دمشق- غسان ناصر
تابع مراسل “الحدث” ما تم ظهر يوم السبت الماضي، من دخول أربع شاحنات صغيرة محملة بـ(200) سلة غذائية، إلى مخيم اليرموك، عبر مدخله الرئيس عن طريق شارع راما، وقد وزعت على الأهالي الذين تقاسموها فيما بينهم لسد رمق أطفالهم لا أكثر.
وفي اليوم التالي، وعدت قوات النظام السوري بإدخال (500) سلة أخرى، ولكن وبعد طول انتظار، رفض المسؤول الأمني إدخالها دون أي تبرير يذكر، ما أدى إلى عودة الآلاف من أهالي المخيم دون استلام تلك المساعدات، الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب والاحتقان لدى الأهالي، والتظاهر مطالبين بإدخال المزيد من المساعدات الإغاثية إلى داخل المخيم، وقد أدى تدافع الناس إلى حالات إغماء بين الأهالي، نتيجة الوضع الصحي المتدهور، وكان الأهالي قد تجمعوا منذ ساعات الفجر في ساحة “الريجة” .
وكما تعثر إدخال المساعدات، فقد تعثر أيضا إخراج المرضى من الأطفال وكبار السن من ذوي الحالات الحرجة، وأقتصر الأمر على خروج 19 حالة فقط، وذلك خلافًا للاتفاق الذي جرى يوم الجمعة (17 الجاري) بين وفد من فصائل العمل الوطني الفلسطيني ووفد من داخل المخيم يمثل المجموعات المسلحة السورية والفلسطينية ولجان الإغاثة الفلسطينية المتواجدة داخل المخيم.
سقوط تسعة شهداء تزامنًا مع مغادرة الوفد الرئاسي!
جاء الاتفاق بعد يومين من تعرض مخيم اليرموك لقصف من الطيران الحربي النظامي ببرميل متفجر، والذي تزامن مع مغادرة الوفد الرئاسي برئاسة عضو اللجنة التنفيذية ووزير العمل د. أحمد المجدلاني، الذي لم يحقق أي نتيجة فعلية على الأرض، رغم سلسلة تصريحاته النارية، وقد صرح بأن المساعدات الغذائية ستدخل يوم الأربعاء إلى المخيم، لكن الغذاء كان يومها برميلاً متفجرًا.
وقد أدى القصف إلى استشهاد ثمانية مدنيين وإصابة العشرات بجروح، إضافة إلى دمار هائل بالأبنية السكنية. كما واستشهد شخص تاسع وأُصيب خمسة متظاهرين إثر توجه المئات من الأهالي الغاضبين إلى الحاجز الرئيسي لبوابة المخيم في محاولة منهم لفك الحصار، غير أنه أُطلق النار عليهم لتفريقهم، من قبل الجبهة الشعبية القيادة العامة التي تشارك إلى جانب قوات الجيش النظامي بحصار المخيم.
وبالتفاصيل عن الاتفاق، علمت «الحدث» من مصدر مطلع من داخل مخيم اليرموك، أنه تم في الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الجمعة الماضي، عند مدخل مخيم اليرموك، لقاء جمع وفدًا من فصائل العمل الوطني الفلسطيني برئاسة راتب شهاب (أمين فرع حزب البعث باليرموك، وأمين سر لجنة التوافق الوطني الفلسطيني)، مع وفد من داخل المخيم والذي يمثل المجموعات المسلحة السورية والفلسطينية ولجان الإغاثة الفلسطينية المتواجدة داخل المخيم، وعلى رأسهم مسؤول كتيبة «العهدة العمرية» أبو هاشم زغموت (قائد الجناح الفلسطيني المسلح)، وأبو العبد عريشة وأبو صالح فتيان (من قادة الجيش السوري الحر).
وتمّ البحث خلال اللقاء حول آلية إدخال المساعدات للمخيم، وحول آلية إخراج المرضى والطلاب منه عبر مدخل المخيم الرئيسي، خلال الساعات الأولى من نهار السبت. وقام الوفد المفاوض من المسلحين داخل المخيم بتزويد وفد فصائل العمل الوطني الفلسطيني بقوائم أسماء المرضى والطلاب، الذين سيتم السماح بخروجهم.
وجرى الاتفاق على أن يتم العمل على فتح الطرقات بواسطة الآليات بدءًا من صباح يوم السبت، وإزالة السواتر الترابية، ووقف عمليات القنص من قبل طرفي الصراع المتمركزين داخل وخارج المخيم، لتسهيل عملية نقل المرضى وعلى التوالي حسب ما تقتضيه الحاجة الإنسانية لكل مريض، وكذلك العمل على نقل الطلاب إلى خارج المخيم، والأهم تسهيل عملة إدخال “السلات الغذائية” إلى سكان المخيم الذين يعانون ويلات الحصار المشدد منذ قرابة الـ(190) يومًا، والذي راح ضحيته حتى الآن (54) شخصًا بينهم أطفال ونساء قضوا جوعًا.
ورغم أن عدد الطرود التي أمنتها وكالة (الأنروا)، لا يتناسب نهائيًا مع عدد العائلات المحاصرة داخل المخيم، والتي يبلغ تعدادها نحو (5400) عائلة، إلاّ أن ذلك أحدث فرحة عامة بين سكان المخيم، الذين تدافعوا في اليوم الأول باتجاه جامع “الحبيب المصطفى” لاستلام المساعدات من قبل عناصر الإغاثة الذين عملوا على تأمينها للأهالي المحاصرين.
وكانت روسيا قد دعت جميع الدول المؤثرة في أوساط المسلحين السوريين إلى إقناعهم بفتح معابر إنسانية والسماح بدخول المساعدات للمحتاجين.
وجاء في بيان الخارجية الروسية، الذي أُعلن عنه تزامنًا مع دخول أول دفعة من “السلات الغذائية”، أن “روسيا تؤيد النشاط الهادف إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين السوريين وتدعو جميع الدول ذات النفوذ في أوساط المسلحين السوريين إلى التأثير عليهم لتوفير الظروف لفتح معابر إنسانية، الأمر الذي سيشكل أجواء مناسبة لعمل مؤتمر “جنيف2””.
هذا ولا تزال أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، مثيرة للقلق الشديد جراء الحصار المشدد الذي تفرضه قوات النظام السوري، وهو ما دفع بالمنظمات الدولية والهيئات الحقوقية والإنسانية، إلى إصدار بيانات تحذر فيها من خطورة المزيد من تدهور الأوضاع.
وقال “كريس جانيس” المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن ما تم توزيعه من مساعدات غذائية حتى الآن، ضئيل مقارنة باحتياجات المحاصرين في المخيم. وأضاف “جانيس” إن ما دخل من “سلات غذائية” يطعم 333 شخصًا لمدة شهر.
من جانبها، حذرت مسؤولة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “نافي بيلاي” نهاية الأسبوع الماضي، من أن منع دخول المساعدات إلى مخيم اليرموك يرقى إلى “جريمة حرب”.
وبدورها، طالبت منظمة العفو الدولية يوم السبت الماضي النظام السوري بفك الحصار عن المناطق المحاصرة، مضيفة أن حصار المدنيين في الغوطة الشرقية والمعضمية واليرموك وحمص يعد “جريمة حرب”.
وأشارت المنظمة الدولية إلى أن النظام السوري عرقل وصول المساعدات هذا الأسبوع، والتي كان من المقرر أن يتم إيصالها للمحاصرين.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن “سياسة الحصار والتجويع هذه يحاسب عليها القانون باعتبارها جريمة حرب، لذلك يتوجب على النظام فك الحصار فورًا وعدم استخدامه المساعدات كوسيلة لتحقيق مكاسب عسكرية له أو حتى سياسية، مضيفة أن “من أهم أهداف مؤتمر جنيف2 هو فك الحصار وإيصال المساعدات”.