الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كلب الست اسقاط سياسي واقتراب من "الكباريه السياسي"

2019-10-30 08:29:39 AM
كلب الست اسقاط سياسي واقتراب من
مسرحية كلب الست

 

الحدث _توفيق العيسى

لم يكن الجد وحفيده يحلمان بحياة أفضل، بل وكأنهما استساغا حياة الفقر والتهميش، ومع ذلك لم يحلما أيضا بهذه النهاية لمسرحية "كلب الست" انتاج مسرح القصبة واخراج فراس أبو صباح,نص مسرحي للكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي. بطولة خالد المصو، هديل تكروري وسليم نبالي، والذي عرض على مسرح قصر رام الله الثقافي ضمن عروض مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الثانية،  الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح.

في مسرحية " كلب الست":

سيظل تعبير " كلب الست" يحتفظ في الذاكرة بقصتين تعتبر احداهما اسقاط سياسي والاخرى اسقاط اخلاقي واجتماعي، وهما قصيدة " كلب الست" للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، والتي أسقط فيها استبداد النفوذ السياسي على المواطن البسيط، أما الثانية فهي ما ترسخ في الذاكرة الشعبية من استخدام هذه الجملة، والتي تدل على غياب شخصية الرجل وسطوة المرأة عليه.

في العمل المسرحي غير المنساق وراء هذين التعبيرين ومستقل عنهما من حيث الحدث الدرامي، ومن خلال " الست" و " كلبها" يذهب العمل الى أكثر من الترميز السياسي والاجتماعي الى الاسقاط السياسي، بجو كوميدي هزلي يقترب من مفهوم " الكباريه السياسي" في المسرح.

"الست" قبل الكلب:

ما أن انطفأت أضواء القاعة حتى بدأ العرض المسرحي قبل ان يعم الظلام تماما على القاعة ودون لحظات الصمت المعتادة في بداية كل عمل، لتبدأ الحكاية بضجة وصراخ الحفيد وجده، اللذان يحاربان الفئران في مطبخ بيتهما، المطبخ الفارغ من الطعام، والبيت الذي سيصبح اسمه لاحقا " الخشة" اشارة الى افتقاده لنقومات الحياة.

في هذه الاثناء تدخل الست بشكل استعرلضي لا يخلو من الاغراء تحمل الطعام وتقدم خدماتها لهما بشكل محير يثير أكثر من سؤال في ذهن الجد، الا ان اجابتها فتحت الباب أمام اول اسقاط في العمل لتقول " بعثوني الأسياد".

فهي مبعوثة سلطة عليا، جاءت تخدمهما، وتحقق لهما احلامهما حتى دون ان يطلبا ذلك، مدفوعة بالشفقة والاحسان. اللذان  سيتحولان الى كره ومعايرة بالفقر والجوع.

موت الكلب وعذابات المواطن:

حين يقرران ان تبقى الست تشترط بقاء كلبها معها الذي دخل خلسة من شباك المطبخ لتكتشف بعدها ان الكلب مات بسبب سم الفئران في المطبخ،  تبدأ من هنا الحكاية. لينقلب كل شيء، الأسياد اللذين بعثوها يحولانها الى موت بطيء للجد والحفيد، والشفقة تتحول الى كره لأنهما سبب موت كلبها، وتتصاعد الى ان تعايرهما بجوعهما وتنقلب المفاهيم التي جاءت لأجلها الى عكسها.

الا أن الملاحظ قبل قراءة الحدث المسرحي، أن حبكة موت الكلب ودخوله الى العرض المسرحي _خلسة من الشباك_ قد تبدو مبررة دراميا، الا أنها غير مقنعة أيضا، وكأن المخرج تعجل دخول الكلب الى القصة وموته لتبدأ الحكاية بسرعة، فماذا مثلا لو أن الكلب لم يأكل السم؟ فالقصة حدثت هنا بالصدفة وليس عمدا، ماذا لو لم يحدث كل ذلك؟! لما تحولت "الست" الى سيف مسلط عليهما ، وانعكست أحداث القصة.

ومع ذلك فحتى هذه الصدفة قد تبدو مبررة منطقيا أيضا، اذا ما أضيفت الى غرائبية القصة وتصاعدها، فهما سيعاقبان على موت لا يد لهما فيه، ولتكن صيغة غرائبية كباقي صيغ الحياة والاستبداد والظلم.

"الست" كسلطة متنفذة:

حتى تستبد كان لا بد من سبب، والكلب هنا هو سبب ورمز معا، فهو سبب الحدث الدرامي الذي سيجعلها تحكم عليهما بالجوع سبعة أيام حدادا على كلبها، وهو في المشهد الذي تحتل فيه صورته صدر المسرح لتغطي على صورة الجد رمز لوحشية هذه السلطة او القوة الحاكمة او المتنفذة، لذلك على الرغم من الايحاء بأن الكلب لطيف في بداية المسرحية الا أن الصورة ستعكس شكلا يقترب الى الوحشية في صورته، حين علقتها على حاىط البيت بحجم كبير.

الشروط التي سيقبلها الجد والحفيد، ما هي الا تصاعد لتوغل القوة، وتماديا في ساديتها فمن الحداد الى تجويعهما سبعة أيام عقابا _تسميه صوما_ الى فرض لغة جديدة تفرض عليهما الا يقولان أنهما جائعان، الى تحولهما الى كلبين بديلين لها.

الأمر الذي عبر عنه الممثلون بلغة ايمائية في تقربهما من الست والافراط في خدمتها حتى يشكلان مشهد تحولهما الى كلبين. تحنو عليهما، وترفضهما رغبة في ممارسة ساديتها.

الممثلون نجحوا في تجسيد القصة وايصال اسقاطاتها، ونجحوا في خلق مشاهد هزلية ساخرة دون اسفاف او استهلاك هزلي او نكتة جاهزة. الا أن المشاهد الأخيرة وقعت في فخ المباشرة والاستهلاك اللفظي للتعبير عن قضية، في مشهد هو عقاب آخر لهما حين حاولا التحايل عليها وأكل ما تبقى من طعام، ففرضت عليهما الا يجتمعان ووضعت حدا عازلا بينهما.

مع تصاعد الاحداث ووصول العقد الدرامية الى نهايتها، كان لابد من خاتمة، فكان ان استعاد المخرج بداية العمل المسرحي ليكون نهاية ولكن هذه المرة بعودة " الست" بشكل مختلف، فقد عادت لتعاقبهما من جديد لأن كلبتها ماتت حزنا على الكلب وهما سيصبحان سببا في موت جديد لم يرتكبانه أيضا.