الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الله، الوطن، الملك

2021-04-05 09:52:41 AM
الله، الوطن، الملك
رولا سرحان

 

شدتنا أنباء محاولة الانقلاب التي قيل إن الأمير حمزة خطط لها، ورغم كون المحاولة كانت نواة وأجهضت في مهدها، إلا أنه لا يمكن قراءتها بمعزل عن المشهد السياسي الإقليمي والدولي الأوسع، وخاصة أنها لا يمكن أن تكون بتخطيط مباشر ومقتصر على الأمير حمزة بن الحسين وحده، ودون مساعدة من دول عربية، وعلى رأسها السعودية، ودول أخرى وصفها بيان وزير الداخلية الأردني بأنها "أجنبية" وهي من باب التخمين الأول حليفة السعودية غير المعلنة إسرائيل. إذ أن هنالك تلاقي مصالح بين السعودية وإسرائيل أكثر مما هي الحال بين السعودية والأردن، وذلك على خلفية الصراع بين السعودية والأردن على الوصاية على المسجد الأقصى. وهو الإنجاز الذي يريد من خلاله محمد بن سلمان أن يستعيد شيئا من كرامته المهدورة بسبب التحقيقات والتهم الموجهة إليه على خلفية مقتل خاشقجي.

فقبل نحو أسبوعين رد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على تقارير طرحت احتمالية نقل إسرائيل الوصاية على الأقصى إلى السعودية في حال تطبيع العلاقات بين البلدين، بالقول إن "الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، هي وصاية تاريخية تعود إلى الجد الأكبر للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني" ولا يمكن التنازل عنها. وكان قد سبق هذا الحدث منع إسرائيل لولي العهد الأردني الأمير الحسين الثاني من الصلاة في الأقصى يوم الإسراء والمعراج، فردت الأردن بمنع طائرة نتنياهو من التحليق في أجوائها للمرور منها إلى الإمارات.

إن حادثة الانقلاب تحملُ أكثر من دلالة سياسية، فهي بصيغتها الضعيفة التي نفذت بها إنما تقرأ كأنها رسالة تحذيرية لملك الأردن بأن استقرار المملكة غير مضمون فيما لو حاول الأردن أن يظهر أي نوع من السيادة التي تتحدى إسرائيل. كما أنها تُقرأ أيضاً في صالح الأردن إذا ما أخذناها من وجهة نظر النظام، باعتباره نظاماً قادراً على الاستفادة من منظومته الأمنية والاستخباراتية إلى الدرجة القصوى، التي تمكنه من إحباط محاولات الاستقرار الهش الموصوف بها. وتقرأ أيضاً ممن هم خارج النظام الأردني ولكن الحريصين على مصلحته من باب أن هنالك ضرورة إصلاحية ملحة داخل الأردن، استخدمها الأمير حمزة كذريعة لتبرير محاولة الانقلاب.

إن ما يحتاجه الأردن اليوم هو إطلاق حملة إصلاحات سياسية ومدنية واجتماعية تبرر المقولة التي خطت على مسلة ضخة بيضاء كانت منذ زمن قريب على الدوار الثالث في وسط العاصمة الأردنية عمان نقش عليها: "الله، الوطن، الملك". إذ لا تشكل هذه العبارة مجرد عبارة تراتبية تبدأ من الله وصولا إلى الملك، بل يمكن قراءتها بشكل هرمي يكون الملك في قاعدته و "الله" في أعلاه والوطن بين الاثنين. إنها قراءات تصب في المحصلة في فكرة أن "الإطلاق"  في أمور الدنيا والدين، وهي معضلة العالم العربي الذي يُحشرُ فيه المواطن والوطن بين "الله" و "الحاكم" في معادلة تؤدي إلى إخفاق حتمي. ما يحتاجه الأردن هو قراءة تشاركية، عبر إصلاح يُطلقُ فيه العنان للمواطن كي يسهم في بناء الوطن جنباً إلى جنب مع الحاكم وبتوفيق من الله.