الإثنين  13 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مشروع " قناة البحرين" ... حقائق مبتورة ومواجهة صامتة!

بين " دبلوماسية المياه " وتشريع الاستيلاء

2015-03-10 12:39:50 AM
مشروع
صورة ارشيفية
 
تقرير - محمود الفطافطة
في السادس والعشرين من شهر شباط الماضي وقعت إسرائيل والأردن على اتفاق للبدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية. هذا التوقيع، الذي جرى في عمان، جاء استمراراً لتوقيع "مذكرة التفاهم" حول المرحلة الأولى من مشروع القناة، والذي تم في واشنطن في التاسع من كانون الأول2013، ووقع عليها كلاً من إسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية.
وبالتوقيع على هذه المذكرة التي بموجبها سيتمإنتاج مياه محلاة في منطقة العقبة، ومن ثم جعل نحو 100 مليون م3 من المياه المالحة تتدفق سنوياً من منشأة التحلية جنوباً، نحو البحر الميت شمالاً فإن الحديث يدور عن إنشاء المرحلة الأولى (المشروع التجريبي ) لمشروع قناة البحرين.  هذه المذكرة تُشكل تفاهما إسرائيليا ـ أردنيا ـ فلسطينيا رسميا لتنفيذ توصية البنك الدولي في دراسة الجدوى (حول مشروع القناة) والتي مولها وأشرف عليها البنك ووقعت عليها كل من الأطراف الثلاثة في العام 2005.
وفي ظل هذه التوقيعات المتسلسلة للمشروع فإن المعطيات حول " قناة البحرين" تكاد تكون معدومة، وإن كل ما يُرشح عنها لا يتعدى مجرد معلومات عادية لا يمكن من خلالها التحقق أو الحكم القاطع على حقيقة هذا المشروع الذي وصفه وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم بأنه أهم مشروع مع الأردن منذ معاهدة السلام عام 1994، فضلاً عن التحمس اللافت لشمعون بيرس، ورجال أعمال واقتصاد إسرائيليين كبار، اللذين يرون في المشروع استثماراً كبيراً.
وبعد التوقيع الأخير عادت قضية " مشروع قناة البحرين " تثير الجدل والنقاش، حيث تكاثرت الآراء المتباينة بشأنها، فمن مشيدٍ بفوائدها المستقبلية ومعدد لها، إلى محذرٍ من تبعاتها البيئية والسياسية. ومن رافضٍ، بل ومهاجم لأصل الفكرة ومخاطرها الإستراتيجية والأمنية، إلى متحاشٍ في حسم حكمه، طالما أن موقعيها يحجبون معلومات، بدونها لا يمكن إعطاء موقف دقيق أو حاسم بشأنها.
في هذا التقرير سنحاول تلخيص ما يتعلق بهذا الموضوع، مع إدراكنا المسبق بأن هذه القضية بحاجةٍ إلى مساحة أوسع واهتمام متواصل خاصة لما تمثله من حالة يبدو في عموم معطياتها تُصنع في أروقة السرية بصمت وذكاء. هذا التقرير سيتطرق، بداية، إلى تاريخ هذا المشروع وسيرورته وأهدافه ومخاطره وتبعاته.
يعتقد البعض أن الحديث عن هذا المشروع حديث نسبياً ولكنه في الحقيقة رُسم قبل قيام إسرائيل ذاتها. فمن أهم المشاريع الحيوية التي ذكرها مؤسس الصهيونية هرتزل في كتابه (الأرض القديمة الجديدة) اقتراحه شق قناة مائية تربط البحر الميت بالبحر الأحمر. وظل المشروع واضحاً في أذهان الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس إسرائيل حتى أصدرت حكومة الليكود قراراً رسمياً بتبني المشروع في 1980.   ورغم أن الحديث عن مشروع القناة يتداول منذ سنوات طويلة إلا أن المشروع بقي متعثراً نظراً لجمود "عملية السلام" في المنطقة. وأخيراً، فإن حلم هرتزل قد يتحقق، علماً أن سيلفان شالوم صرح 2012 بأن مشروع القناة هو "مشروع تاريخي عظيم وتحقيق لحلم هرتزل". 
يذكر الباحث المصري أشرف علام في أطروحته " الدكتوراه" المعنونة بـ" قناة البحرين والأمن القومي" أن الغرض الُمعلن من إنشاء قناة البحرين هو أن تُسهم في تحقيق جملة أهداف، هي: تعويض ما يتم فقده سنوياً من مياه البحر الميت جراء التبخر والجفاف، إقامة محطة تحلية للمياه لتزويد إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية بنحو 850 مليون م3 من المياه سنويا، وتخصص للأردن نحو 570 مليون م3، في حين تحصل إسرائيل والأراضي الفلسطينية على 280 مليون م3 منها 160 مليون م3 لإسرائيل، وإقامة محطة لتوليد الكهرباء هيدروليكيا لتزويد الأردن وإسرائيل والسلطة بنحو 550 ميجاوات من الكهرباء/ ساعة، إضافة إلى إقامة سلسلة من المشروعات السياحية المشتركة حول البحر الميت.
مواقف وتباينات!
عند الحديث عن مشروع القناة يتم الحديث عن مواقف عدة أطراف، أبرزها( الأردن، إسرائيل، السلطة الفلسطينية، ومصر). بخصوص الأردن فإن هناك إصرار أردني على تنفيذ المشروع مرده " المصلحة الوطنية " . فقد صرح الملك عبد الله :" استهجن ما يُثار من لغط من بعض وسائل الإعلام حول المشروع، فهو يهدف أساساً إلى إنقاذ البحر الميت من الجفاف والانحسار المتواصل" . أما رئيس الوزراء عبد الله النسور فقال:" إن بلاده التي تُعد من أكثر عشر دول في العالم افتقاراً بالمياه، قررت السير قدماً في المرحلة الأولى من المشروع".
كما أن وزير المياه والري السابق حازم الناصر صرح:" هذا المشروع بيئي مائي بالدرجة الأولى، ويهدف إلى الحفاظ على بيئة البحر الميت ومنسوب المياه فيه، ولا علاقة له ـ من قريب أو بعيد ـ بالسياسة". وأكد أن بلاده ستبدأ خلال الأسابيع القادمة تحضير وثائق عطاء المشروع تمهيدا لطرحه للتنفيذ خلال العام الحالي، منوهاً إلى أن هذا المشروع هو الخيار الوحيد، ويجب أن ينفذ لمصلحة إستراتيجية وطنية عليا.
في مقابل ذلك يرى النائب الأردني رائد حجازين أن " الخاسر من هذا المشروع هم الأردنيين والمستفيد هو الإسرائيلي"، موضحاً أن المشروع يقدم فوائد كثيرة لإسرائيل، مشيراً إلى أن النقطة المهمة هي أن القناة سترسم خطاً فاصلاً بين فلسطين والأردن..
 بخصوص الجانب الفلسطيني فإنه رغم أن نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية الأسبق المهندس فضل كعوش قال في عام 2004 أن السلطة تتحفظ على مشروع قناة البحرين، حتى لا يؤثر ذلك على الحقوق المائية أو الاتفاقات المرتبطة بالحل الدائم إلا أن الطرف الفلسطيني وقع على الجدوى المتعلقة بالمشروع .. وبعد ذلك صرح كعوش أن السلطة لن تمانع في تنفيذ المشروع إذا كان لا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقوقه.
وفي هذا الإطار فإن الجانب الإسرائيلي تحفظ على الطرح الفلسطيني بحجة أن المشروع فني وبيئي وليس سياسياً. وطلب حذف أي عبارات تتعلق بحقوق المشاطئة، وطلب باستبدالها بأطرافٍ مستفيدة. ورغم أن نسخة البنك الدولي للشروط المرجعية عُدلت ثلاث مرات إلا أن النسخة الرابعة احتوت على هذه التحفظات.
بشأن الموقف الإسرائيلي فإنه أولى هذه القضية اهتماماً بالغاً لما تمثله مشروعا سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا وامنيا، وأنه سيكون مشروعاً يساهم في تمدد إسرائيل وتقويتها وسرعة اختراقها في المجالين العربي والإقليمي. وهناك العديد من الدراسات والتصريحات والمؤتمرات الرسمية في إسرائيل التي رأت في هذا المشروع هدفا استراتيجيا يتوجب اتخاذ كافة السبل والأدوات لإنجاحه .
أما فيما يتعلق بالموقف في مصر فقد هاجمت الصحافة المصرية المشروع ظناً منها أن المشروع عبارة عن قناة ستنافس قناة السويس. إلا أن وزير الري المصري السابق د. محمود أبو زيد أكد أن مصر تدعم مشروع القناة وأنه يصب في مصلحة دول المنطقة، وليس له أي تأثيرات سلبية على قناة السويس، وأن ما يُثار في الصحافة غير دقيق ولا يؤثر على موقف الحكومة.
الفلسطينيون.. أداة أم شريك؟!
في دراسة أعدها مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية بفلسطين أشارت إلى أنه تم استغلال الفلسطينيين وأُجبروا على أن يكونوا في واجهة اتفاق واشنطن، بالرغم من عدم استفادتهم المباشرة من المشروع، وذلك حتى تستطيع الأطراف الأخرى جلب أموال الدول المانحة تحت شعارات تعزيز السلام والتعاون الإقليمي.  
 
الخبير المائي د.عبد الرحمن التميمي يقول:" إن الفكرة السياسية وراء المشروع هي خلق تعاون إقليمي وما عدا ذلك هو نتاج لهذا التعاون. طبيعي كل طرف له هدف، الأردنيين هدفهم واضح وهو حل مشكلة أزمة المياه في الأردن، بثمن لا يأتي إلا بالتعاون الإقليمي". ويوضح:" يسعى الإسرائيليون لإدماج القطاع الخاص في التعاون الإقليمي لأنهم يملكون تكنولوجيا التحلية"، منوهاً إلى أن القناة بالنسبة للإسرائيليين تجارة بالدرجة الأولى، عدا عن أنها ستوفر مياه لمستوطناتهم، علاوة على الاستفادة من المشاريع غير المائية ( زراعية سياحية صناعية).
ويؤكد " الفلسطينيون ذهبوا إلى هذا المشروع لعوامل منها: عدم المعرفة بعواقب هذا المشروع، وأخرى نتيجة الضغط من الحكومة الأردنية، أو نتيجة التعاون الإقليمي، مشيراً إلى أنه بالرغم من معارضة  بعض الفلسطينيين الرسميين للمشروع إلا أنه، وبقرار سياسي عادوا ووقعوا على المشروع".
 
الخبير البيئي جورج كرزم يذكر أن السلطة الفلسطينية المفتقرة للحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية، والتي (أي السلطة) تعد مجرد سلطة حكم ذاتي مرجعيتها السيادية قانونيا هي دولة "إسرائيل"(هذا ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو، وهو أيضاً الفهم المتعارف عليه دولياً للحكم الذاتي)، خولت نفسها المشاركة في مشروع "قناة البحرين" الذي يُعد مشروعاً "سياديا" يهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين بعامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة، فضلا عن المخاطر البيئية الكارثية التي يتضمنها هذا المشروع. 
ومن مخاطر المشروع على الفلسطينيين نسف لحقوقهم المائية، حيث يبين تقرير صادر عن مركز العمل التنموي أن المذكرة نصت على وجود "استعداد" إسرائيلي لبيع 20- 30 مليون م3 من المياه من محطات تحلية المياه الإسرائيلية، ليتم تسليمها في نقاط التوريد المتفق عليها" للسلطة الفلسطينية! .
 
 ويتفق الباحث كليمنس مسرشمد، معد دراسة"آخر شفة، أزمة المياه في فلسطين مع آراء العديد من الخبراء، بأن القبول بهذه الاتفاقية سيضُعف الموقف التفاوضي الفلسطيني الذي يطالب بالحقوق المائية من المحتل، ويجعلهم يقعون في فخ مياه إضافية للفلسطينيين، بدلا من نصيبهم العادل في موارد المياه القائمة. كما سيؤدي إلى فقدان حصة وحق الفلسطينيين في النهر والى الأبد، عوضاً عن شرائهم المياه المحلاة بثمن باهظ.
 
الحديث عن هذا الأمر نفاه رئيس سلطة المياه السابق د. شداد العتيلي في نيسان 2010، مؤكداً عدم وجود أي اتفاقية بين السلطة وإسرائيل بهذا الخصوص، منوهاً إلى " أننا لم نحصل بعد على حقوقنا المائية في الأحواض الجوفية ونهر الأردن، ونحن مع التعاون إذا كان يصب في المصلحة الفلسطينية وليس على حساب حقوقنا المائية".
وبخصوص طرق مواجهة هذا المشروع من قبل شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية فيبدو أنها محدودة وضعيفة، حيث يقول رئيس اتحاد المزارعين الفلسطينيين داود حمودة: "إن البدائل القانونية باتت محدودة. تم نقاش هذا الموضوع في الشبكة على أن تكون قضية واحدة باسم جميع المؤسسات الفلسطينية ضد المشروع لكن الذي حدث بعد صدور التقارير النهائية للمشروع هو أن البنك الدولي حول المشروع إلى صندوق النقد الدولي ليبدأ المرحلة التجريبية. النقد الدولي ليس له آليات للترافع مثل البنك الدولي والآن نحن في مأزق. هذه الخطوة كانت التفاف واضح على المجتمع المدني الأردني والفلسطيني (وحتى الإسرائيلي) المعارض للمشروع".
من المستفيد؟!
يذكر الخبير البيئي د. سفيان التل في دراسة له أن الأبعاد السياسة والإستراتيجية للمشروع تتلخص في: بناء المستوطنات، جلب المزيد من المهاجرين، تكوين واقع ديمغرافي جديد في المنطقة، إنشاء رافد بشري مستمر للقوات العسكرية الإسرائيلية، إقامة أربعة مفاعلات نووية متعددة الأغراض، ترسيخ الثقة بإسرائيل لدى يهود العالم، فتح آفاق لتطوير القاعدة الصناعية الإسرائيلية، وإحباط الإنسان العربي في الوقت نفسه من خلال إظهار إسرائيل بأنها قادرة على إقامة المشاريع الكبرى.
وفي دراسة أعدها د. ماجد ملحم ذكرت أن أبرز الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من تنفيذ المشروع هي: توليد الطاقة، إنتاج الوقود من الزيت الحجري، إحياء المشاريع السياحة، تحلية مياه البحر، اعمار النقب، إنقاذ البحر الميت، تبريد المصانع المقامة على خط القناة، خلق فرص عمل جديدة، إضافة إلى البعد الأمني ـ الاستراتيجي.
 ومن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروع، فإن د. التل يذكرها في: إغراق أراض أردنية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، غمر منشآت ومرافق سياحية ومواقع أثرية، غمر بعض التجمعات السكانية، مما يؤدي إلى تهجير سكانها.  أما بيئيا، فتتمثل في: تحويل البحر الميت، وهو ارث بشري متفرد ومتميز، إلى بحر حي. إذ أن القناة ستنقل إليه أنواعا جديدة من الأحياء المائية مما يحدث في تركيبة مياهه تغيرات بيولوجية وكيمائية، علاوة على ازدياد أخطار التلوث الناتجة من النشاط النووي للمفاعلات المتوقع إقامتها على امتداد القناة.
أما أمنياً فيذكر أشرف علامأن القناة أمنياً تشكل مستقبلا بعداً أمنياً لإسرائيل، فهي تدعم التواجد الأمني والعسكري لها في البحر الأحمر. ويورد حديثاً للمفكر الاستراتيجي الإسرائيلي "شيحومي ناحا " الذي يقول:" إن المنطقة من البحر الأحمر إلى البحر الميت منطقة إستراتيجية مهمة يجب أن تبقى تحت سيطرة إسرائيل أمنيا. فهي تمثل المدخل الشرقي لها، وأن وجود قناة في تلك المنطقة يشكل عائقا مائيا طبيعيا لإعاقة تقدم أي قوات عربية من جهة الشرق".  ويشير علام إلى أن قيام المشروع هو إعلان عن هوية جديدة هي هوية الشرق أوسطية وتواري الهوية العربية الإسلامية جراء الغفلة الإستراتيجية والنزعة القطرية اللتين تسودان عالمنا العربي.
ماذا يقول القانون الدولي؟!
يرى القانون الدولي أن مشروع  القناة هو خرق صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية، وخاصة اتفاقيات جنيف للعام 1949، التي تحدد الاتفاقية الرابعة منها المبادئ والقواعد الأساسية التي يخضع لها الاحتلال الحربي، وتتمثل في أن الاحتلال وضع مؤقت ليس له صفة الدوام وليس له أي تأثير في استمرار وجود الدولة، وأن الاحتلال لا يؤدي، من الناحية القانونية، كسب حق السيادة على الإقليم المحتل، لأن السيادة تبقى محفوظة للسكان أصحاب الحق.
خلاصة القول: رغم أن الحديث عن هذه المسألة يتشابك ويطول إلا أنه إجمالاً نؤكد على رؤية  لكثير من الفنيين والاقتصاديين الإسرائيليين والدوليين مفادها أن الجدوى الاقتصادية للمشروع لا تعادل الأضرار المباشرة والجسيمة المترتبة على تنفيذه، مما يؤكد أن هناك تستراً وراء الأغراض الاقتصادية، وأن الهدف الجوهري استراتيجي وسياسي. وبالتالي، فهناك تعامل بنية سيئة وإساءة استعمال من قبل إسرائيل لحقوق الدول وواجباتها.