الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أكاديمي أمريكي: ينبغي أن ترافق المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية استراتيجية سياسية جريئة

2020-11-19 08:40:42 AM
أكاديمي أمريكي: ينبغي أن ترافق المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية استراتيجية سياسية جريئة
تعبيرية

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فروين أفيرز" الأمريكية مقالاً للأكاديمي الأمريكي والمدير السابق للشؤون الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية بالبيت الأبيض فيكتور تشا، قال فيه إنه ينبغي أن ترافق المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية استراتيجية سياسية جريئة.

وجاء في المقال:

في عام 2016، التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترامب في المكتب البيضاوي من أجل التسليم المعتاد. وقال الرئيس المنتهية ولايته لخلفه إنه سيحتاج إلى التعامل مع كوريا الشمالية باعتبارها التهديد الأمني الأكثر قرباً إلى البلاد.

وبعد أربع سنوات، سيجد الرئيس المنتخب جو بايدن أن الدبلوماسية بشأن كوريا الشمالية قد تعثرت في أحسن الأحوال في عهد ترامب. ولم تحقق مؤتمرات القمم المتلفزة سوى القليل بخلاف السماح لكوريا الشمالية بتوسيع وتعميق ترسانتها من الأسلحة النووية.

وكما فعلت كوريا الشمالية خلال الرئاستين الأميركيتين الأخيرتين، فمن المرجح أن تستفز كوريا الشمالية الإدارة الجديدة من خلال إجراء تجارب صاروخية أو نووية. وهذه بدوره سيقود سياسة الإدارة في اتجاه صعب. ومع ذلك، من غير المرجح أن تثبت المزيد من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة والولايات المتحدة أكثر فعالية من العقوبات العديدة السابقة. وفي الوقت نفسه، تتجه كوريا الشمالية نحو - أو ربما تمتلك بالفعل - القدرة على ضرب المدن الأميركية برؤوس نووية متعددة بأسلحة استراتيجية بعيدة المدى.

ويتعين على الرئيس بايدن أن يعرف ما نجح، وما لم ينجح، من الأساليب السابقة لإيقاف البرنامج النووي الخاطف الوحيد في العالم. وسوف يحتاج إلى استراتيجية تعتمد على الدبلوماسية والإكراه على حد سواء لمنع الشمال من الحصول على قوة نووية لا يمكن للولايات المتحدة تحييدها دون انتقام محتمل. كما ستحتاج واشنطن وحلفائها إلى تعزيز قدرات الردع والدفاع؛ مع وقف العناصر المهددة لبرنامج كوريا الشمالية (على سبيل المثال، التجارب، وإنتاج المواد الانشطارية، ونقل الأسلحة النووية إلى الجهات المارقة). كما سيجمع بايدن على الخيار الأقل سوءاً من بين عناصر السياسة السابقة ومقاربات سياسية جديدة وجريئة.

الخطوة الأولى:

إن الولايات المتحدة واجهت صعوبة في وضع سياسة متوازنة لنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية التي لا تأتي بنتائج عكسية. ووفقاً للخبراء، فقد جمعت بيونج يانج الآن ما بين 20 و30 رأساً نووياً ومواد انشطارية لعشرات من الرؤوس النووية الأخرى. وقد أجرت أكثر من 100 تجربة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في العقود الثلاثة الماضية. كما إنه ليس من المحتمل نزع السلاح النووي على المدى القريب، وقد ثبت أن الإصرار على ذلك لا يمكن أن ينجح. والواقع أنه أدى إلى إجراء المزيد من التجارب النووية.

كما أن أوباما حاول العمل على سياسة "الصبر الاستراتيجي"، في انتظار الكوريين الشماليين، والضغط عليهم بفرض عقوبات، ولكن ذلك لم ينجح: حيث أجرت كوريا الشمالية 61 تجربة صاروخية خلال وليتي أوباما. وقد انتهج ترامب دبلوماسية القمم والصداقة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون -وهو نهج آخر لم يحقق نجاح. وعلى الرغم من أجواء البهجة في سنغافورا وهانوي، فقد أجرت كوريا الشمالية 30 اختبار للصواريخ الباليستية منذ قمة ترامب وكيم في فبراير 2019، واستعرضت بفخر صاروخين باليستيين جديدين بعيدين المدى من الأرض والبحر في الشهر الماضي، مع الاستمرار في إنتاج كميات لا حصر لها من المواد الانشطارية.

قال وزير الدفاع السابق وليام بيري ذات مرة إن الولايات المتحدة يجب أن تتعامل مع كوريا الشمالية كما هي وليس كما نريدها. وهذا يعني عملياً تبني استراتيجية نزع السلاح النووي والتعامل مع كوريا الشمالية كدولة نووية بحكم الواقع. كما ينبغي أن تكون أولويتنا الأولى في هذه الحالة كبح جماح برنامجها الخاطف.

وقد فعلت واشنطن ذلك من قبل. فقد أبرم الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش اتفاقيات في عام 1994 و2005 و2007 على التوالي، حددت الخطوات الإضافية التي سيتخذها كل جانب لتجميد العمليات النووية في المجمع النووي الرئيس، يونغبيون، مقابل تخفيف العقوبات. وسترغب إدارة بايدن في خطة أكثر شمولاً، خطة تضيف تدابير جديدة للحد من تطور البرنامج. ويتعين على الخبراء من الجانبين العمل بشكل وثيق مع بعضهما البعض، ونظراً للمستوى العالي من عدم الثقة المتبادلة، يتعين على البلدين الاتفاق على اليات مفصلة للتحقق من امتثال كل منهما للاتفاق.

ويتعين على إدارة بايدن أن تتفاوض أولاً على التجميد الأولي القابل للتحقق لجميع العمليات النووية للبلوتونيوم واليورانيوم داخل مجمع يونغبيون النووي وحوله. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على إدارة بايدن أن تسعى إلى وقف إنتاج كوريا الشمالية للمواد الانشطارية. مثل هذه الصفقة المصغرة - على عكس صفقة "كل الأسلحة مقابل كل العقوبات" التي فشل ترامب في تحقيقها في هانوي - سوف تتعرض للانتقاد من قبل الجمهوريين، لكنها الطريقة الأكثر واقعية للمضي قدماً. وعلاوة على ذلك، وأثناء استمرار العقوبات، من المرجح أن توقف كوريا الشمالية استفزازاتها – التي يمكن أن يعرضها صناع السياسات في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى الجماهير المحلية. ومن المرجح أن تدعم الصين وكوريا الجنوبية واليابان مثل هذا التجميد للعمليات والإنتاج.

في الماضي، أدى هذا النهج في كثير من الأحيان إلى الوصول إلى طريق مسدود: فالتجميد الذي تم التوصل إليه، يقابله رفض من قبل كوريا الشمالية لتقديم إعلان يمكن التحقق منه عن مخزونها النووي والصاروخي. وسيتعين على إدارة بايدن أن تغير شروط التفاوض إذا كانت تريد تتجنب هذا الطريق المسدود. أشارت الاتفاقات في عهد كل من بوش وترامب إلى "علاقة جديدة" لكنها فشلت في تحقيق أي نتيجة.

وبدون حدوث تحول جذري في العلاقات السياسية بين البلدين، ستستمر المفاوضات النووية بين الطرفين وستنهار في نهاية المطاف.

علاقة جديدة:

بعد التفاوض على اتفاق التجميد، ينبغي على نهج إدارة بايدن أن يحول تركيز المفاوضات من مجرد وقف جميع العمليات النووية الكورية الشمالية إلى وضع مسار لتلك "العلاقة الجديدة". ويمكن للبلدين السعي إلى تطبيع العلاقات بإعلان سلام، وحوار حول حقوق الإنسان، وضمانات أمنية، وتعهد كوريا الشمالية بعدم نقل الأسلحة أو المواد أو التكنولوجيا. وبعد ذلك يجب أن يتفاوض البلدان على خطوات جديدة لنزع السلاح النووي، بما في ذلك إعلان يمكن التحقق منه، في جو يسوده الثقة.

مثل هذا النهج السياسي سوف يروق إلى بايدن إذا كان المسؤولون الذين يركزون على العمل الإنساني، مثل سوزان رايس أو سامانثا باور، يوجهون الدبلوماسية الأميركية. ومن شأن عنصر حقوق الإنسان أن يتماشى مع القيم الأميركية ويمكن أن يوفر إشارة موثوقة عن نوايا كوريا الشمالية، طالما أن كيم مستعد لتقديم تنازلات - إطلاق سراح المحتجزين الكوريين الجنوبيين، على سبيل المثال، أو السماح بتقديم مساعدات وزيارات إلى دور الأيتام. وسوف تدعم الحكومتان الكورية الجنوبية والصينية السعي إلى إعلان سلام كجزء من التسوية السياسية، ولكنهما سيترددان في الضغط على كوريا الشمالية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وإذا قدمت الولايات المتحدة هذا النهج على أنه نهج شامل، حيث يمكن مناقشة سلة إعلان السلام وتخفيف العقوبات (الأشياء التي يريدها كيم) فقط مع سلة حقوق الإنسان، فإن كيم قد يميل إلى المحادثات.

والخطوة التي تلي العلاقات السياسية، قد تتحول المفاوضات في تلك المرحلة إلى وضع إطار عمل لتخلي كوريا الشمالية على المدى الطويل عن جميع الأسلحة والبرامج النووية. وينبغي أن تركز المحادثات على الحد من التهديدات والحد من الأسلحة على المدى القصير.

مثل هذا النهج ليس له سابقة في المفاوضات الأمريكية مع كوريا الشمالية، لكنه سبق وتمت تجربته في محادثات الحد من التسلح خلال الحرب الباردة. كما ستسعى الأطراف إلى وضع حد أقصى لأكثر عناصر برنامج كوريا الشمالية خطورة لاحتوائها، من أجل وقف نموها وتقليل فرص الاستخدام غير المقصود والانتشار والتسرب. وفي هذه الأجواء، ينبغي على الدول فتح حوار للردع النووي، لتجنب سوء التقدير، وأن تتعاون في مجال السلامة النووية (تجنب الانهيارات والأسلحة النووية السائبة)، وتحد من مدى وحمولة الصواريخ.

من أجل تجنب الانتقادات القائلة بأن الولايات المتحدة استسلمت وقبلت كوريا الشمالية كدولة نووية، وسيتعين على بايدن أن يصوغ هذه الاتفاقات على أنها خطوات مؤقتة على طريق إعلان يمكن التحقق منه لنزع السلاح النووي في نهاية المطاف. كما ستقبل الصين وكوريا الجنوبية مثل هذا النهج، طالما أنها لا تحل محل السعي النهائي إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. وستكون اليابان متناقضة إذا ما اقترحت الاستراتيجية قبولاً فعلياً لكوريا الشمالية كدولة نووية.

ستراتيجية المشاركة هي الأكثر فعالية ومصداقية عندما تدعمها القوة. وسيتعين على بايدن العمل مع حلفاء الولايات المتحدة، وليس على رؤوسهم كما فعل ترامب، في التعامل مع الشمال ومع الصين. وعليه أن يحافظ على قدرات الردع والدفاع لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة وأن يحسنها، بما في ذلك من خلال التفاوض على اتفاقيات مبكرة لتقاسم التكاليف الدفاعية مع كوريا واليابان، وإعادة تدريبات الاستعداد العسكري، وتوسيع نطاق الدفاع الصاروخي والتعاون الاستخباراتي، بل والنظر في قدرات الضربات الهجومية المشتركة. ويتعين على إدارة بايدن أن تحتفظ بعقوبات صارمة ما لم يبدأ الكوريون الشماليون في اتخاذ الخطوات النووية والسياسية إلى الأمام على طريق نزع السلاح النووي أو حتى يبدأوا في ذلك. ويتعين على الإدارة أن تتشاور مع سول وطوكيو بشأن أي خطوات في المفاوضات قد تجعل مصالح التحالف الثنائي ضعيفة.

الجمهوريون سيصبحون أكثر تشدداً بشأن كوريا الشمالية؛ بمجرد خروج ترامب من البيت الأبيض. وسيقترح النقاد أن على الولايات المتحدة أن تطالب بنزع السلاح النووي غير المشروط، ولكن هذا الموقف غير واقعي نظراً لحجم برنامج كوريا الشمالية. فهي تفتقر إلى الدعم الإقليمي، وقد أثبتت مراراً وتكراراً أنها تأتي بنتائج عكسية.

يمكن لبايدن أن يفكر في عقد اجتماعات قمة، وعليه أن يغتنم التزام كيم بنزع السلاح النووي الذي أعطاه لترامب في سنغافورا، ولكن القمم لن تكون مفيدة إلا قليلاً دون بذل الكثير من الجهد بشأن المسائل الموضحة سابقاً.

الاستراتيجية السياسية، المصحوبة بخطوات تدريجية لاحتواء البرنامج النووي لكوريا الشمالية، قد تبدو غير مستساغة، ولكن الأساليب السابقة لم تنجح. علاوة على ذلك، كلما طالت فترة بقاء واشنطن دون استراتيجية، كلما كان من المرجح أن تتقن كوريا الشمالية قدرتها على ضرب الولايات المتحدة بصواريخ نووية متعددة. وقد يكون دمج السياسات التي نجحت في الماضي مع بعض العناصر الجديدة أقل الخيارات سوءاً في أرض تعج بالخيارات الرديئة.