الحدث - سهر عبد الرحمن
إن ما يحدث في الجامعات الفلسطينية من قمعٍ لعرض مسرحي بشكل علني ومباشر في جامعةٍ فلسطينية تحت مبرر عدم توافقه مع العادات والتقاليد إلى منع "مظاهر العسكرة" في أخرى؛ أعادنا إلى مربع ليس حديث الولادة أو حتى حديث الساعة، هو مربع أوسلو وما خلقه من تحولات ثقافية سياسة منذ لحظة توقيع الاتفاقية عام 1993 حتى يومنا هذا، فما جاء من بنود الاتفاقية في ذلك الوقت البعيد لا يزال أثره يمتد حتى اليوم ونحن على مشارف 2020، فالكثير من بنود الاتفاقية أثرت على التعليم الفلسطيني وقيدت ما كان بحوزة الجامعات الفلسطينية من حرية ومساحة وطنية.
وفيما يتعلق بالتحولات التي أفرزتها اتفاقية أوسلو، قال المحاضر في جامعة بيرزيت عماد غياظة، إن أوسلو كانت نقطة تحول جذري في تاريخ الشعب الفلسطيني، "أوسلو لم تُسقط تبعاتها وآثارها على الجامعات الفلسطينية فقط بل على الكل الفلسطيني"، ولخص هذه التحولات بالتراجع في الشأن العام، وميول الشباب نحو المغادرة والهجرة، إضافة لخلق حالة من عدم الثقة في النظام السياسي والقائمين على العمل العام، عدا عن عدم ثقة الفلسطيني في الفرص المتاحة للعمل في أرض الوطن، أما عن إسقاطات أوسلو على الجامعات الفلسطينية، أوضح غياظة، إلى أن الجامعات الفلسطينية كانت تمولُ من الاتحاد الأوروبي عبر مجلس التعليم العالي، مشيراً إلى الدور الريادي الذي قامت به جامعة بيرزيت في تأسيس مجلس التعليم العالي قبل قدوم السلطة الفلسطينية.
وبحسب غياظة فإن الدور السلبي الذي أسقطته أوسلو على الجامعات الفلسطينية تمثل بالسياسات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة بمنح تراخيص للجامعات الخاصة وغير الخاصة لفتح برامج وإغراق السوق التعليمي بمؤسسات تعليمية خاصة، ودلل على ذلك بقرار مجلس الوزراء المتمثل بتجميد وإغلاق أكثر من 120 برنامجا أكاديميا، مؤكداً على أن التحولات التي أفرزتها أوسلو أحبطت الجامعات الفلسطينية أكاديمياً ومهنياً.
وعلى حد وصف غياظة، فإن أخطر ما واجهته الحركة الطلابية والمؤسسات التعليمية بعد أن كانت مركز الثقل للعمل العام والعمل الوطني أنها باتت تلعب دوراً هامشياً بعد أن عادت القيادات السياسية إلى الوطن "وأصبحت هذه القيادات هي من تمارس التشكيلات الوطنية الفاعلة في تلك الفترة".
وأشار المحاضر في جامعة بيرزيت، إلى أن الجامعات الفلسطينية قبل توقيع اتفاقية أوسلو كانت المكون المباشر لمواجهة الاحتلال، "فلم تكن هنالك قيادات سياسية أو تشكيلات وزارية". ونوه إلى أن عمل الفصائل كان يتمثل في الجامعات فقط، أما خارج المساحة الجامعية لم تكن الفصائل الفلسطينية تحظى بالحق لممارسة النشاطات الوطنية والتثقيفية والتعبوية، ولكن بعد توقيع اتفاقية أوسلو تغير هذا الدور ليصبح بيد القيادات السياسية والسلطة الفلسطينية.
وأكد غياظة على أن "اتهام الجامعات الفلسطينية بالتعايش مع الاحتلال الإسرائيلي خطوةٌ في اتهامها بالعمالة، وهذا أمرٌ مرفوض؛ فالجامعات الفلسطينية ملتزمة بقرار مجلس التعليم العالي الذي تم اتخاذه قبل أوسلو بعدم التطبيع مع المؤسسات الصهيونية".
وفي تخصيص الحديث حول ما يحدث في جامعة بيرزيت، قال غياظة إن لبيرزيت تاريخياً ثلاثة مكونات أساسية وهي الطلبة والحركة الطلابية إلى جانب نقابة العاملين في الجامعة، "هذا كله يأتي تحت رأس القبة وهي إدارة جامعة بيرزيت، فهي رائدة في تأسيس وبناء الحركة الطلابية الفلسطينية على مستوى الوطن وخارج الوطن"، وفيما يتعلق بالحركة الطلابية قال إنها من وضعت اسماً بارزاً في العالم وفي المنطقة العربية للحركات الطلابية والجامعات الفلسطينية والقضية الفلسطينية، أما نقابة العاملين في بيرزيت فوصفها برأس الحربة في صياغة العمل النقابي في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي وقبل قدوم السلطة الفلسطينية، وأخيراً إدارة جامعة بيرزيت والتي وصفها بالقبطان، "فليس هنالك مركب في أي مكان من هذا العالم يسير وحده دون قائد".
وأشار غياظة إلى أنه ليس لجهة واحدة فضلٌ في رفع اسم جامعة بيرزيت "فهي عملية تكاملية ما بين الإدارة والطلبة والحركة الطلابية المتعاقبة والمتغيرة منذ وجودة مكونات الجامعة".
أما عن منع إدارة بيرزيت مظاهر العسكرة داخل الحرم الجامعي فيرى أن البعد الثقافي والتحولات التي تمت بعد أوسلو قد تكون أحد الأسباب في هذا القرار وهو ليس بالجديد، "فلو عدنا لممارسات وبعض سلوكيات الحركة الطلابية داخل الجامعة المخالفة لأنظمة وقوانين الجامعة سنجد أنه في كل مرة كانت تُتخذ الإجراءات العقابية وفق أنظمة وقوانين الجامعة بحق من ارتكب هذه المخالفات".
ونوه غياظة لجامعة بيرزيت كمعهد أكاديمي عال، "فجامعة بيرزيت ليست قاعدة عسكرية أو ميدان تدريب عسكري وفي المقابل ليس هنالك حظر لأي تمثيل فيما يتعلق بالعمل الوطني، وكل القوى السياسية في بيرزيت تمارس نشاطاتها الحزبية داخل الجامعة بحرية تامة".
وفيما يتعلق بدور جامعة بيرزيت وطنياً ونشر الثقافة التعبوية في المجتمع الفلسطيني، يرى غياظة أن هذا الدور متأصل في الجامعة، "فمنذ أقل من شهر أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراح أستاذة في الجامعة، وحتى يومنا هذا لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمنع التحويلات القادمة من الدول العربية، ذلك عدا عن محاربة الدول الأوروبية لجامعة بيرزيت بتهمة أن بيرزيت معهد للإرهاب".
ووفقا لغياظة، فإن جامعة بيرزيت تحتل حيزا كبيرا في الواقع والمجتمع الفلسطيني.