الحدث - إبراهيم أبو صفية
مع انطلاق الجولة الأخيرة من التصعيد بين المقاومة الفلسطينية و " إسرائيل"، وسقوط أول صاروخ على المستوطنات " الإسرائيلية" ردا على عدوان الاحتلال، خرج بعض الفلسطينيين متهما المقاومة بنسف صورة الفلسطينين أمام العالم، وتوجيه كيل الاتهامات وتحميل المقاومة ما حدث، غير أن المنطق أن يدعم الفلسطيني الفلسطيني في مقاومة العدوان، إلا أن ظاهرة الانبهار بالعالم الغربي عكست طيفها على فكر من يريد أن يمارس مقاومة السلام التي لم تحقق للفلسطينيين شيئا.
ودار نقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مدى أهمية الصورة الفلسطينية أمام العالم، وما هي الصورة التي يجب تصديرها، وهل فعلا ممارسة المقاومة المسلحة تنسف صورة السلام التي يريد الفلسطيني إيصالها للعالم؟ إضافة هل العالم الذي يعترف بـ"إسرائيل" احتلالا على أرض 1967 لا يمنحك حق المقاومة بكافة أشكالها؟ وبعد 30 عاما على اعتراف الفلسطينيين بـ" إسرائيل" كدولة لها حق الوجود، ونقض ممارسة المقاومة المسلحة ووصفها " بالإرهاب" فهل تحسنت صورة الفلسطيني؟ وما هي الفائدة التي عادت عليه؟ هذه الأسئلة التي يتمحور حولها الحديث يسعى هذا التقرير الإجابة عليها؟.
يعترف العالم بـ " إسرائيل" في الأراضي التي احتلت عام 1967 على أنها احتلال ويجب الانسحاب منها، وكما يشرع استخدام كافة أشكال المقاومة في مواجهة الاحتلال وتوغله، ومن حق الفلسطينيين الدفاع عن وجودهم الذي تهدده " إسرائيل"، وكذلك اعتبار قبضة الأمن المفروضة على قطاع غزة حصارا وعدوانا دائما، وهذا يمنح المقاومة حق الدفاع عن شعبها وفرض معادلات جديدة على أرض الواقع، والسير قدما في مسيرة كسر الحصار، والتي تطلب مقاومة سلمية فنية، ومقاومة تصعيدية عسكرية دون خلخلة صورة الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، بل والمحافظة عليها لأن الفلسطيني صاحب حق.
قال الكاتب الصحفي وأستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت معتز كراجة: إن الجدل الدائر حول صورة الفلسطيني أمام الرأي العالمي، هو نابع من التحول السياسي الذي حصل على مسار القضية الفلسطينية، خصوصا بعد توقيع اتفاقية السلام " أوسلو".
وأوضح كراجة لـ " الحدث" أن بعد توقيع عملية السلام وتغير الهدف من مسألة التحرر إلى بناء الدولة اختلفت صورتنا أمام المجتمع الدولي.
وبين أن قبل " أوسلو" كانت النظرة للمجتمع الدولي على أنه هو المسؤول عن نكبتنا، وهو ظالم ولنا حق يجب انتزاعه، وكان التركيز في إبراز صورة المقاومة كحق شرعي للشعب الفلسطيني، إلا أن التحول السياسي خلق الاهتمام والجدل بما يتعلق بصورة الفلسطيني أمام المجتمع الدولي.
وأضاف أن غير من المقبول اعتبار المقاومة المسلحة تضر بصورة الفلسطيني اطلاقا، بل يجب التركيز دائما على إبرازها وتجسيدها على أنها حق مشروع لشعب يقع تحت الاحتلال، وكذلك من المهم كسر الصورة النمطية التي عززها الإعلام الغربي بقصد مسبق بربط صور المقاومة بالإرهاب، وخصوصا بعد أحداث سبتمبر عام 2001، حيث وضع الإعلام الدولي كل عمل ضد المصالح الغربية والأمريكية بخانة " الإرهاب"، بغض النظر إن كان تنظيما مقاوما عن شعب يرنح تحت الاحتلال أو تنظيما كتنظيم داعش.
وأشار كراجة، إلى أن الخوف اليوم من اظهار صورة المقاومة دليل على أن الفلسطيني خدع في تبني الصورة النمطية، ويجب أن يحصل العكس وأن يتم التمسك بالمشروع المقاوم والنضال إعلاميا لتخليص صورة المقاومة وإخراجها من خانة " الإرهاب" ووضعها في مكانها الصحيح.
وقال "يجب ألا نبالغ كثيرا بما يتعلق بصورتنا أمام العالم الذي لا يحترم الضعفاء، فإذا لم تكن قويا ولديك وسائل الدفاع عن النفس والمقاومة لتحرير نفسك لا يمكن للمجتمع الدولي مهما كان متعاطفا معك ان يخلصك من الاستعمار".
وردا على من يروج أن المقاومة تنسف صورتنا أمام العالم، أوضح كراجة أن قبل عملية السلام مارست الثورة الفلسطينية عمليات نوعية من خطف للطائرات والتسلل إلى فلسطين المحتلة، حيث كان لا يدري العالم عن وجود الفلسطيني، ولكن العمل المقاوم أثبت وجود القضية الفلسطينية وتحويلها لقضية دولية.
وبين أن المجتمع الدولي تحكمه المصالح وليست المبادئ، وهذه طبيعة العلاقات الدولية، فأي شعب مضطهد ولا يمثل أي مصلحة للغرب فلن يلتفتوا إليه، لذلك فالقوة هي من تجعل العالم يحترم الشعوب.
وبدورها قالت الدكتورة وداد البرغوثي والمحاضر في جامعة بيرزيت: "إن العالم لا يرى إلا القوي، فمنذ 70 عاما نظهر بدور الضحية رغم أن الفلسطيني فعلا ضحية المؤامرة، ولكن الضحية الضعيفة لا يلتفت لها أحد ولن تنجز في مقاومتها شيء".
وأوضحت البرغوثي لـ " الحدث" "أنه آن الأون أن تتغير الصورة الموجودة عن العالم وإبراز الصورة التي يحترمها وهي القوة، فصواريخ المقاومة وسقوطها على مستوطنات الاحتلال يغير النظرة حتى تصبح قويا ويحسب لك ألف حساب"، مشيرة إلى أنها صورة مشرقة وليست مشوهة.
وبينت أن في الظروف التي نعيشها، تمثل الصواريخ الصورة الأفضل، وتخرج الفلسطيني من مكان الضعف إلى القوة ويصبح له احتراما أمام العالم، مشيرة إلى أننا منذ " أوسلو" تستجدي السلطة الفلسطينية العالم الذي منحها اتفاقا هشا لم تلتزم " إسرائيل" في بنوده، وتصر السلطة حتى يومنا هذا على هذا الاستجداء رغم فقدان الاحترام والوزن، متسائلة:- " لماذا نهين صورتنا أمام العالم التي أصبح لا وزن ولا احترام لها".
وأكدت على أن دور الفلسطيني يكمن في الدفاع عن هذه الصورة في الدفاع عن حقوقه وتقرير مصيره والمقاومة لبقائه، في المقابل علينا أن نضع " إسرائيل" في زاوية الإدانة وأنها ناقضة للمواثيق الدولية والتشريعات.
إن المبالغة في التظاهر بصورة " أفضل" ستظهر الفلسطيني كمن يشعر بنقص ما و يريد مداراته، لذلك فإن ممارسة الأمور ببساطة ودون مبالغة تعزز من شحذ الهمم على المستوى الداخلي، وبناء صورة يتقبلها العالم بالقوة مع ضرورة ألا يكون الفلسطيني مختلفا على تعريفها، في حين أن هذا لعالم لا يلتفت لجرائم الاحتلال الكثيرة والمستمرة منذ 1948، فالتعويل الدائم يراكم العديد من الانكسارات.