شرع الإحتلال بتطويق المخيم من محاوره الأربعة، والبدء في معركته، بقصف أحياء في المخيم، وإطلاق نار مستمر وعلى كل شيء متحرك، واستمرت المعركة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال 12 يوما، انتهت بارتقاء ثمانية وخمسين شهيدا عوضا عن جرح واعتقال المئات، وتدمير (455) منزلا تدميرا كاملا، و(800) منزلا بصورة جزئية، فيما اعترف الاحتلال بمقتل وجرح عشرات من جنوده، وتدمير عدد من المدرعات والجيبات.

شكلت هذه المعركة وعيا ثوريا مستمرا لما شكلته من صورة النصر الرمزي، وإنهاء زمن المعارك الخاطفة التي ينتصر فيها الاحتلال، بل بعثت أملا جديدا في وحي الذاكرة عن وجودية المخيم وأسطورته المقاتلة، والتي أدرك الاحتلال من خلالها أن الفلسطيني اللاجئ في كل مخيمات اللجوء لن ينسى فلسطينيته وبلاده الأصلانية، وأن الأصلاني ثائر بوجوده.

صُدم الاحتلال بهزيمته أمام فلسطينيين عُزل، فعمل على تبني خطط جديدة تكمن في استخدام الحرب الناعمة مستهدفا الوعي والذاكرة، وتجريم أي فعل المقاوم، مستغلا الظرف الزماني الذي تبع الإنتفاضة الثانية، ومستغلا توقيع الهدنة، وحدوث الإنقسام الفلسطيني، واندماج المجتمع الفلسطيني في الليبرالية المنهكة للوقت والعقل، قاتلة مسألة التفكير بالوطن.

قال الأسير المحرر النائب جمال حويل، أحد أفراد المقاومة الذين خاضوا المعركة: إن معركة المخيم جاءت في أواخر الترتيب الزمني المجدول لعملية "السور الواقي" التي شنها جيش الاحتلال عام 2000، بأوامر من رئيس الوزراء " أرائيل شارون" أنذاك ، وهذا ما سنح بالفرصة لوجود بعض المطلوبين لجيش الاحتلال داخل المخيم، وتشكيل النواة العسكرية للفصائل الفلسطينية.

وأوضح حويل لـ" الحدث" أن الاحتلال استبق اجتياح المخيم، بحملة إعلامية عالمية مستغلا الظرف الدولي الذي تشكل بعد حادثة أيلول عام 2000، وقيادة أمريكا تحالفا دوليا لمحاربة ما أسمتهم " الإرهاب"، فحاول الاحتلال إلصاق هذا المصطلح بأبعاده على مخيم جنين.

وأشار إلى أن الاحتلال قلل من قدرة وقيمة المقاومة في مواجهة آلة الحرب، من أجل أخذ شرعية " شعبية إسرائيلية" للقضاء على المقاومين، وكما أنه روج لفكرة أن الفلسطينيين يتقمصون نظرية " المتسادا" القائمة على فكرة الانتحار، في محاولة شن حرب نفسية ضد المقاومين وأهالي المخيم.

وأكد على أن المقاومة الفلسطينية، صدّرت روايتها المقابلة للعالم، و مجيبين على تساؤلاتهم "لماذا المواجهة؟ وما هي رسالة المقاومة؟"، فكانت الإجابة المدروسة بعناية فائقة، على أن الفلسطينيين في مخيم جنين شُردوا سنة 1948، وتكررت عام 1967، وأن هذه المعركة جاءت من أجل منع الترحيل والتشريد مرة أخرى، وكذلك أن الشعب الفلسطيني يدافع عن قضية عادلة ولن يقبل بالإحتلال "الإسرائيلي"، وأن المقاومة جاهزة ومسلحة بالإيمان والاستعداد البسيط المتقن بـ"الأسلحة الصغيرة" لا الخفيفة، لضرب عنجهية جيش الإحتلال.

وكذلك التأكيد على رهان الشعوب العربية والإسلامية، وأحرار العالم على المقاومة في فلسطين، وجنين خاصة، في تحقيق نصر معنوي ومادي على قوات الاحتلال.

وبين حويل، أن معركة المخيم تجسدت بعوامل عديدة منها:- الإيمان بالله وحتمية النصر، وترسيخ المفاهيم التي من أجلها يدافع المقاتل، والوحدة الوطنية التي تمثلت بغرفة العمليات المشتركة، مشيرا إلى أن الإتصالات التي كانت تجري مع الأمناء العامين للفصائل وقياداتها كان الجميع على اطلاع عليها وعلى مجرياتها، وهذا ساهم في توحيد القيادة في صد العدوان، إذ كان هناك قرارا سياسيا داعما للمخيم تمثل بدعم الرئيس الراحل ياسر عرفات للمقاتلين ووصفه للمخيم بـ" جنين جراد".

وكذلك التحام قيادة العمليات مع المواطنين، وأن الخطر لا يصيب فقط المواطنين أو المقاتلين إنما الخطر على الكل، وهذا أعطى رفعا لمعنويات المقاتلين، واستطاعت غرفة العمليات من وضع خطة عسكرية لصد القوات " الإسرائيلية".

حيث أشار أيضا، إلى أن التوافق كان على تشكيل لجان مختلفة مختصة في غرفة العمليات المشتركة هي: اللجنة العسكرية-الأمنية، ومهمتها إحصاء احتياجات المقاومة العسكرية، وتجميع المعلومات عن تحركات قوات الاحتلال "الإسرائيلية"، ومكافحة عمليات الاختراق الأمني، واللجنة الإعلامية، ومهمتها مخاطبة وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية ووضعها في صورة سير وتطور المعركة، وخوض معركة الحرب النفسية ضد القوات الصهيونية بالتعاون مع لجنة التعبئة والتحريض، واللجنة التموينية، ومهمتها توفير كل ما يحتاجه المقاومون والأهالي من مواد تموينية وغذائية وإمدادات.

وكذلك اللجنة الصحية، ومهمتها توفير الدواء والاسعافات الأولية، والعمل على متابعة أوضاع الجرحى أثناء سير المعركة، ولجنة التعبئة والتحريض، ومهمتها العمل على رفع المعنويات، وشحذ الهمم للأهالي والمقاومين من خلال البيانات والإشارات والتكبير والأغاني والأناشيد الثورية عبر مكبرات الصوت في المساجد؛ومكبرات الصوت المحمولة على السيارات، وتثبيط عزيمة جنود قوات الإحتلال "الإسرائيلي" من خلال مخاطبتهم باللغة العبرية.

وقال حويل: أن دراسة المخيم طبوغرافيا، ساهم في استمرارية المعركة من خلال تقسيم مخيم جنين إلى حارات على شكل (محاور)، وبلغت تقسيمات المخيم أحد عشر محورا وهي: حارة أبو السباع وشارع المستشفى، وحارة الدمج، وبعد تقسيم المخيم إلى حارات تم اتخاذ قرار باعتماد خطة مشاة، وهي مضادة للخطة التي استخدمها قوات الإحتلال "الإسرائيلية" في اقتحام مخيم بلاطة في شهر آذار للعام 2002 من بيت إلى بيت، وقام المقاومون في مخيم جنين بفتح ثغرات في واجهات وحيطان البيوت حتى يستطيع المقاومون السير والعمل بمرونة أكبر، فصارت حارات المخيم الضيقة أصلا بفعل عدم التخطيط المعماري للمخيم أشبه بمترو الأنفاق تحت الأرض، مما سهل الاختباء لأفراد المقاومة، وأسهم بشكل كبير في حمايتهم، وساعد في مباغتة العدو وضربه.

في المقابل أشار حويل، إلى أن الإحتلال منذ صدور قرار اجتياح مخيم جنين وضع عدة من الخطط، ففي أواخر آذار وبداية نيسان اعتمد على الخطة العسكرية (U)، وهي إحاطة المخيم من ثلاثة جهات وإعطاء مجال لخروج المقاتلين، إلا أنها فشلت رغم تبدل الجهات التي عمد الاحتلال على فتحها، وبعد ذلك اعتمد على الخطة العسكرية ( O)، وهي إحاطة المخيم كاملا والبدء في التوغل، في محاولة " لكسر عظم المقاومة وسحقها".

أما نتائج المعركة قال حويل: إن النصر الرمزي الذي حازت عليه المعركة أعطى وعيا ثوريا متبنى على مستوى أحرار العالم، مشيرا إلى افتخار الرئيس العراقي صدام حسين، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بصمود المخيم ودعمه، وما شكلته المعركة من وعيٍ في ذاكرة الفلسطيني.

بعد 17 سنة على المعركة ومحاولة الاحتلال في تطويع المخيم، أشار حويل أن "الإسرائيليين" بعد تكبدهم خسائر في معركة مخيم جنين واعتبار ما حصل هزيمة، وخصوصا أن هذه المعركة الأولى التي تحدث في داخل الأراضي المحتلة منذ 1967، لذلك حاول "الإسرائيلييون" العمل على كي وصهر الوعي الفلسطيني، وهندسة الفلسطيني وتنعيمه بما يخدم مصالحهم.

مؤكدا: لا زال في الشعب الفلسطيني روحا ثورية مقاومة، ممثلا بـعمر أبو ليلى وأشرف نعالوة وغيرهم، وأن مواجهة الاحتلال خصوصا بعد العدوان الأمريكي و"الإسرائيلي" على كل ما هو فلسطيني قادمة، وأن الفلسطينيين يحملون رسالة سلام ويرفضون " العنف"، ولكن الإحتلال هو من يمارس عدوانه.

واختتم حويل قوله: إن معركة مخيم جنين كانت التجربة العسكرية الوحيدة في تـاريخ الانتصارات الفلسطينية من داخل فلسطين المحتلة، مقارنة بمعارك أخرى مثل معركة الكرامة، وحصار بيروت، والحصـارات المتتالية علـى الفلسطينيين.

وحول تدشين الذاكرة الثورية الفلسطينية، أكد على أن توثيق معركة مخيم جنين ليست مجرد ذكرى شخصـية، بـل هـي مسؤولية جماعية في حفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وتدشين فصول البطولة في تاريخها الطويل، وكنموذج قابل للتناسخ ما دامت ثنائية الخير والشر قائمة، وما دام الإحتلال قائما، فلا بد أن يظل خيار المقاومة قائما.

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم: إن معركة مخيم جنين شكلت أملا ملموسا للفلسطينيين في التخلص من الاحتلال، وأعادت المفاهيم التكوينية للإستعمار وظروفه ومواجهته.

وأوضح قاسم لـ" الحدث" أن الوحدة العسكرية لفصائل المقاومة أنذاك، أبرزت السمة الحقيقية في الصراع مع الاحتلال، وكيف على الفلسطيني أن يتحد مع ذاته في مواجهة آلة الحرب" الإسرائيلية"، خصوصا أنها جسدت عمليا هزيمة للجيش الذي لا يقهر.

وحول محاولة تطويع المخيم وتدجين الفلسطيني، بين قاسم، أن الاحتلال يستهدف الوعي الجمعي للجماهير، ويحاول كسر الذاكرة، وزرع شخوص سيئيين يسيئون للدماء الفلسطينية، في محاولة قتل الهم الثوري، وهذا ليس فقط في مخيم جنين الذي تعرض لحملة مشابهة بل في كل مكان يعتقد الإحتلال أنه يهدده.

فيما يخص تكرار أو استنساخ تجربة معركة مخيم جنين، أشار بقوله: في ظل وجود سلطة لا تريد مواجهة الاحتلال، بل تشكل له الحماية من الصعب حاليا أن شيئا مماثلا لمعركة المخيم قد يحدث، وكذلك تأثيرات الانقسام الفلسطيني النقيض لما كان عليه في معركة المخيم، مؤكدا على أن قوى المقاومة الفلسطينية سواء الفردية أو التنظيمية لا زالت تحاول تجسيد نسقٍ مقاوم جديد.

وأكد على أن المطلوب حاليا، هو إعادة إحياء الذاكرة لكل المعارك الفلسطينية، وإحياء كل ما هو ثوري يُفتخر به ، وحماية موروثنا المقاوم، بل وتحليله واستنتاج العبر، وأخذ الدروس من كل عملية أو معركة بما يخدم واقعنا ومستقبلنا.