السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جورج عبد الله.. الماروني الذي خالف السياسة وانتمى لفلسطين

2019-06-19 10:00:56 AM
جورج عبد الله.. الماروني الذي خالف السياسة وانتمى لفلسطين
الأسير اللبناني جورج إبراهيم عبد الله

 

الحدث - رولا حسنين

للعام الخامس والثلاثين على التوالي، تواصل السلطات الفرنسية اعتقال الأسير اللبناني جورج إبراهيم عبد الله (69 عاماً) وسط تمييع مستمر لقضيته في لبنان وصل حد التناسي ربما، أو فعلاً النسيان. إلى أن تناقلت الصحافة اللبنانية أمس، خبراً يفيد بتحريك ملف الأسير عبد الله من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون عبر اتصالات مع السلطات الفرنسية.

ولمن لا يعرف الأسير جورج عبدالله، فهو من مواليد عكار عام 1951، التحق في صفوف المقاومة الفلسطينية عقب إعلان قيام دولة "إسرائيل" واحتلال فلسطين وتشريد آلاف اللاجئين، وكان عضوا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وظل حاملاً همّ وطنه الذي احتلت دولة الاحتلال جزءاً من أراضيه عام النكسة 1967 ودافع عنه ضمن نضال الحركة الوطنية اللبنانية.

وفي عام 1984، تعرض عبد الله للاعتقال على يد مجموعة من الموساد الإسرائيلي في فرنسا، واعتقلته السلطات الفرنسية آنذاك بحجة امتلاكه لأوراق ثبوتية مزوّرة.  ثم حاكمته بتهمة حيازة أسلحة بطرق غير شرعية وحكمت عليه بالسجن 4 أعوام، ثم أعادت محاكمته بتهمة المشاركة في اغتيال ياكوف بارسيمنتوف السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا عام 1982، وكذلك الملحق الأمريكي في باريس تشارلز روبرت راي في ذات العام ايضاً، فأصدر ضده حكماً بالسجن المؤبد.

كل هذه التهم التي ألصقتها السلطات الفرنسية به ظلّت حبيسة محكمة وأسارير جورج عبد الله، وبعد 29 عاماً على اعتقاله، قررت السلطات الفرنسية الإفراج عن عبد الله عام 2013، بشرط ترحيله من الأراضي الفرنسية، قرار ظلّ في طيّ الأدراج ولم ينفذ بعد، ويُنظر إلى تحريك ملفه مجدداً من قبل عون بالنظرة السوداوية نظراً لعدم جدية فرنسا في الإفراج عنه كما كل مرة.

ولم يتوقف نضال الأسير عبد الله مع الفلسطينيين في أسره، إنما خاض إضراباً عن الطعام عام 2013 وآخر عام 2014 تضامناً مع أسرى فلسطينيين كانوا يشرعون في الإضراب مطالبين بحقوق عادلة، أهمها وقف الاعتقال الإداري الذي يستنزف حياة الأسرى دون تهمة.

ومن المعلوم أن اعتقال الفرد ووضعه في السجن بعيداً عن العالم الخارجي للآخرين، هي محاولة عزله عن كل شيء وتفريغه من هموم الوطن والثورة والمبادئ التي كان يؤمن بها، ولكن الأسير جورج عبد الله لم ينصهر مع عذابات السجن، وفي مطلع رسالته التي وجهها للقائد العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات في كانون الثاني للعام الجاري، يتحدث عن عبثية نهج المفاوضات، وأن ما آلت إليه الأمور مؤخراً حول صفقة القرن كان نتاج هذه السنوات، ما يعني أن الأسير جورج متابع حثيث لما يدور في الشرق الأوسط.

وقال في رسالته: إن صفقة القرن لم تأتِ من العدم ولم تُرسَم معالمُها وتُبْنَ مرتكزاتُها بين ليلة وضحاها، بل هي حصيلة مسار عقود ثلاثة بدأت مع مطلع تسعينات القرن الماضي؛ طيلة هذه المرحلة عمت الفوضى "غير الخلاقة" وما زالت، كيانات مشرقنا العربي وتكرس عبرها، على الصعيد الفلسطيني، الإصرارُ على الجري خلف سراب الحلول السلمية وأوهام القيادات المتهافتة التي لطالما تماهت في الخلط بين مصالحها المباشرة وبين حقوق شعبنا التاريخية مُضَحية في الغالب بهذه الأخيرة على مذبح منافعها الآنية.

نحن كفلسطينيين بالتأكيد نَدين للأسير اللبناني جورج عبد الله، الذي وضع التقسيمات الاستعمارية لأراضينا جانباً ودافع عن القضية الفلسطينية كما لو أنها قضيته الأولى، وجعل الاعتبارات السياسية والدينية أدنى اعتباراته في هذا الانتماء. فالأسير جورج عبد الله ينحدر من الطائفة المسيحية المارونية التي تنظر إلى الفلسطينيين بغير العين التي رآنا فيها الأسير عبد الله.

ولا ننسى، أن تاريخ الطائفة المارونية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفرنسا منذ إصدار لويس الرابع عشر مرسوماً بموافقة السلطان العثماني، يقضي بوضع الطائفة المارونية تحت الحماية الفرنسية.

وكان الموارنة الذين يملكون حق رئاسة لبنان بموجب التقسيمات السياسية المعتمدة حتى الآن في اختيار الرئيس من الطائفة المسيحية؛ قاتلوا ضد القوات الفلسطينية التي اندرجت معظمها داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية عام 1975، مع بدء الحرب الأهلية اللبنانية، وكانت الأنظار الدولية على لبنان توجه لها أصابع الاتهام واللوم على استقبال الفلسطينيين حيث كانت عملياتهم الفدائية المنطلقة من أراضي لبنان ضد الاحتلال في تصاعد مستمر. فما كان من الرئيس اللبناني آنذاك سليمان فرنجية إلا رفض استمرار وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان وكذلك تنفيذ عمليات ضد الاحتلال من أراضيها، الأمر الذي يشكل نظرة وصورة واضحة عن موقف الموارنة من القضية الفلسطينية.

ما يمكن قوله هنا أن السياسة التي تحكم وتفرّق الدول، لا يمكنها إحداث التفرقة وزراعة البغض والكره في عين رأت الصواب وقررت مناصرته، كما فعل جورج عبد الله تجاه القضية الفلسطينية، فلم يكن ماروني السياسة وإنما فلسطينياً، ولم يكن لبناني الوطن فحسب، إنما كان فلسطينياً أيضاً، ولم يكن مسلحاً فحسب، إنما ثائراً مقاوماً في وجه الاحتلال الاستعماري.