الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجائحة وفجر "القرن الآسيوي"

2020-07-15 10:01:44 AM
الجائحة وفجر
الجيش الصيني

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً للكاتب إيشان ثارور وتحدث فيه أنه قد بلورت الكارثة المتدحرجة الحالية التي هي نتاج معالجة الولايات المتحدة لجائحة كورونا بعض الحقائق الصعبة حول البلاد. فكان الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة يعني أن الأميركيين لم يتفقوا على اتباع المبادئ والتوجيهات الأساسية للصحة العامة أو لم يتبعون بشكل جماعي ممارسات التباعد الاجتماعي التي تم فرضها في بلدان أخرى. وقد أدى تفاقم أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في هذا الوباء إلى تدمير بعض أكثر المجتمعات المحلية ضعفاً. وبدلاً من حشد الرئيس الأمريكي جبهة موحدة وقيادة جهد عالمي للتعامل مع الجائحة، فقد قوض المؤسسات الدولية، وألقى باللوم على الخصوم الأجانب ومنافسيه المحليين.

أضاف الكاتب: لقد كانت إخفاقات أميركا ــ وإخفاقات بريطانيا في هذا الصدد ــ أكثر وضوحاً جراء النجاحات التي تحققت في أماكن أخرى.  فقد "قامت كوريا الجنوبية بإجراء اختبارات وتتبع المصابين في جميع أنحاء البلاد"، ثم استخدمت سجلات بطاقات الائتمان وبيانات الموقع من الهواتف المحمولة لتتبع تحركات الأشخاص المصابين - وهو تكتيك فشلت بريطانيا في إتقانه إلا بعد شهور من الجهد،" وانتقد باناكج مشيرا في مقال بمجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" التعامل الأنكلو-أمريكي مع الأزمة بقوله: "تقوم دول شرق آسيا الأخرى مثل تايوان وسنغافورة بتحقيق أداء أفضل بكثير. فيما قامت فيتنام باحتواء الفيروس بسرعة". 

يتابع الكاتب: والصين أيضاً، على الرغم مما أثير من تشكيك في حكمها أثناء هذا الوباء، فقد تمكنت من الحد من انتشار الفيروس. وعلى النقيض من ذلك، فإن أميركا التي يحكمها الرئيس ترامب لم تسطح منحنى الموجة الأولى مع ارتفاع الإصابات في جميع أنحاء البلاد. (وقد ذكرت البيانات الواردة من ولاية فلوريدا وكاليفورنيا أن يوم الخميس كانت أعلى معدلات الوفيات اليومية فيها). وقد تكون معاناتها تمثل نقطة انقلاب تاريخية: في اللحظة التي اضطرت فيها القوة العظمى البارزة في العالم إلى التخلي عن رؤية معينة لأهميتها الخاصة كما قادتها بلدان أخرى ـ وخاصة بعض القوى الصاعدة في آسيا.

  وكتب ميشرا أن "كشفت جائحة كورونا عن تحول أعظم الديمقراطيات في العالم إلى ضحايا لإيذاء الذات لفترة طويلة"، مشيراً إلى كل من نظام الرعاية الصحية المكلف في الولايات المتحدة وإفراغ الخدمات الاجتماعية في بريطانيا. كما أظهر أن البلدان ذات القدرة القوية كانت أكثر نجاحاً في وقف انتشار الفيروس، كونها مجهزة بشكل أفضل لمواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية".

ويزعم بعض المحللين أن هذا الافتقار في القدرة كان طويلاً لحقبة ما بعد الحرب الباردة. وكتب إدوارد لوس في صحيفة فايننشال تايمز: "يمكن إرجاع ردود فعل أميركا وبريطانيا الضعيفة في التعامل مع فيروس "Covid-19" جزئياً إلى تهنئة الذات بعد الحرب الباردة – وهو الاعتقاد بأنه لم يكن لدى أي منهما الكثير ليتعلمه من بقية العالم". مضيفاً في غضون أشهر قليلة كشف الميكروب عن الجانب السفلي من الغطرسة الأنجلو – أمريكية.

يوضح الكاتب بأن وهذه الغطرسة ليست بالأمر الهين - فهي في نواح كثيرة متجذرة في قلب المشروع الإيديولوجي الذي نحت النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمبادئ "الأنجلوسكسونية" للديمقراطية الليبرالية التي بدت صاعدة بشكل لا رجعة فيه حتى وقت ليس ببعيد. ويقول لوس: " ان نصف الالفية من التاريخ المحفوظ تخبر الأنجلو - امريكيين أنهم يستطيعون دائماً التفكير بأن قدرهم هو أن يكونوا مع الجانب الفائز". مضيفاً إن هذا الموقف "أعماهما عن رؤية كيف ينظر بقية العالم لهم، أي بحزن وسخرية متزايدة".

يتابع الكاتب: منذ أواخر القرن العشرين - الذي أطلق عليه مؤسس مجلة تايم اسم "القرن الأمريكي" - كان هناك حديث عن القرن الحادي والعشرين باعتباره قرناً آسيوياً. لقد تطلب الأمر العديد من الصدمات الجيوسياسية حتى تترسخ رؤية القرن "الأميركي"، بما في ذلك الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية. وقد يكون الوباء هزة أخرى في عهد النظام، يعيد تشكيل الطريقة التي نفكر بها في مسار الشؤون العالمية.

يضيف الكاتب بأن الأمر لا يتعلق فقط بالنفوذ المتضائل لأميركا المنقسمة والمختلة وظيفياً. لسنوات، أدرك صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أن الثقل الجيوسياسي تحول شرقاً، وسعوا إلى تحويل مخاوفهم الاستراتيجية نحو منطقة تضم غالبية سكان العالم، وقريباً ستأخذ الحصة الأكبر من ناتجها الاقتصادي العالمي. ولكن الآن، بدلاً من تحديد شروط "باكس أميركانا" (الإمبراطورية الأمريكية) في نصف الكرة الغربي، فإنهم يجدون أنفسهم يتكيفون مع الحقائق الجديدة التي تم تشكيلها في أماكن أخرى.

يقول الكاتب أنه في عصر فيروس كورونا، أصبحت الدراما الآسيوية دراما عالمية. كانت المواجهة المميتة بين القوات الهندية والصينية في جبال الهيمالايا إيذاناً بظهور خط صدع جديد في القرن الحادي والعشرين يفصل بين قوتين نوويتين. لقد أدت التهديدات الوجودية التي تواجه المجتمعات الحرة في هونغ كونغ وتايوان إلى حشد الدعم في جميع أنحاء الغرب. إن المداولات المتأملة في أوروبا حول مستقبلها السياسي لا يمكن أن تتم الآن دون أن تكون هناك نظرة إلى الشرق الأقصى.

ينوه الكاتب بأن الكثير من هذا بالطبع يتعلق بالصين، التي تتفرد بأفعالها العدوانية والحازمة على نحو متزايد في الداخل والخارج. وقد اختارت إدارة ترامب المواجهة، فشنت حرباً تجارية مع بكين، لكنها أثارت قلق الحلفاء التقليديين في آسيا. كما لاحظ روبرت د. كابلان في صحيفة واشنطن بوست: "للمرة الأولى منذ توجه الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين في عام 1972، فإن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين عدائية ولا يمكن التنبؤ بها، حتى في الوقت الذي قدمت فيه واشنطن لأصدقائها في المنطقة طمأنينة أقل من أي وقت مضى منذ الحرب الكورية قبل 70 عاماً".

يتابع الكاتب: ويصر المسؤولون الصينيون على أن مثل هذا التنافس غير ضروري. وقال وزير الخارجية وانغ يى خلال خطاب القاه يوم الخميس في محاولة لإخماد التوترات مع واشنطن "يجب عدم النظر إلى العالم من خلال التفكير الثنائي، ولا يجب أن تؤدى الاختلافات في الانظمة إلى لعبة محصلتها صفراً. واضاف ان "الصين لن تكون ولا يمكن ان تكون ولايات متحدة أخرى".

ولكن المنافسة بين البلدين لا يمكن إنكارها وتلقي بظلالها على بقية آسيا. وفي مقال نشر مؤخراً، استشهد رئيس الوزراء السنغافوري لي هيسيان لونغ بتبادل بحوار شهير عام 1988 بين الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ ورئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي، قيل فيه إن الأول قال للأخير: "في السنوات الأخيرة، كان الناس يقولون إن القرن المقبل سيكون قرن آسيا والمحيط الهادئ، كما لو كان من المؤكد أن هذا هو الحال. أنا لا أتفق مع هذا الرأي".

واتفق لى مع دنغ على أنه " لا يوجد شيء لا مفر منه" حول " القرن الاسيوي"، محذراً الان من الكيفية التي يمكن بها تجاوز الصين ان يقضي على الوحدة الاسيوية التي بادر بها دنغ منذ بضعة عقود.

وكتب المعلق الهندي سي رجا موهان "إنها مفارقة مؤسفة، ربما يكون الصعود الهائل للصين قد خلق الظروف ذاتها لزوال القرن الآسيوي". وقال "ان الصين أصبحت أقوى بكثير من جميع جيرانها الاسيويين، يعني أن بكين لم تعد ترى الحاجة الى استحضار الوحدة الاسيوية. وفي الوقت الذي تسعى فيه إلى تجاوز الولايات المتحدة والخروج كأكبر شركي في العالم، ليس من المستغرب أن يتحول خيال بكين إلى بناء قرن صيني".