الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف سيكون شكل العلاقة بين السعودية وبايدن؟

2020-12-08 09:22:50 AM
كيف سيكون شكل العلاقة بين السعودية وبايدن؟
الملك سلمان وبايدن

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للأكاديمي جون سباكبان، الزميل في مركز سياسات التعليم لمنع الانتشار، وتناول فيه أن تصنيف المملكة العربية السعودية على أنها دولة منبوذة من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية على الاستقرار الإقليمي.

أشار الأكاديمي سباكبان في افتتاحية مقالته إلى أنه لم يكن من المصادفة تأخير ولي العهد السعودي تهنئته للرئيس المنتخب جو بايدن بفوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية: فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قاد ولي العهد حملة قصف عقيمة في اليمن، وربما أفلت من جريمة القتل، وبدأ برنامجاً سرياً مع الصين لمعالجة اليورانيوم. وسيحثّ أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي بايدن قريباً للتخلي عن التحالف الأمريكي مع المملكة العربية السعودية، ولكن على بايدن أن يقاوم هذا النداء. فالتخلي عن الحلفاء نادراً ما يؤدي بهم إلى سلوك أفضل. وبدلاً من ذلك، على بايدن تشكيل تحالف من الحلفاء الغربيين ودول الشرق الأوسط - بما في ذلك المملكة العربية السعودية - يعطي الولايات المتحدة المزيد من النفوذ لمنع المملكة من امتلاك أسلحة نووية وانتهاك حقوق الإنسان.

يلفت الكاتب إلى أن أعضاء الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهوريين ضاقوا ذرعاً من المملكة العربية السعودية. وفي العام الماضي، استخدم الرئيس دونالد ترامب حق النقض (الفيتو) ضد تشريع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كان من شأنه أن يمنع مبيعات الأسلحة إلى السعودية رداً على حملة القصف التي قامت بها في اليمن. وصوت كل ديمقراطي في الكونغرس ضد مشروع القرار، بالإضافة إلى حلفاء ترامب مثل السناتور الجمهوري ليندزي غراهام. وفي انتقاده للمملكة العربية السعودية، ذهب بايدن إلى أبعد من معظم أعضاء الكونغرس. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وخلال مناظرة أولية للحزب الديمقراطي، قال بايدن إنه سيكون "واضحاً تمامًا أننا لن نبيع المزيد من الأسلحة" إلى المملكة العربية السعودية، والتي من شأنها أن "تجعل منهم منبوذين كما هم".

يرى الكاتب أن محاسبة المملكة العربية السعودية في سعيها لامتلاك الأسلحة النووية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أمر منطقي. والسؤال هنا كيف نفعل ذلك. إن جعل المملكة دولة منبوذة لن يحد من طموحاتها النووية أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

يتابع الكاتب: وإذا كانت واشنطن تريد إصلاح الرياض، فعليها أن تنظر في أكثر ما يقلق السعودية – أي تخلي الولايات المتحدة عنها. يعود خوف الحكومة السعودية المتجذرة منذ الربيع العربي الذي بدأ قبل نحو عقد من الزمن. في ذلك الوقت دعمت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المحتجين المؤيدين للديمقراطية في مصر باعتبارها حليفًا ظاهريًا للولايات المتحدة -والدكتاتور- حسني مبارك تمسك بالسلطة بشدة. آنذاك أدرك أعضاء النظام الملكي السعودي بأنه من الممكن أن يتعرضوا للخيانة بالمثل.

يقول الكاتب بأن مظاهر القلق زادت منذ ذلك الحين لدى السعودية، واعتُبر الاتفاق النووي عام 2015 داخل السعودية على أنها محاولة أمريكية لخيانة المملكة العربية السعودية ومصادقة إيران. في حين تفضل الرياض ترامب على أوباما، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ترامب تجاهل انتهاكاته لحقوق الإنسان وأثبت أنه أكثر عدوانية ضد إيران. ولكن حتى ترامب سخر من الملك سلمان بسبب اعتماد بلاده على الولايات المتحدة قائلاً: أيها الملك – نحن نحميك، كما قال للزعيم في عام 2018. قد لا تبقى على عرشك لمدة أسبوعين بدوننا.

يؤكد الكاتب بأن المحاولات الأخيرة في الكونغرس لمنع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية تعزز من مخاوف الرياض من التخلي عنها. وليس من قبيل المصادفة إطلاق ولي العهد السعودي برنامجاً نووياً سرياً تدعمه الصين، وأن ينظر إلى استمرار النفوذ الإيراني في اليمن على أنه تهديد وجودي. فهو، إلى جانب العديد من النخب السعودية، يشعر بشكل متزايد بأن العلاقة مع الصين - لا سيما تلك التي تسمح للسعودية بالحصول على ترسانة أسلحة نووية خاصة بها - أكثر منطقية من الاعتماد المستمر على واشنطن.

يضيف الكاتب: وإذا لم تقم الولايات المتحدة بصياغة نهج جديد، فإن هذا السيناريو قد يعجل بسهولة المواجهة النووية الإقليمية: فالأسلحة النووية السعودية موجهة إلى إيران، والأسلحة النووية الإيرانية موجهة إلى المملكة العربية السعودية، وتركيا ومصر تعكفان على صناعة تكنولوجيات نووية خاصة بها، وإسرائيل تتطلع بقلق إلى زرها النووي.

يوضح الكاتب: إذا تعاملت إدارة بايدن مع السعودية كدولة منبوذة فمن غير المرجح أن يتحسن سلوك المملكة - حتى لو لم تحصل على قنبلة نووية على الفور. أما الدول الأخرى التي نبذتها التي فرضت عليها عقوبات – مثل سوريا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا – فهي من أسوأ النماذج لانتهاك حقوق الإنسان (والممتلكين للأسلحة النووية) على وجه الأرض. ونبذها أو تهميشها لم يغيرها، ولن يغير المملكة العربية السعودية.

يتابع الكاتب: إذا كانت إدارة ظهر الولايات المتحدة للسعودية لن تقلل من طموحاتها في الحصول على أسلحة نووية أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان، فإن إظهار التزام طويل الأمد تجاه المنطقة قد يحمل نفس الاستجابة من السعودية. كما ان ما يمكن أن يخفف من انعدام الأمن السعودي هو تشجيع الرياض على الانضمام إلى تحالفات جديدة مع دول الغرب والشرق الأوسط التي تتعاون على نحو متعدد الأطراف في المسائل العسكرية والطاقة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية. وحتى لو بدأ التحالف صغيراً إلى حد ما والذي من الممكن أن يضم – الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والدول العربية الصغيرة مثل الأردن وعُمان والإمارات والبحرين وتونس – فإنه سيثبت أن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يغادروا المملكة قريباً وتركها تحت رحمة إيران أو غيرها من القوى الخارجية. وهذا وحده كفيل بتخفيف مخاوف الرياض بما يكفي لجعل الأسلحة النووية وحملات القصف العشوائية أقل جاذبية بكثير.

يلفت الكاتب إلى أنه من خلال انشاء مركز تدريب إقليمي مشترك جديد، يقوم على تدريب وتجهيز القوات المسلحة للدول الأعضاء لجعلهم أكثر اكتفاءً ذاتياً من الناحية العسكرية. وإذا تعرضت دولة عضو لهجوم، فإن الغرب سيتعهد بدعمها عبر قوات استطلاعية وقوة جوية دون الحاجة إلى القوات البرية. وقد استخدمت واشنطن بالفعل هذا النهج الأصغر حجماً بشكل فعال في حرب الخليج الأولى وفي حربها الناجحة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في سوريا».

وينبغي أن يركز مثل هذا الاتفاق أيضاً على تمويل وخبرات القطاع الخاص في الولايات المتحدة وأوروبا على مشاريع البنية التحتية والتنمية وريادة الأعمال على نطاق واسع الذي من شأنه أن يغري دول الشرق الأوسط. كما إن خطط الاستثمار الضخمة من هذا النوع أصبحت أكثر جدوى مما كانت عليه في الماضي.

ويمكن للدول الغربية أيضاً أن تستخدم بنوك التنمية لدعم الاستثمارات في بدائل الطاقة غير النووية مثل مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي ومشاريع خطوط الأنابيب. وفي الشرق الأوسط الذي يتمتع بطقس مشمس ويمتلك احتياطات ضخمة من الغاز، فإن هذه المصادر أرخص بكثير من مصادر الطاقة من المفاعلات النووية.

ومن الناحية الدبلوماسية، سيخلق التحالف منتدى لأعضاء التحالف لتسوية النزاعات الإقليمية حول الطاقة والأراضي. وفي المقابل، ستلتزم المملكة العربية السعودية وأعضاء التحالف الآخرون في الشرق الأوسط بعدم الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، والتخلي عن الأنشطة التي يمكن استخدامها في صنع مواد متفجرة نووية، والامتثال لمجموعة متفق عليها من معايير حقوق الإنسان للعمليات العسكرية.

يوضح الكاتب أن مثل هذا التحالف حتى لو بدأ صغيراً، ينبغي أن تكون لديه تطلعات أكبر. وقد يفتح المجال للتقارب بين "إسرائيل" والدول العربية.

وعلى غرار دعوة خطة مارشال إلى الاتحاد السوفييتي، يجب أن يظل الباب مفتوحاً أمام إيران للانضمام إلى التحالف. ومع ذلك، يتعين على إيران – وجميع الدول الأعضاء الأخرى في المنطقة – أن تلتزم بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم أو إعادة المعالجة، ووقف العمليات العسكرية ضد الدول الأعضاء الأخرى، ووقف دعم الحرب بالوكالة. وحتى الآن، لم تبدِ طهران أي اهتمام بتلبية الشرطين الأخيرين. ومع ذلك، ينبغي للتحالف أن يسلط الضوء على المنافع الاقتصادية لمستقبل غير نووي والفوائد الأمنية المترتبة على المزيد من ضبط النفس. وفي غضون ذلك، من شأن هذا الاتفاق أن يمكّن هذه الدول من اتباع نهج متعدد الأطراف الذي تحتاج إليه الدول العربية و "إسرائيل" لمواجهة المغامرة الإيرانية بشكل فعال.

يختتم الكاتب مقالته بالقول: وأخيراً، ولكي ينجح التحالف حقاً، يجب على واشنطن أن تثبت أن الاتفاق قادر على البقاء بغض النظر عمن هو في البيت الأبيض. وفي عالم مثالي، سوف يؤمن مجلس الشيوخ الأميركي الاتفاق باعتبارها معاهدة. وسواء حدث ذلك أم لا، ينبغي على الكونغرس أن يمول مساهمة الولايات المتحدة في الاتفاقية إلى الأبد. وقد يتداول أعضاء الكونغرس من خلال صياغة قرار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لدعم الخطة. وإذا اقتنعت المملكة العربية السعودية بأن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بالاستقرار في الشرق الأوسط، فإن واشنطن ستجد نفسها في وضع أفضل بكثير لإبعاد الرياض، وغيرها من العواصم، بعيداً عن أسوأ غرائزها. وعند تحقيق ذلك، قد يندم ولي العهد على الانتظار كل هذا الوقت لتهنئة بايدن بفوزه بالانتخابات الأخيرة.