الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفورين بوليسي: الصين قد تكون الفائز الأكبر في سباق السعودية لتصبح مركزاً للتكنولوجيا

2019-10-12 02:40:44 PM
الفورين بوليسي: الصين قد تكون الفائز الأكبر في سباق السعودية لتصبح مركزاً للتكنولوجيا
متسابقون سعوديون

 

الحدث - جهاد الدين البدوي 

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للخبير روبرت موغيلنيكي، يقول فيه أن الصين تعتبر شريكاً طبيعياً في التنمية السريعة والرخيصة، ولكن يجب على الرياض أن تكون حذرة من نفورحلفائها.

ويشير الخبير موغيلنيكي إلى أن السعودية أصدرت خلال الصيف، ودون إشعار، مرسوماً ملكياً، يقضي بإنشاء هيئة للبيانات والذكاء الصناعي. كما أمر المرسوم بإنشاء المركز الوطني للذكاء الاصطناعي والمكتب الوطني لإدارة البيانات. مُنح المسؤولون السعوديون 90 يومًا فقط (حتى نهاية نوفمبر) لاتخاذ الاستعدادات اللازمة. على الرغم من أن جهود التحديث هذه هدف جدير بالاهتمام، إلا أن مبادرات التكنولوجيا الطموحة في المملكة العربية السعودية قد تفيد الصين إلى حد كبير، والتي قدمت لتوها فرصة هائلة لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.

ويلفت الخبير الانتباه إلى أنه على النقيض من جيرانها العرب في الخليج، كالامارات العربية المتحدة والبحرين، التي ضخت رأس مال سياسي كبير في تطوير الذكاء الصناعي محلياً وصناعات التكنولوجيا المالية، فإن التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية ما زال متأخراً، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن هذا الإنجاز هو أكثر تحدياً في السعودية، والتي تضم عدداً أكبر من السكان من مجموع السكان في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أكبر دولة مساحة في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن التحرك قد يكون بطيئاً لأنه يمكن للتحول الرقمي أن يعيق المؤسسات القديمة المرتبطة بالوصول إلى البيانات وتوافرها، وسيادة البيانات، وأسواق العمل.

ومع ذلك، فإن وتيرة المملكة العربية السعودية الحذرة تتعارض بشكل متزايد مع خطط الرياض في التنويع الاقتصادي المستقبلية. فعلى سبيل المثال مدينة "نيوم" المخطط لها ستكلف 500 مليار دولار، وحسب المجلة سيكون لكل شيء صلة بالذكاء الاصطناعي، مع إنترنت الأشياء - كل شيء، وقد صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبرج في عام 2017. وهذا إنجاز مستحيل طالما أن مصادر التمويل والحاجة الدولية لمصل هذه المبادرات التنموية لا تزال غير واضحة.

وحسب الخبير فإن المملكة العربية السعودية بدأت في تسريع جدول أعمالها الرقمي لاختبار الأسواق. وقامت شركة الاتصالات الإقليمية "زين"، بنشرت تكنولوجيا "5G" التجارية في حوالي 20 مدينة سعودية في أوائل أكتوبر، في أعقاب نشر خدمات مماثلة في الكويت. يعد التطوير المستمر للاقتصاد الرقمي للبلد جزءًا من استراتيجية التحول الوطني لتمكين نمو القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن البرنامج يضع هدفاً متدنياً: من المتوقع أن ترتفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 2% في عام 2016 إلى 3% فقط في عام 2020.

ويشير الخبير: "أن ما يزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة للحكومة السعودية أن العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد استهدفت السوق السعودية الشاسعة بينما رفضت أيضًا فتح مقر لها هناك، واختارت بدلاً من ذلك دول الخليج المجاورة". ويضيف: هذا يجعل من الصعب على المملكة العربية السعودية بناء مركز تكنولوجي محلي، وأن تنافس على الإنفاق الإقليمي على التكنولوجيا. وتشير تقديرات مؤسسة البيانات الدولية إلى أن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وحده في الشرق الأوسط وأفريقيا سيرتفع بنسبة 42.5% في عام 2019.

ويلفت الخبير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة - لا سيما إمارة دبي حددت الذكاء الصناعي مكونًا رئيسًا في الاستراتيجية الاقتصادية التي تعتمد على التكنولوجيا في الدولة في أكتوبر 2017، عندما أطلقت الحكومة استراتيجية الذكاء الاصطناعي وعينت وزيرًا متخصصًا في الذكاء الاصطناعي. وتهدف الحكومة الإماراتية إلى جعل الدولة كحاضنة عالمية للمشاريع التجارية والمشاريع التي تنفذ التطبيقات والخدمات التي تقوم على الذكاء الاصطناعي.

ويرى موغيلنيكي أن  القطاعات سريعة التطور في قطاع التكنولوجيا المالية، مثل العملة الرقمية، تمثل ساحة أخرى للمنافسة بين المملكة العربية السعودية وجيرانها من الخليج العربي. كما يشرف سوق أبوظبي العالمي، وهي منطقة مالية حرة تحكمها سلطات مستقلة، وبنك البحرين المركزي على العديد من شركات التصريف والسمسرة وشركات العملة الرقمية والشركات الناشئة. في الواقع، تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين أكثر الأطر التنظيمية تقدمًا في المنطقة للعملات الرقمية وغيرها من مجموعات التشفير الالكترونية.

ويشير موغيلنيكي إلى أنه في أوائل عام 2019 أطلقت سلطات النقد السعودية والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة مشروع  "عابر" الرقمي، وهو مشروع عملة رقمية مشتركة لتسهيل التسويات المالية بين البلدين. ومع ذلك، كان هناك تقدم ضئيل في هذا المجال. ولا تزال وزارة المالية السعودية تشعر بالقلق من العملات الرقمية، وقد أصدرت تحذيرات بشأن عمليات الاحتيال بخصوص العملات الرقمية المرتبطة بمشاريع التنمية الوطنية مثل "نيوم".

ويضيف موغيلنيكي انه مع تسارع الجهود السعودية، فإنه لا بد للصين أن تتصرف كشريك. ويعتبر المسؤولون ورجال الأعمال الصينيون أن الشرق الأوسط هو رابطاً تجارياً متكاملاً للأسواق الأوروبية والإفريقية. ويعد طريق الحرير الرقمي في البلاد، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق، وتخدم البنية التحتية الرقمية على الصعيد الدولي. وتجعل من الصين قوة تكنولوجية عظمى على المستوى العالمي. وقد وافقت المملكة العربية السعودية -إلى جانب ست دول أخرى- على مبادرة التعاون الدولي للاقتصاد الرقمي بقيادة الصين في أواخر عام 2017، ولا يزال كبار المسؤولين الحكوميين الصينيين يدعون إلى تعاون أكبر في مجال التكنولوجيا الفائقة بين البلدين. لكن إدارة تدخل صيني أكبر في مجال التكنولوجيا ستتطلب إجراء توازن دقيق.

وينوه الكاتب أنه من الممكن للشركات الصينية تنفيذ مشاريع البنية التحتية الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بتكلفة منخفضة وفي وقت قصير، مما سيساعد المملكة العربية السعودية على الالتزام بميزانيتها في وقت تعاني فيه أسعار النفط من التدني والتقلب. وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسات الأكاديمية الصينية والشركات الخاصة والهيئات الحكومية في وضع جيد لدعم القطاعات التكنولوجية الناشئة في المملكة العربية السعودية. وتلعب الجامعات والمؤسسات البحثية في الصين دوراً رئيساً في إنتاج الاختراعات وبراءات الاختراع للذكاء الاصطناعي الموزع، والتعلم العميق، والروبوتات العصبية. كما أن شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا متعددة الجنسيات لا تمتلك استراتيجية واضحة للذكاء الصناعي فقط، والتي تشمل على استثمارات في أبحاث الذكاء الاصطناعى وتطوير نظام إيكولوجي عالمي للمواهب، ولكنها أيضًا تدير مشاريع البنية التحتية للهواتف المحمولة من الجيل الخامس "G5" في جميع أنحاء منطقة الخليج. علاوة على ذلك، فإن البنك المركزي الصيني بصدد إطلاق عملة رقمية، يخطط لتوزيعها على أكبر البنوك وشركات التكنولوجيا المالية في البلاد.

من ناحية أخرى، فإن مشاركة الصين في مجالات البيانات والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية سوف تقلق الحكومة الأمريكية والحلفاء الآخرين، بالنظر إلى الروابط القوية بين البيانات، والذكاء الاصطناعي، والمصالح الأمنية.

ويرى موغيلنيكي أن الأمن هو القوة الدافعة للكيانات التكنولوجية الجديدة. وسيساعد المركز الوطني للمعلومات في المملكة العربية السعودية -وهو جزء من وزارة الداخلية- في تنسيق إنشاء مؤسسات التكنولوجيا الجديدة خلال الأسابيع المقبلة. والرئيس السابق للمركز، عبد الله بن شرف الغامدي، شغل سابقًا منصب نائب رئيس الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجة. ومن بين أعضاء مجلس الإدارة المعينين في هيئة البيانات والمخابرات السعودية، العديد من مسؤولي الاستخبارات والدفاع: وزير الداخلية ومستشار الأمن القومي ورئيس الاستخبارات العامة ورئيس أمن الدولة.

ويضيف الخبير بأن المسؤولون الصينيون ينظرون إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وشبكات الاتصالات العالمية باعتبارها أساسية للقوة الاقتصادية والعسكرية. وسيصبح الخط الفاصل بين التعاون الاقتصادي والمصالح الأمنية سوف يصبح أكثر وضوحًا في المستقبل.

ويؤكد الخبير أنه إذا قررت المملكة العربية السعودية أن مخاطر العمل مع الصين لا تستحق المغامرة، فإن هناك شركاء محتملين آخرين. وقد أعرب صندوق الاستثمار المباشر الروسي، من جانب واحد، عن اهتمامه بالعمل عن كثب مع المركز الجديد للذكاء الصناعي في المملكة العربية السعودية. وقد التقى عبدالله السواحة، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السعودي، برئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية في الخامس من سبتمبر الماضي وشجع شركات التكنولوجيا الأمريكية على زيادة وجودها في المملكة. وتمضي شركة غوغل قدماً في إنشاء مركز بيانات كبير في المملكة العربية السعودية، وأطلقت الشركة الألمانية SAP منشأة بيانات سحابية عامة في مايو 2018. كما وقعت كل من شركة إريكسون و "KPMG" و " General Electric" مذكرات تفاهم مع الشركات والوزارات المملوكة للدولة لدعم التحول الرقمي وتطوير الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون في مجتمع التكنولوجيا الأمريكي والأوروبي قلقين من التطورات الاجتماعية والسياسية والعلاقات الخارجية التي تشهدها المملكة.

وينوه الخبير أنه في غضون ذلك، ستكون الصين مستعدة للانقضاض. ففي أغسطس، استضافت شركة هواوي برنامج تدريب لتكنولوجسيا الاتصالات من الجيل الخامس 5G بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية. جاء ذلك على الرغم من التحذيرات التي وجهها المسؤولون الأمريكيون حول المخاوف الأمنية المرتبطة بالحلفاء الذين يستخدمون شركة هواوي لتطوير البنية التحتية للهاتف المحمول لل 5G.

وينتهي الخبير بالقول: إن المملكة العربية السعودية تأمل في أن تعزز المؤسسات التكنولوجية المتطورة التي يتم انشاؤها بسرعة وبتكلفة زهيدة من تعزيز مؤهلات السعودية التكنولوجية. ومع ذلك، يجب على المسؤولين السعوديين إدارة مشاركة الصين ببراعة في مجالات التكنولوجيا في الخليج. نظرًا لأن الطائرات بدون طيار والصواريخ تهدد منشآت الطاقة الحيوية في المملكة العربية السعودية، ولا يمكن للبلاد أن تنفر من الحلفاء الذين ما زالوا يشككون بشدة من النفوذ الصيني في المنطقة.