الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صباحات الكر والفر للعمال الفلسطينيين شمال الضفة من فتحات الجدار السلكي

بقلم: محمد سيف

2020-01-02 09:09:48 AM
صباحات الكر والفر  للعمال الفلسطينيين شمال الضفة من  فتحات الجدار السلكي
أرشيفية

 ألتوسير: "لا نفكر أحرارًا وإنما نفكر دائما مضطرين وتحت الضغط"

استوقفني منذ مدة، تقريران؛ الأول لما يسمى صفحة "المنسق"، والآخر تقرير  مرئي لقناة إسرائيلية أعده الصحفي الإسرائيلي إيهود بن حمو، وقامت قناة العربية بترجمة جزء منه [1]، عن آلية دخول العمال الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948 وتحديدا مستوطنة "حيرش" التي صادقت حكومة الاحتلال خلال العام الماضي 2019، على توسيع دونمات امتدادها على حساب السكان الأصليين للمناطق الفلسطينية القريبة  في منطقة المثلث "برطعة، أم القطف، وعارة، وعرعرة، وكفر قرع" [2] حتى تتحول منطقة نفوذ الاستيطان فيها  من 7,108 في عهد ارئيل شارون ومشروع "السبع نجوم " إلى 20,518 دونما[3].  

مستوطنة "حيرش" مثلا، تبدو ملاذا للعاملين الفلسطينيين الذين يعبرون الجدار السلكي، هي منطقة عيش مشتركة لسكان البلاد الأصليين، والمحتلين الصهاينة، ويرتاد يوميا بحسب تقرير القناة العبرية المصور، آلاف العمال الفلسطينيين لكسب قوت يومهم من العمل في هذه المستوطنة والمستوطنات القريبة، تنصب نشاطاتهم  في أعمال البناء، بل وتشير التقديرات في التقرير إلى أن ما بين 30 و 40 ألف فلسطيني، يعملون/يتنقلون بشكل "غير قانوني" داخل "دولة الاحتلال" كل يوم. [4]

يدعي التقرير العبري، أن غالبية العمال الفلسطينيين "منعوا أمنيا من الحصول على تصاريح لدخول المنطقة" ولذلك يلجأون إلى اجتياز فتحات الجدار السلكي والدخول بطريقة "غير شرعية: بدون تصاريح".

حتى تكون الأمور واضحة، أتعاطف وأتكافل مع هؤلاء العمال الفلسطينيين حقيقة، ولست في منصب اتخاذ قرارات مصيرية لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية الرسمية وغير الرسمية، ولا في صدد المزاودة على العمال الفلسطينيين قبل إيجاد حلول بديلة لهم. تغنيهم عن الذهاب للعمل في هذه المستوطنات، هذا واضح ومفهوم لنا جميعا، لكن الأهم، هل السكوت عن هذه الظاهرة الاجتماعية يعتبر كافيا لعدم وجود بديل؟ وفي ظل سياسات الهندسة الاجتماعية التي يحاول الصهاينة خلقها وفق مبررات " الأمن الصهيوني"، هل حقيقة هذا الاقتصاد غير الرسمي، وغير المعلن عنه، سيقود في النهاية إلى بناء مستوطنات أكثر فأكثر؟.

يقول أحد الصهاينة في تقرير إيهود بن حمو: إن الحكومة الإسرائيلية لا تريد استكمال  بناء "مستوطنة حيرش" و مشروع النجوم السبع[5]، ويتساءل هذا المستوطن إن لم تقم الحكومة الصهيونية بأداء التزاماتها تجاه البناء الاستيطاني، فمن سيقوم ببناء المستوطنات! ويجيب بثقة العارف: "هؤلاء" قاصدا العمال الفلسطينيين، من خلال المقاولين الصهاينة يعملون في هذه المستعمرات.

يجمع العمال الفلسطينيون في التقرير، على أن الدافع الرئيس وراء "دخولهم إلى بلادهم المحتلة" هو عدم توفر فرص عمل وأجور يومية تكفيهم لاستكمال الشهر في مدنهم حد ادعائهم،  فنسبة الأجور بالاستناد إلى مقابلات التقرير من 50-100 شيقل كحد أقصى، أما ما يتقاضاه الاجير الفلسطيني في الأراضي المحتلة بعد "اجتياز الجدار السلكي" فهو ضعف هذا الرقم في نهاية اليوم، وبالتالي فإن أجر يوم في "بلاده المستعمرة" عن أجر أسبوع حيث يقطن ويعيش.

يتناسى العمال، أنهم لا يعاملون حتى معاملة العامل الأجنبي الجنسية، غريب البلد، القادم من أفريقيا، روسيا، الصين وغيرها. جزء من هؤلاء العمال يأتون من خلال " فيزا عمل " أو من خلال سماسرة التصاريح الصهاينة، بتهريبهم من النقب وسيناء، ويخضعون لفحوصات طبية، بل ويتقاضون أجورا أعلى من العامل الفلسطيني بحسب الكثير من العاملين في نفس المجال "البناء". وينصاع السماسرة والمشغلين  لتوجهات "الهستدروت: نقابة العمال الإسرائيلية" وتطبق بق رقابة على المشغلين لدفع رسوم تأمينات العاملين الأجانب الصحية ودفع الضرائب على الدخل. فهل سيتم إلحاق العمال الفلسطينيين في المستوطنات بالهستدروت لتسهيل عملية إلغاء هوياتهم الفلسطينية واستبدالها بأخرى صهيونية الطابع تدعم التعايش وحفظ الحقوق؟.

وخلال البحث عن مستوطنة "حيرش"، ظهر تقرير أعده موقع "عرب 48" [6] يقول فيه أحد القاطنين العرب في المستوطنة: " الدولة فشلت في تهويد المثلث وفي تحويل حريش إلى بلدة يهودية فقط، وأصبح هذا المشروع العقاري فاشلا بالنسبة لها، لأن العرب انتقلوا للعيش في حريش.. الدولة من ناحيتها جلبت الروس والقفقاز وقالت لهم وداعاً... لم ترغب الدولة بأن تستوعب حريش عربا لأنها ضمن مخطط النجوم السبع لتهويد وادي عارة، لكنها تقبلتهم على مضض بعد أن فشلت كل مشاريعها لجلب سكان جدد لحريش.. هنا التعايش حقيقي بين العرب واليهود، نعيش معا وسوية مثل أبناء أسرة واحدة... لكن المشكلة هي المجلس المحلي.

يسأل الصحفي بن حمو في نهاية المقابلة المصورة، عن فرصة عودة أحد الفلسطينيين للدخول للأرض المستعمرة عام 1948 بعد شفائه من رصاص الاحتلال، فيقول العامل الفلسطيني "أصابوني بالرصاص في قدمي اليسرى ولم أسقط أرضا، فتلقيت رصاصة في القدم اليمنى لكن سأشفى وسأعود إلى العمل في المستوطنة ".

يظهر في نفس  التقرير المصور، شابان في العشرينات من العمر، أصيبا جراء تعرضهما لإطلاق النار من الجنود الإسرائيليين أثناء عبورهما من فتحة في الجدار السلكي الفاصل بين الأراضي المستعمرة عام 1967 و 1948 "منطقة قفين، باقة الغربية وجت". هذه الأجساد التي قد تكون مسيسة في حل الدولتين والدولة الواحدة حتى، ولم تعيدها السلطات الاستعمارية إلى وعيها لذاتها، بأن لا فرق عند نيران العدو بين من يود "الترزق والعبور " ومن يود المقاومة. إلا أن الميتة مختلفة. فقد يكون الأول شهيد لقمة العيش، والثاني شهيد التراب والوطن .

إذا كنا نبحث عن الأجور، فماذا عن فلسطين، هل حقيقة كلما توسع الاستيطان يعني بالضرورة زيادة ضم الضفة الغربية إلى "إسرائيل"؟، ماذا عن حلم التحرير، والدولة الديمقراطية، ونضالات الطبقة العاملة، هل سنرفض ونكتفي أن يسكن مستعمرنا الماضي الفلسطيني التاريخي، الذي يتحول فيه الأبيضُ المستعمر الصهيوني دخيلا مستقبلا في معادلة الهوية الفلسطينية؟ أم سنتساوق أكثر فأكثر مع البحث عن  رغيف الخبز المذلول والمغمس برائحة الدم ولا يهمنا مصدره.

في تقرير آخر نشرته صفحة "المنسق" [8] عن دورة مهنية نفذها "الهستدروت الصهيوني" للعمال الفلسطينين لإطلاعهم على حقوقهم أثناء العمل في المستوطنات؛ فإن التقرير شمل العمال أصحاب التصاريح، وكشفت وجوههم وأسمائهم في قاعة الدورة في طبريا المحتلة، على عكس تقرير بن حمو الذي صور فيه العمال بدون التصاريح، مخفية وجوههم من خلال تقنيات المونتاج، قد يكون بن حمو  حفظ الأمان لهم فلسطينيا،فاخفيت وجوهم، لعلنا ندرك كم الضرر الذي نسببه لأنفسنا، ولأرضنا المستعمرة.

تجدر الإشارة، إلى أن صفحة "المنسق" وأجهزة أمن العدو، استحدثت تطبيقا اسمه "المنسق"، يبيح للفلسطيني التسجيل من خلال رقم هويته الفلسطينية، والكشف عن "المنع الأمني " والتقدم بطلب لإزالته، وبذلك فإن "أمن العدو" يستطيع جمع معلومات عن أماكن تواجد محمل التطبيق، وبناء قاعدة بيانات عن الممنوعين أمنيا وأماكن تواجدهم، والولوج إلى هواتفهم بكل سهولة، وقد يكون تقديم  المعلومات المجانية للاحتلال، أمرا طبيعيا في ظل هذه الموجات التكنولوجية .

بل وعلينا أن نسأل أكثر، ماذا عن الخطابات الرسمية الحكومية، هل ستسوعب خطة رئيس الوزراء محمد اشتية، التي أعلن عن ارتباط اساسها بالشباب، هؤلاء العمال! وماذا ستفعل الحكومة الفلسطينية القائمة والقادمة، إزاء الاستيطان خارج أراضي الضفة الغربية عام 1967، هل تجريم الاستيطان نظريا  وقانونيا يعتبر، في حال كنا شركاء فعليين في بناء هذه المستعمرات.

إن الخطاب في تقريري المنسق وايهود بن حمو، واضح وجليّ ظهر على شكل  مجموعة من الملفوظات ( المحكية ) باللغتين العربية والعبرية والذي عبرّ من خلاله معدو التقارير عن علاقة السلطة والمعرفة والقوة في خطابهم. ودورنا جميعا، الكشف عن مكونات الخطاب في فلسطين المستعمرة،  تعريته وقراءة ما يدور حوله وحتى من خلفه، ولو كان الخطاب هذا خفيا، مستورا، فهو يود أن يقول، إذا كانت سلطة الضفة لا تستطيع توفير عيش كريم لكم، وعلى الرغم من عملياتكم ضد "الصهاينة" فإننا نسمح لكم بأكل رغيف الخبز، بإنسانية.

هذا  القمع الظاهر في التقارير، مخفي ويقدم على أنه استجابة لحقوق الإنسان الفلسطيني في البحث عن رغيف الخبز، وبذلك فإن المشهد يكتمل في هذه التفاصيل التي لا يمكن أن تدل منفردة على أنها أدوات للتعذيب في هذا التقرير إلا كشفنا عن  أنها أدوات حقيقية تحد من انسانيتنا نحن المستعمَرين: "الجدار، الجنود ورصاصهم، والدخول بدون تصريح العمل، وأدوات ضبط الجسد وسرقة وقت العاملين لحظة عودتهم بكفي حنين بدون عمل".

إذا أدركنا الإطار الكلي والمنطق الذي يقف وراء هذه المنظومة الاستعمارية، سيتضح لنا بالضرورة أن التقرير هذا وعلى شاكلته عشرات التقارير، موجه لأعضاء الكابينت السياسي  والأمني الصهيوني بالدرجة الأولى، قبل الجمهور الصهيوني المتلقي، فماذا يعني أن يذكر التقرير مبلغ نصف مليون دولار صرفت على ترميم فتحات الجدار السلكي الفاصل، أعاد الفلسطينيون خرقها للدخول منها على أعين جيش العدو.

ظهور الجنود في التقرير الأول، مطلقين غازهم المسيل للدموع، ورصاصهم في ظهر العمال الذين لم ينجحوا في المرور هو رسالة أخرى معادلتها "الثقل لجنود العدو" في فرض "الأمن والأمان"، في الحسم والإنذار والدفاع والردع، والتخلص من التهديدات الفلسطينية بأبعادها وعودتها إلى حيث جاءت على "الخط الأخضر ". ولا صوت للفلسطيني في هذه المعادلة، على عكس معادلة الهستدروت والمنسق: الذي يظهر فيها الجنود الصهاينة يؤدون واجبهم "الإنساني" في مساعدة العمال حاملي التصاريح وتنظيم الندوة لهم . وقد يجتمع الطرفان في ورشة بناء واحدة، تسقط وتنهار عليهم.

في الحالات مجتمعة، العامل سيعود إلى أرضه التي يدخلها هاربا من رصاص الجنود الصهاينة، نازفا دمه على الأرض، ماحيا أثر القرى واللاجئين المعذبين في أقاصي فلسطين وخارجها من أجل قوت يومه حتى لو كلفه الثمن حياته، والجلوس مع قاتل شقيقه. وهنا فإن الدال الأساسي على الاختلاف الثقافي والعرقي في الصورة النمطية بيننا نحن أصحاب الأرض، وهؤلاء الغزاة هو تعريفنا نحن للأرض التاريخية، والعدو المتمثل بالحركة الصهيونية. الصورة النمطية المثبتة في الخطاب الاستعماري عنا نحن باعتبارنا الأيدي العاملة الرخيصة، الموجودة لخدمة بناء الحلم التوراتي في بلادنا، لن تتغير بإزالة المنع الأمني، والحصول على تصاريح لبناء المستوطنات.

 

[1] https://www.facebook.com/Alarabiya.Palestine/videos/556521311861142/

[2] https://samanews.ps/ar/post/الاحتلال-يصادق-على-مشروع-توسيع-مستوطنة-حريش

[3] https://www.el3en.com/?app=article.show.20488

[4] https://www.mako.co.il/news-military/2019_q4/Article-283cd2f042a1f61027.htm?sCh=e037f6f25bc49110&pId=1053994317

[5] وضعت خطة النجوم السبع في وزارة البناء والاسكان لاستيعاب موجة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفيتي سابقا مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويعتمد هذا المخطط بالاساس على قطاع ضيق يصل طوله إلى 80 كلم بمحاذاة ما يعرف ب"الخط الاخضر"

[6] https://www.arab48.com/العرب-في-مستوطنة-حريش-في-المثلث-شوكة-في-حلق-من-خطط-لتهويد-وادي-عارة

[7] https://www.wattan.tv/ar/news/273572.html

[8] https://www.facebook.com/COGAT.ARABIC/videos/1444308029067894/