الثلاثاء  14 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة أمريكية: نموذج أوسلو أثبت أنه خطير على الفلسطينيين

2020-11-23 08:46:44 AM
مجلة أمريكية: نموذج أوسلو أثبت أنه خطير على الفلسطينيين
بايدن وترامب

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالاً للمدير التنفيذي للهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة والزميل غير المقيم في مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط، سالم براهمة، ترجمته الحدث وجاء فيه:

الفلسطينيون تنفسوا الصعداء بعد هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات، ومثل الكثير من دول العالم، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر النتيجة – ويتحسرون على حقيقة أن العملية السياسية الأمريكية في النصف الآخر من العالم لم يزل لها تأثير غير مبرر على مسار حياتهم.

فوز الرئيس المنتخب جو بايدن – أو بالأحرى، خروج ترامب الوشيك من البيت الأبيض – يمنح الفلسطينيين مهلة قصيرة، إلا أنه يقدم لهم أيضاً واقعاً مريراً يجب أن يتعاملوا معه الآن. قد تكون إدارة بايدن أقل تهديدًا للقضية الفلسطينية من سابقتها، ولكن من غير المرجح أن تسهل المسار نحو الحرية أو الحقوق الفلسطينية.

وبعيداً عن ذلك، من المرجح أن يستهل بايدن ولايته بالعودة إلى الوضع الطبيعي الخانق الذي كان عليه نموذج أوسلو قبل ترامب، والإطار القائم على اتفاقات أوسلو لعامي 1993 و1995، الذي يدعو إلى حل الدولتين من خلال المفاوضات الثنائية التي تتوسط فيها الولايات المتحدة. يمكن وصفه بأنه معيب لأسباب عديدة - ليس أقلها أنها قديمة إلى حد كبير – خاصة أنها تجعل الولايات المتحدة صانعة الألعاب في المصير الجماعي للفلسطينيين.

اتباع استراتيجية سياسية أساسها الاعتماد على عدد كبير من الرؤساء الأميركيين المتعاقبين – والآن الاعتماد على إدارة بايدن – لن يوفر للفلسطينيين حريتهم. ولتحقيق التحرير، يجب على الفلسطينيين أن يستغلوا السنوات الأربع المقبلة لإعادة النظر داخلياً وإحياء الحركة الوطنية التي ظلت على فراش الموت لعقود.

على مدى السنوات الأربع الماضية، اعتدت إدارة ترامب بلا هوادة على حق الفلسطينيين في تقرير المصير – سعياً إلى الإجهاز عليه بشكل صريح. واستهدف البيت الأبيض ركائز المجتمع والسياسة الفلسطينية: وذلك من خلال الاعتراف بضم إسرائيل للقدس، والضغط على السلطة الفلسطينية لخفض مدفوعات الرعاية الاجتماعية لأسر السجناء السياسيين، وإلغاء التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

في عهد ترامب، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينية وضغطت من أجل التوصل إلى اتفاقات تطبيع بين الدول العربية و "إسرائيل" من أجل عزل القيادة الفلسطينية. كانت استراتيجية الرئيس، في الواقع، هي إجبار الفلسطينيين على الاستسلام في ظل معاناة الملايين منهم. والآن، وكرئيس يوصف في هذه المرحلة بالبطة العرجاء، مكّن ترامب الإسرائيليين من هدم وتشريد مجتمعات فلسطينية بأكملها، ووصف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات العالمية بأنها معادية للسامية، وأضفى صفة الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المقامة على الأراضي الفلسطينية.

هذا الأسبوع، أصبح مايك بومبيو أول وزير خارجية أميركي يزور مستوطنة إسرائيلية غير قانونية في الضفة الغربية، مما كسر المحرمات التي دامت عقوداً في واشنطن. ومما يزيد الطين بلة أن بومبيو أعلن أن النبيذ المصنوع في المستوطنة غير القانونية – بما في ذلك النبيذ الأحمر الذي يحمل اسمه – سيُصنف بأنه "صنع في إسرائيل"، وبالتالي الاعتراف بضم "إسرائيل" الفعلي للضفة الغربية.

إن ما جعل نهج ترامب أكثر وضوحاً لمهندسي عملية أوسلو - ونشاطها - هو أنها انتهكت قواعد النموذج، التي أصبحت تحدد السنوات الثلاثين الأخيرة من شلل السياسة.

ومن خلال ما يسمى بـ "صفقة القرن"، اعترف ترامب بشكل واضح بأن حل الدولتين في ظل نموذج أوسلو لم يعد ممكناً لأن "إسرائيل" حولت عمداً دولة فلسطين المنتظرة إلى سلسلة من "البانتوستانات" أي المناطقة المبعثرة والمنعزلة عن بعضها البعض.

وبدلاً من زيادة الخطاب الوهمي المؤيد لحل الدولتين الذي بشرت به الإدارات الأمريكية السابقة، فإن صفقة ترامب لم تكتفِ سوى بإضفاء الطابع الرسمي على الواقع على الأرض - الذي يشبه أرخبيلاً فلسطينياً مجزأً يغرق في بحر من السيطرة "الإسرائيلية". وللمرة الأولى، أيد رئيس أمريكي علناً رؤية "إسرائيل الكبرى"، التي سيكون فيها الفلسطينيون رعايا من الدرجة الثانية والثالثة في نظام التفوق الدائم لشعب على آخر، والمعروف باسم الفصل العنصري.

لقد كشف ترامب وما يسمى بـ "خطة السلام" واجهة نظام - أوسلو - المعيبة هيكلياً. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تتمكن السياسات الخارجية التي تبنتها دول العالم من إنهاء أنظمة القمع والظلم الإسرائيلية، ناهيك عن حماية حل الدولتين من النسيان. إلا أن نموذج أوسلو استمر لأنه قدم لواضعي السياسات توازناً مقبولاً أزال حتمية العمل ومحاسبة "إسرائيل".

هذا النظام تلقى الدعم بفضل المساعدات الخارجية التي تدفقت في مشروع بناء الدولة - السلطة الفلسطينية - الذي يسمح للفلسطينيين بالحفاظ على مستوى معيشي كافٍ حتى لا يثيروا انتفاضة أو أزمة إنسانية. وعلاوة على ذلك، فإنه يسمح لـ "إسرائيل" بـ "إدارة الصراع" دون أي تكلفة حقيقية عن طريق التعاقد من الباطن بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية من خلال اتفاقات التعاون الأمني وتقديم الخدمات. إن الرابط السياسي الذي أبقى هذه المهزلة هو الشعار الفارغ المتمثل في محاولة "إعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات" في "عملية سلام" بوساطة الولايات المتحدة، كما لو كنا على أعتاب عام 1991 بدلاً من عام 2021.

نموذج أوسلو خطير – لأنه يُقيد ويخنق أي تقدم حقيقي نحو معالجة الظلم المنهجي الذي تفرضه "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني. وبدلاً من تصور مسار جديد للمضي قدماً – مسار يعكس حقائق كل ما تغير على مدى العقود الثلاثة الماضية – فإن أنصار أوسلو مشغولون بإعادة ترتيب الكراسي على سطح سفينة تيتانك بينما تغرق السفينة نفسها. ثم تظاهر هؤلاء الأفراد نفسهم بالدهشة إزاء الوضع الراهن المتفاقم الذي يواجهه الملايين الذين يعيشون في ظل واقع الدولة الواحدة حيث تمنح الحرية والحقوق من خلال الهوية العرقية القومية.

الفلسطينيون في حاجة ماسة إلى نهج مختلف جذرياً – نهج لا يمكن أن توفره أوسلو، بحكم تصميمه. ولا يمكن لإدارة بايدن توفيره. فمن نواحٍ عديدة، لم يكن نهج ترامب في التعامل مع الصراع خروجاً عن السياسة الأمريكية المعتادة بقدر ما كان تتويجاً له، حيث جاء في أعقاب مسار دام عقوداً من الزمن من قبل الرؤساء الأميركيين والإجماع السياسي بين الحزبين في واشنطن والذي كان فيه بايدن وهاريس في المقدمة والوسط. ولم يكن الفشل الوحيد في هذه السياسة يتمثل في تحدي "إسرائيل".

واليوم، هناك دعوات متزايدة من الحركة التقدمية الأمريكية – بقيادة السناتور بيرني ساندرز والنائبين، إيلهان عمر، ورشيدة طليب، واليكساندريا أوكاسيو كورتيز – لربط التمويل العسكري لـ "إسرائيل" بشروط. ولكن إذا كان الماضي يشير إلى أي مؤشر، فإن إدارة بايدن هاريس ستسعى إلى تعزيز علاقة الولايات المتحدة مع "إسرائيل" بدلاً من تحديها. ففي عام 1986، قال بايدن في مجلس الشيوخ الشهير إن التمويل العسكري الأمريكي لـ "إسرائيل" كان "أفضل استثمار بقيمة 3 مليارات دولار نقوم به". "إذا لم تكن هناك اسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الاميركية ان تخترع إسرائيل لحماية مصالحها".

من جديد على أن الفلسطينيين لا يستطيعون تحمل تكاليف العودة إلى عجلة رتابة أوسلو والانخراط في استراتيجية سياسية تتسم بالتبعية السياسية للسنوات الأربع المقبلة - أو أكثر. ولن يحقق بايدن التحرر الفلسطيني أو حتى ما يسمى بالدولة التي يسعى إليها الكثيرون ضمن نموذج أوسلو. في الوقت الراهن، إن أفضل ما يمكن أن يأمله الفلسطينيون هو أن يغير بايدن بعض سياسات ترامب الضارة أو أن يعالجها. وحتى في ذلك الحين، يجب تخفيف سقف هذه التوقعات.

السيناريو الأفضل في واشنطن يتمثل في بقاء الحال كما هو عليه، وعليه فقد حان الوقت للفلسطينيين للبحث عن حلول داخلية – من خلال إيقاظ حركة وطنية عانت من أحد أحلك فصولها في التاريخ. ويجب على الفلسطينيين الاستثمار في نظام سياسي شامل، وتمثيلي، وديمقراطي، يمكنه أن يوفر للملايين من الأفراد المحرومين صوتاً ليشكلوا مستقبلهم. وقد يكون ذلك من خلال الإصلاح وانتخابات منظمة التحرير الفلسطينية، أو ربما من خلال تبني شكل نظام سياسي جديد يهدف إلى جمع الفلسطينيين معاً، مما ينهي التشرذم السياسي والاجتماعي والجغرافي الذي كان حتى الآن يقف في طريق مشروع وطني موحد.

وينبغي أن يجلب الفضاء السياسي الجديد رؤى جديدة لمستقبل فلسطين. فغالبية المجتمع الفلسطيني دون سن الثلاثين، مما يعني أنهم جزء من جيل أوسلو: أولئك الذين وُعدوا بدولة لكنهم لم يحصلوا عليها. هؤلاء الفلسطينيون يتسمون بالحياد تجاه فكرة حل الدولتين، وليس لديهم ميول إيديولوجية نحو حل الدولتين أو الدولة الواحدة. كل ما يريدونه هو أن يكونوا أحراراً وأن يكون لهم حقوقهم كاملة، لكن النظام الحالي يحرمهم من كليهما.

إن رؤية المستقبل يجب أن تركز على الحاجة إلى تفكيك نظام التفوق القومي العرقي في واقع الدولة الواحدة، وأن تقدم عقداً اجتماعياً جديداً لجميع الناس الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، يقوم على الحرية والإنصاف والعدالة والحقوق التي لا تتوقف على الهوية العرقية أو الدينية. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف تحركاً من الفلسطينيين واليهود "الإسرائيليين" الذين يفكرون في نفس التفكير، العازمين على بناء مستقبل أفضل للجميع.

ولكن هذه الرؤية الجديدة لا يمكن أن تتبلور دون أن يخلق المجتمع الدولي بيئة ترحيبية يمكن أن يزدهر فيها كل ذلك. وللأسف، كانت عملية أوسلو سبباً في تواطؤ عدداً من الدول في قمع "إسرائيل" للفلسطينيين. لكنها أيضاً أعطت العديد من البلدان القدرة على التأثير على الحقائق التي يعيشها الفلسطينيون. والآن، يمكنهم الاختيار بين المزيد من هذه الأوضاع أو دعم مسار جديد نحو العدالة النظامية. الخيار الأخير يتطلب محاسبة "إسرائيل" على انتهاكاتها لحقوق الإنسان والحقوق المدنية والقانون الدولي.

كيف ستبدو هذه المساءلة؟ أولاً، يجب على البلدان أن تضع شروط على التمويل العسكري ومبيعات الأسلحة لـ "إسرائيل"، وأن تنهيها في نهاية المطاف، نتيجة لانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ثانياً، يجب على البلدان، وخاصة الولايات المتحدة، إنهاء الإعفاءات الضريبية الخيرية التي تقدم لمواطنيها بسبب الدعم المالي للمستوطنات "الإسرائيلية" غير القانونية. ثالثاً، يجب وقف الامتيازات مثل التأشيرات المفتوحة، والسفر، والتجارة التي تقدم للمستوطنين الذين يعيشون على الأراضي المحتلة. رابعاً، يجب على البلدان حظر المنتجات والخدمات التي يتم إنتاجها في المستوطنات غير القانونية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة – ومحاسبة الكيانات التي تعمل في الأراضي المحتلة أو التي لها علاقات معها، مثل شركتي Airbnb وPsagot.

وقد اتخذت محكمة العدل الأوروبية خطوة أولى جيدة من خلال إلزام "إسرائيل" بضرورة تصنيف المنتجات المصنوعة في المستوطنات وبيعها داخل الاتحاد الأوروبي. وأخيراً، يجب الاستفادة من المساعدات الخارجية للتأكد من احترام الديمقراطية - وضمان عدم تعزيز أو تفاقم الهياكل السياسية الخانقة في أوسلو.

وبطبيعة الحال، فإن هذه السياسات ليست سوى بداية نحو ضمان مستقبل أكثر إشراقاً للجميع. ولكن حتى البداية هي تحول جذري بعيداً عن الركود. وهنا يدرك الفلسطينيون أن المجتمع العالمي لا يستطيع أن يمنحهم الحرية، ولكن لديه القدرة على الاختيار بين دعم أو إعاقة الشعب الفلسطيني في سعيه للحصول على ذلك.