الجمعة  07 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جثمان الشهيد يوسف العنقاوي حلم يؤرق عائلته

2019-09-01 01:17:10 PM
جثمان الشهيد يوسف العنقاوي حلم يؤرق عائلته
والد الشهيد يوسف العنقاوي يحمل صورته نجله في مظاهرة تطالب بتسليم جثامين الشهداء المحتجزة

الحدث- سلام عمر

ما زالت عائلة الشهيد يوسف رائد العنقاوي تحيك خيوطاً من الأمل لتعزّي بها نفسها بعد مرور 6 أشهر على استشهاد نجلها، وتعيد جثمانه المُحتجز داخل ثلاجة باردة ليست كدفئ قلب والدته، تفتقده ونيس إخوته الذين اعتادوا مشاركته أحاديث المساء. ليست كأية ثلاجة للموتى؛ هي سجنٌ آخر يقفلها قاتله ويمنحه رقما بلا عواطف، هو لم يكتفِ بسلب حياته مرة، بل أراد مواصلة جرعات الألم لذويه ومنعهم من عناقه الأخير الممزوج بفيضٍ من الدموع الحانية على جثمانه.

يوسف العنقاوي البالغ من العمر 20 ربيعاً، كان جلّ طموحه جمع الأموال لينشئ مخبزه الخاص، ويجذب من خلاله اهتمام أهالي قريته بوصفاته السحرية، ليوفر قوته اليومي ويكوّن أسرة جديدة فيحذو حذو والده. لكن كانت رصاصات الاحتلال قاتلة لأحلامه البسيطة ولروحه البريئة.

حياته

ولد يوسف في عام 1999، في بلدة  بيت سيرا غرب رام الله، والتحق في مدارس  بلدته وواصل دراسته فيها حتى بداية المرحلة الثانوية. خرج بعد اجتيازه الصف العاشر بنجاح، ثم انتقل للعمل في مخبز البلدة، بدأ بالعمل في المخابز المحيطة بقريته كمخبز بيت عور، ووسّع دائرته وانضم للعمل في مخابز رام الله، ليكتسب الخبرة العملية التي ستؤهله لإنشاء عمله الخاص.

على الرغم من انشغاله الدائم في العمل؛ إلا أنه انضم إلى "مسير مشايخ الدعوى" لينال منهم العلم الديني، وخرج برفقتهم إلى الخليل مدة أربعين يوماً.

استشهاده

في تمام الساعة الثالثة والنصف صباحاً من فجر يوم الاثنين الموافق 4 آذار 2019، كان الجو عاصفاً تسوده الغيوم المظلمة والسحب الضبابية الكثيفة وسط شارع قرية دير بزيع المليء بالمنعطفات الصعبة، خرج يوسف برفقة صديقيه أمير دراج وهيثم علقم متجهين إلى عملهم اليوميّ في أحد المخابز، وحين وصولهم إلى المنطقة الواقعة ما بين قريتي كفر نعمة ودير بزيع؛ تفاجأوا بوجود ناقلة جند تابعة للاحتلال وجيب عسكري إسرائيلي يغلق المسار الثاني دون وجود إشارة تحذيرية تنذر بوجود حاجز عسكري في المكان. حاول السائق إيقاف السيارة لكنه فقد السيطرة على مكابح المركبة فاصطدمت بناقلة الجند من الخلف، وبدأ جنود الاحتلال يطلقون الرصاص تجاه المركبة، أصيب الشبان الثلاثة وتركوا بدمائهم ينزفون لفترة طويلة دون السماح لطواقم الإسعاف بالتدخل، فاستشهد يوسف وأمير، واعتقل الاحتلال صديقهم هيثم علقم.

في ذاكرة أحبائه

ما زالت أخته الصغرى أبرار ذات الثلاثة أعوام تنطق باسمه وتسأل والدتها عنه، تنتظر عودته بالحلوى اللذيذة على عتبات المنزل، فيوسف كما وصفته أمه محباً لأخواته السبعة وأخاه: "اخواته كانوا كثير متعلقين فيه.. كان حنون لأقصى درجة وسبّاق للخير".

وتصف أم يوسف طيبته: "شو ما حكينا عن يوسف ما بنقدر نعطيه حقه، ولادته كانت بسيطة وهو كان يوخذ الحياة ببساطة… دائماً كان بريء بين إخوته"، ويزداد الألم في صوت والده عن ذكره: "يوسف لم يكن ابنا لي فقط بل كان صديقا، صور طفولته تتحدث عن برائته، أصدقائه وعائلته وأخوته يحبونه".

بعد استشهاده تفاجأت عائلته بكثرة محبيه، فهناك الكثير ممن جاء لمواساة ذويه وروى  قصصاً إنسانية فعلها يوسف لم يعرفوها عن ابنهم الشهيد إلا بعد استشهاده، زادتهم فخراً به.

التضامن لاسترداد جثمانه

رغم تضامن أهالي قريته وأصدقائه مع عائلته لتحقيق مطالبهم في استرداد جثمان نجلهم وجثامين غيره من الشهداء -الذين أقاموا خيمة اعتصام أمام منزل والده في البلدة يرتادون إليها مساءً بعد عودتهم من وظائفهم اليومية ويزداد تجمهرهم فيها يوم الجمعة بعد انتهاء صلاة الظهر-  إلا أن والديه ما زلا يبحثان عن مناصرين لهما من الإعلام الفلسطيني أو مؤسسات المجتمع المدني، تقول والدته: "هناك شحّ في التغطية الإعلامية للاعتصام الذي نقوم به يومياً أمام المنزل، عادةً ما تأتي وسائل الإعلام صباحاً في الوقت الذي تكون فيه الخيمة خالية بسبب وجود الناس في وظائفهم… كانت هناك تغطية جيدة فور استشهاد يوسف لكن الآن نحن من نتصل بوسائل الإعلام وقلة ما يأتون".

 أضافت: "سنستمر في إقامة خيم الاعتصام إلى أن نتسلم جثمان ابننا، وندعوا السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام لدعم اعتصامنا من أجل استرداد جثامين الشهداء".

استشهد يوسف وروت دمائه التراب، لكن أهالي قريته وعائلته ومحبيه لم يسقطوه من ذاكرتهم، ولم يتنازلوا عن حلمهم في ملامسة جسده تراب البلدة، ويستمرون في إقامة خيم الاعتصام يوماً بعد يوم أمام منزل عائلته للفت اهتمام الإعلام المحلي ومؤسسات المجتمع المحلي، لعلهم يجدون ضالتهم.