الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الإهمال الطبي داخل المُعتقلات الصهيونية

2019-09-13 07:56:20 PM
الإهمال الطبي داخل المُعتقلات الصهيونية
أسير فقد بصره نتيجة الإهمال الطبي

 

 

 

 الحدث - مي هماش

شاعت الأخبار منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي بين موافق ومؤيد لموقف طبيب الأسنان الّذي قدم الحماية والأمن للمستوطنين أثناء تعرضهم لعملية طعن من طفل صغير، وبين معارض ومنتقد شديد للوضع، وقدّم الطرفين حججًا كثيرة في هذا الشأن، وكانت أبرزها للمؤيدين؛ أنَّ الطب مهنة إنسانية بالأساس ولا تعطي اهتمامًا بمعايير الجنس والعمر والعرق إلخ، أي أنَّ الهدف الأساسي هو إنقاذ الإنسان طالما هنالك فرصة لإنقاذه، أما المعارضين فكان ردهم بأنَّ المستوطن هو من ينتظر فرصة لقتلك، ومن يسرق بيتك ويحرق شجرك، ويسكن بيت جدك، فكيف من الممكن أنّ تحمي وتمد العناية الطبية لشخص من الممكن في أي لحظة أن يقتلك لأنَّك فلسطيني باختصار.

المستوطن ليس بحاجة للفلسطيني للعلاج عنده، لأنَّ باختصار البنية التحتية الطبية الفلسطينية أضعف من البنية الطبية الاستعمارية الصهيونية، ويعود السبب في ذلك بشكل مباشر على ممارسات الاستعمار، الّتي تُعيق بشكل كبير إمكانية تطوير أي قطاع فلسطيني من الممكن أنّ يُشكل بُنية تحتية مستقلة عنه.

فالتعامل الطبي بالأساس بين الفلسطيني والصهيوني مرفوض، ويُعد شكلًا بارزًا من أشكال توثيق التواصل وتطبيع للحالة السياسية والاجتماعية، وإذا كان ممارسة إنسانية فهل يستطيع الفلسطيني الدخول للمستشفيات الصهيونية بذات السهولة والمرونة الّتي يدخل بها الصهيوني إلى مستشفياتنا، هل يُعامل الأسير المريض أثناء نقله إلى المشفى كإنسان وهو مقيد ومكبل لا يستطيع أن يرى ضوء الشمس، هل يملك الفلسطيني ذات الأدوات الّتي يملكها الصهيوني لحماية ذاته في حال تعرضه لأي خطر، إنَّنا عُزَّل تمامًا لا نملك إلّا مُحصة قيمية نتصارع فيها أمام منظومة كاملة من السيطرة والمراقبة والاقصاء والنبذ.

أما ما يحدث في المُعتقلات الصهيونية، وهو أنَّ أطباء "مصلحة السّجون" يقدّمون الترخيص الطبيّ لاعتقال السجناء في السّجن الانفراديّ والعزل، مُلحقين بذلك أذى جليّ بصحّتهم، والذي يتعذّر أحيانًا ترميم آثاره. وتتأثر قرارات هؤلاء الأطباء في الغالب باعتبارات غريبة تقوّض تعهّدهم بالعمل، لما فيه منفعة المريض، كما تتطلب قواعد آداب مهنة الطب.

فاستشهاد أسير داخل المُعتقلات يُعتبر إدانة لهيكلية وأجهزة السطة الاستعمارية الصهيونية كاملة، سواء هياكلها الطبية، والسياسية، والقانونية، والأمنية، والأكاديمية التربوية، فما يحدث داخل المُعتقلات هو تكاملية للأدوار الّتي تلعبها هذه الأجهزة مع بعضها البعض، لتحقيق هذه النتيجة، والّتي من المفترض تسهيل تبريرها بالمرض والموت الطبيعي.

لكن الأمور لا تحدث هكذا بالتحديد، في الوقت الّذي يجب على الاستعمار الصهيوني الالتزام بمعاهدات وقرارات حقوق الأسرى من حيث المعاملة والعناية الطبية، نشهد ازدياد في شهادات التعذيب وسياسات الاهمال الطبي المقصودة، أو دور الطب داخل المُعتقلات في السيطرة والمراقبة على حالة الأسير، كونه "إرهابي وعدو" وليس كونه مريض على أقل تعبير، وذلك من أجل تسهيل سيطرة المحققين على الأسير وإضعافه.

فبعد إعلان استشهاد الأسير  بسام السايح، نتيجة إهماله الطبي من قِبل ما يسمى "مصلحة السجون" لحالته الصحية المتردية، نتيجة إصابته بسرطان الدم والعظم، بدأت تطفو على السطح مجددًا مخاوف جديدة للأسرى، وهيَّ الخوف من القتل العمد، وهذا الخوف دائمًا يُرافق الأسرى في لاوعيهم وإدراكهم كذلك، في وسط ركود المطالب السياسية بالنداء والحراك لصالحهم.

إنَّ الأعداد الكبيرة للأسرى الفلسطينيين  المرضى في المُعتقلات الصهيونية عالية جدًا، أي ما يقارب 700 أسير، 10 منهم مُصابين بمرض السرطان، وهذه ليست مجرد أرقام للنقاش حول كثرتها أو قلتها، هذه قضية منافية للأخلاق والأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، اعتقالهم من جانب، وإهمالهم الطبي من جهة آخرى، مع النظر إلى أنَّ بيئة الاعتقال ذاتها غير صالحة للعيش الأدمي، فكيف ستكون مكان يحفظ كرامة وحقوق الأسير المريض.

وإنَّ ما يحدث اليوم داخل المُعتقلات برفض الأسرى تطبيع ما حدث والتعامل معه على أنَّه انتهاك صارخ، وإضرابهم عن استلام وجبات الطعام، يكشف بشكل واضح عن هذا الخوف من الموت بالقتل العمد، القتل العمد دون وجود أدلة على عنف وتعذيب، فالمبرر جاهز والتقرير الطبي قد كُتب منذ سنوات، ولا يوجد مسؤولية قانونية من الممكن أن تهز ديمقراطية وحضارة "اسرائيل"

وبمدى تكاملية أجهزة كيان الاستعمار في العمل على إضعاف الفلسطيني دائمًا، ووضعه في حلقات يدور وحده بداخلها، بقدر ما علينا أنّ نُكسِّر هذه الحلقات، وإيجاد تكاملية في أدوارنا، وليس تضامن، بل تكاملية بين العمل السياسي، والعمل القانوني والحقوقي، والعمل الثوري أيضًا، ومؤسسات المجتمع المدني، لكشف هذه الممارسات، والضغط في سبيل إنهائها، وإنجاز خطوة أولى  في قضية الأسرى، وهيَّ حمايتهم من القتل العمد.