الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسرائيل من الهجوم إلى الدفاع: انتصار الزمن على فضاء الصواريخ

2019-07-30 09:22:41 AM
إسرائيل من الهجوم إلى الدفاع: انتصار الزمن على فضاء الصواريخ
إسرائيل من الهجوم إلى الدفاع

الحدث ـ محمد بدر

نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة اعتبر فيها أنه من المستحيل أن يتكرر نموذج النصر الذي حققته إسرائيل عام 1967، وبالتالي فإن السؤال المركزي الذي يدور اليوم في الأروقة الإسرائيلية، يتعلق بالأساس بشكل النصر، هل سيكون نصرا دعائيا رمزيا يقوم على الدعاية الإعلامية والعلاقات العامة؟، وهل هدف النصر أصبح سياسيا (الإنجاز السياسي)؟

وجاء في الدراسة: 

عندما تتعرض إسرائيل للهجوم من أكثر من اتجاه بآلاف الصواريخ؛ فإن السعي لتحقيق النصر العسكري هو استراتيجية خاطئة، وهو مفهوم ينتمي إلى عصر الحروب التقليدية في ساحات المعارك القديمة. في حرب غير متكافئة، على أكثر من جبهة، ليس لإسرائيل سوى هدفين للحرب: تقصير مدة الحرب وأضرارها إلى الحد الأدنى وتأجيل الحرب لسنوات عديدة. صياغة أهداف الحرب أعلاه تعني تعريفًا جديدًا لأهداف الحرب الإسرائيلية: انتصار الزمن على الفضاء، بحيث يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تعد الرد الدفاعي والهجومي بشكل عاجل لتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية.

 يجب التفكير بما قاله كارل فون كلاوزفيتز وهو مؤرخ وجنرال روسي (1831-1780)، ان "الحرب ليست سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، وهي القاعدة التي تكشف عن ثلاث رؤى: أولاً، الحرب وسيلة وليست هدفًا. ثانياً، الحرب هي استمرار للسياسة، وليست تغييرًا للسياسة أو دليلًا على فشلها. ثالثًا، الحرب "وسيلة أخرى"، إنها ليست الملاذ الأخير، عندما يتم استنفاد كل الأموال وجميع الخيارات الأخرى. وفقا لكلاوزفيتز؛ فإن الحرب باعتبارها "وسيلة مختلفة" و"استمرار السياسة" لا تختلف عن أي مبادرة سياسية أخرى. 

في فترة كلاوزفيتز، قبل ظهور الديمقراطية الحديثة وفكرة القومية؛ كان الدافع وراء الحروب السيطرة، ولم تكن بدوافع أيديولوجية. حيث إن أهدافها كانت تتلخص في السيطرة على مزيد من الأراضي بما يساهم في علو مكانة الأمير والملك أو الإمبراطور. نشبت حروب إقليمية بين الجيوش النظامية، وكانت حروب فتح وليست حروب دفاع.

في إسرائيل، ارتكزت الاستراتيجية العسكرية حتى حرب عام 1973 إلى قواعد الحرب التقليدية بين الجيوش النظامية واستندت إلى مبدأ الردع - الإنذار - القرار. ومع ذلك، فمنذ ثمانينات القرن العشرين، تغيرت طبيعة القتال، وخاضت إسرائيل حربا غير متكافئة ضد المنظمات المسلحة.

كان الجدل الأساسي يدور في إسرائيل حول أهداف الحرب باعتبارها وسيلة سياسية لتغيير سياسي، وليس مجرد دفاع عن الوجود والأمن. كانت خطة "أورانيم الكبرى" الخاصة بلبنان، والتي أقرت عام 1982، تهدف إلى إحداث تغيير في النظام السياسي اللبناني وتقوية الأقلية المارونية برئاسة بشير الجميل على حساب الدولة والطوائف الأخرى. بالنسبة لقطاع غزة، كان عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان يهدف للإطاحة بحماس واستبدالها بنظام غير معاد لإسرائيل. لكن التصور السلبي الذي حدده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو استعادة الوضع الراهن.

كل التصورات الإسرائيلية حول مفهوم الحرب وأهدافها فشلت. ففي لبنان، فشلت استراتيجية إسرائيل فشلاً ذريعًا بعد اغتيال بشير الجميل وهزيمة الكتائب. وفي غزة، لا يمكن ضمان سقوط حماس في عملية عسكرية واستبدالها بنظام غير معاد لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التفاهمات بين إسرائيل وحماس، التي توسطت فيها مصر بشكل دوري، تنتهك بشكل منهجي كلما قررت حماس تغيير السياسة ومواجهة إسرائيل.

اليوم، مع صعود قوة إيران والمجموعات العاملة بإمرتها، تواجه إسرائيل تحديًا على جميع الجبهات: حزب الله في لبنان وسوريا، والجيش السوري الذي تم إعادة تأهيله ببطء والمجموعات الشيعية في العراق وحماس والجهاد الإسلامي في غزة. ينتج عن هذه المعادلة ثلاثة سيناريوهات مشتركة: حرب لبنان الثالثة، الحرب الشمالية مع حزب الله وسوريا، وحرب عامة مع إيران ومجموعاتها. لذلك، يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يعد نفسه في جميع القطاعات لمجموعة متنوعة من السيناريوهات المختلفة، بالإضافة إلى حماية الجبهة الداخلية بجميع مكوناتها.

يجب على إسرائيل تطوير قدرة اعتراض صاروخية فعالة بأعداد كبيرة بتكلفة منخفضة، ويمثل هذا المجال الواعد طفرة في تطوير تقنية مبتكرة موجهة بالليزر تتيح تدمير آلاف الصواريخ في الوقت الفعلي وبأقل تكلفة ممكنة، فاعتراض الليزر في الوقت الحقيقي ممكن لأنه يضبط سرعة الضوء في وقت تحليق الصاروخ، والنتيجة هي انتصار الوقت على الفضاء في الدفاع.

في مجال الهجوم، يجب على إسرائيل أن تضرب عسكريا بطريقة غير مسبوقة مع ضمان الحد الأدنى من الضرر للمدنيين، وستؤدي هذه الضربات إلى تدمير مادي للقدرات العسكرية والدعم اللوجستي، الأمر الذي سيستغرق سنوات عديدة لإعادة التأهيل. فتدمير القدرات والبنية التحتية الضخمة التي ستحدث تغييرا عميقا في الوعي، على غرار ما تسبب به تدمير حي الضاحية، في أعقاب حرب لبنان الثانية (صيف 2006).

لذلك، فإن هدفي الحرب لهما قواسم مشتركة: محور الزمن بدلاً من محور الفضاء؛ على محور الفضاء، يتمتع أعداء إسرائيل بميزة جغرافية وديموغرافية مطلقة: الفضاء الديموغرافي الإيراني العراقي والسوري اللبناني في مواجهة الجغرافيا والديموغرافيا الإسرائيلية الصغيرة. من ناحية أخرى، لا تتمتع إيران بميزات دفاعية كالتي تتمتع بها إسرائيل: الدروع الليزرية، القبة الحديدية، العصا السحرية ونظام السهم. لذلك، فإن صياغة أهداف الحرب أعلاه تعني تعريفًا جديدًا لأهداف الحرب الإسرائيلية: انتصار الزمن على الفضاء.

انتصار الزمن ليس انتصارا عسكريا ولا إنجازا سياسيا، يجب التخلص من كل الأوهام "الخاطئة" حول الإنجازات السياسية كهدف للحرب، وكذلك السعي لتحقيق انتصارات عسكرية تقليدية. ولذلك فإن انتصار الزمن على الفضاء هو الهدف الأدنى للبقاء وحماية الوجود والأمن والسيادة في بيئة معادية وعنيفة.