الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حماس في طهران صلاة حاجة أم نافلة وتطوع؟/ بقلم: علاء الريماوي

2019-07-27 11:28:29 AM
حماس في طهران صلاة حاجة أم نافلة وتطوع؟/ بقلم: علاء الريماوي
الكاتب علاء الريماوي

لعل من الملفات قليلة البحث والكتابة في التاريخ الفلسطيني، العلاقات الخارجية للحركة الوطنية الفلسطينية، لما فيها من تناقض وخطورة وصلت بنا إلى كوارث عصفت أحيانا بمراكز القوة التي كنا نتمتع بها. 

الأنظمة العربية، تعاملت مع القوى الفلسطينية اليسارية منها والعلمانية، وصولا إلى الإسلامية، كحاجة في معادلاتها الداخلية، والاستخدام، أو لترجيح كفة داخلية حتى الصراع على الصورة والشكل. 

هذا الاستخدام أورث الحركة الفلسطينية انقسامات حادة؛ فتح تعرضت لأكثر من أربعة انقسامات تم استخدام السلاح فيها وقتل في الفتنة بين الإخوة من قتل، اليسار ذاته تعرض لأكثر من انقسام ودار بين أطرافه صراع بالمدافع الثقيلة وصولا إلى اقتتال تدخلت فيه ودعمته دول. 

للأسف لم نجد في تاريخ فصائل المنظمة حصانة ضد الاستخدام، سواء من العراق سوريا، مصر، الخليج، ليبيا والأردن، حتى بتنا في كثير المراحل أدوات حرب استشكل عليها فهم القاعدة التي تقوم عليها العلاقات الخارجية للمقاومة.

حتى أصبح لدينا في منظمة العلاقات فلان المحسوب على النظام كذا والمقرب من المخابرات كذا، والتركيبة الداخلية تأخذ بعين الاعتبار الإقليم وتداخلاته.

تقعيد العلاقات لم يستقر بشكل ثابت مع العرب وغيرهم، حتى بعد انطلاق حركات المقاومة الاسلامية، وسرعان ما تعاملت الأنظمة معهم بذات المنهجية؛ فحاولت الأردن احتواء حماس مثلا، لكن سرعان ما انقلب نظام الحكم وأخرج قادتها وأغلق مكاتبها ولاحق بنيتها على إثر نشاطها العسكري الكبير، وكذلك فعلت من بعد السعودية الإمارات التي جففت منابع الحركة.

وفي مصر كانت الصورة أكثر وضوحا منذ نظام مبارك ونهاية بنظام السيسي الذي اعتبر حماس ظاهرة وجب إنهاؤها. 

حلقات الحصار مؤخرا وصلت ليبيا والسودان، حتى البلاد ظاهرة التحالف كقطر وتركيا لم تعد قادرة على حمل منهج المقاومة المباشر الذي تقوده غزة. 

حماس القارئة لتاريخ الأنظمة مع الحركات الوطنية حرصت على التخفيف من انعكاسها عليها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. 

راسم السياسة في الحركة وقع في أكثر من مرحلة في إرباك رسم الصورة وإدارة ملف علاقاته الخارجية، خاصة بعد الربيع العربي وحركة الاصطفاف التي نشأت في العالم العربي. 

في بداية الربيع كان من السهل الصمت، لكن مع تدحرج الكرة في المحيط، انقلب الحذر الذي عليه الحركة إلى حالة من الانغماس في تأييد إفرازات الربيع، كما كان الحال في مصر والمغرب العربي، وتردد في الملف السوري إلى أن أصبح واقع سوريا لا يحتمله البشر. 

حجم التناقض في منهجية العلاقات في الشرق، أوقع حماس في مأزقين: تحالف جديد ما لبث حتى تحطم، وأخلاقية ارتفع صوتها جراء الجرائم التي عمت دول الربيع، مع إرث تاريخي للأنظمة لا يقبل الفلسطيني إلا أداة. 

الواقع العربي ضاق على الفلسطينيين بما فيهم حماس، مما ألزمها البحث عن حليف يمكنه المساندة في مواجهة الاحتلال فوجدت نفسها محاصرة أمام خيارين:

الأول: فتح علاقة تحت السقف السعودي شروطه تخلي حماس عن المقاومة، والانغماس في ترتيبات ستدخلها في إفرازات أوسلو، وقد استعدت أوروبا لحماس بفتح خزائن الأرض. 

ثانيا: العودة لطهران على قاعدة المقاومة، مع قناعة الحركة باستفادة الأخيرة منها كما تستفيد هي. 

المشكل الذي عليه الخيار الثاني انعكاسه على قاعدة الحركة (التي لا تحسن الحركة مخاطبته تعبويا) والذي سيؤثر بشكل كبير على الهوية الثقافية التي نشأت في فكر العلاقات الدولية وفق الاجتهادات المتباينة للكادر، ولا من حيث الشعوب التي ترى في طهران مشكلة على أهل السنة خاصة في ظل الشحن المذهبي الذي تقوده جهات بأجندات مختلفة. 

ما أشرنا إليه أثار نقاشا صاخبا على مواقع التواصل الاجتماعي، يتهم حماس بتهم مختلفة منها التخلي عن الأخلاقية التي كانت عليها والارتماء في حضن المجوس، عدا عن اتهامات من أنصار حلف إيران الذين يرون في عودة حماس توبة تحت الاختبار، وتيار تقليدي يؤيد الحركة في توجهاتها. 

ما بين الاتهام والواقع كان لزاما علينا فهم باعث الانفتاح في العلاقات الدولية من قبل حركات التحرر وهي على النحو الآتي: 

أولا: السلاح والتقنية هذا الأمر يعد ركنا في التحالفات بعد تطور المواجهة مع الاحتلال في غزة وميلها إلى المواجهة الندية في حدود الردع.

المال المباشر: الحركات تحتاج المال بهدف بناء منظومتها وحاضنتها الشعبية، الأمر الذي يفطن له أعداء المقاومة عبر تجفيف مصادر المال بشكل أوصل حركات المقاومة إلى الفقر. 

الحاضنة السياسية: المقاومة تحتاج إلى حاضنة سياسية تدفع عن الحلفاء في ملفات مختلفة، الواقع العربي لم يعد حاضنة للرئيس أبو مازن بمنهج أوسلو ودليل ذلك ما شهدناه من تطبيع تحت سقف صفقة القرن.

التحالف العسكري: تحتاج إلى يد ضاربة متناقضة مع إسرائيل، يمكن البناء عليها في زاوية التصعيد مع الكيان حتى لو كان بالبعد النظري أو التاريخي. 

ميزان التغليب في التحالفات: تعظيم أهدافك على أهداف الحلف بما يحقق رؤيتك للصراع.

العناصر هذه ليست متوفرة في أحد، في المقابل ترى حماس أن الجزء الأهم متوفر في إيران. 

لعل أفضل قادة حماس الذين تحدثوا استراتيجيا في العلاقة مع إيران الشيخ صالح العاروري المتهم من قبل الكيان عرابا للعلاقة، وضع في مقابلتين ضوابط العلاقة على النحو الآتي: 

أولا: المواجهة مع الاحتلال الركن الاساس في تحالفات حركات التحرر. 

ثانيا: الثابت لدى حركات التحرر أن الميدان لا يغلق على محور وإنما المواجهة مع الاحتلال ميدان يتسع لكافة التوجهات وإن تناقضت. 

ثالثا: الاختلاف والتقارب في البعد السياسي لا ينفي الاختلافات في المذهب والرؤية الخاصة بكل طرف. 

رابعا: العلاقة لا تنفي الخطايا لكل طرف، وإنما تسعى الحركة لتعزيز الأمة نحو المواجهة مع الاحتلال. 

وفق ذلك صلاة حماس في إيران صلاة الحاجة، وليس نافلة القرب كما يقول مراقبون. 

بين يدي الختام قواعد واجبة النقاش: العلاقات الدولية سقفها مفتوح على قاعدة تحقيق الأهداف، والتقارب من عدمه تقرره المصالح العامة وفق ضوابط السياسة الشرعية. 

بعض من السلوكيات تهدم توجها استراتيجيا، لذلك الحركات المتينة والقائد الحاذق من يفرض على حلفه صورته ورؤيته ولا يسمح بالعبث في شكل العلاقة ومآلها.