الأربعاء  01 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رمضان في القدس "ترى كل ما لا تستطيع احتماله"

2021-04-27 01:07:39 PM
رمضان في القدس
رمضان في القدس

الحدث- سوار عبد ربه

أطل الشهر الفضيل على المدينة المقدسة منذ نحو أسبوعين حاملا معه أسمى مظاهر الفرح والبهجة للمقدسيين الذين يحيونه كل ليلة بطريقة لا تشبه الأخرى، فلرمضان في القدس طعم يعرفه المقدسيون وحدهم، إذ يتهيأون لاستقباله مزينين مهللين مكبرين ومحتفلين.

 وللمدينة وجهان، أحدهما عربي فلسطيني خالص، مليء بالروحانية والبهجة، وآخر يفتعله الاحتلال ليطغى على الأول، في محاولة منه لنسف مظاهر الفرح.

هيهات أن تقتلوا الفرح

يبدأ المقدسيون باستقبال شهر رمضان في وقت مكبرة، إذ تبدأ مشاهد الإنارة والتزيين بالظهور قبيل دخول الشهر بأيام، حيث يقوم المقدسيون بتزيين أزقة البلدة القديمة، بإنارة رمضانية تنسجم والطراز المعماري القديم فيها، خاصة زقاق باب حطة الذي تسر زينته كل الناظرين إليها.

وحول هذا يقول الفنان المقدسي أحمد أبو سلعوم لصحيفة الحدث إن "القدس تستقبل رمضان مسبقا، بتنوير حارات وأزقة البلدة القديمة، ودرج باب العامود، وباب الساهرة، والمقامات الدينية، بشكل يبعث البهجة والسرور لصغارها وكبارها"، والمتجه إلى المسجد الأقصى يمشي محفوفا بالنفحات الإيمانية والأسواق المزينة الجميلة.

كما يستعد التجار لاستقبال الشهر بأغذية مخصصة لقدومه، كالفلافل والحمص، وخبز الطابون والمخللات بأنواعها، والقطايف والحلويات الرمضانية، إلى جانب المشروبات الرمضانية كعصير السوس والخروب واللوز وغيرهم، وتظل هذه الأجواء لأياما وليال حتى ليلة عيد الفطر.

وتتخلل تلك الفترة الأناشيد والأهازيج الدينية، إضافة إلى الفلكلور الرمضاني الذي تحضره الفئات العمرية المختلفة.

ويقدم مسرح سنابل للثقافة والفنون الذي يعتبر من المسارح الرائدة في تقديم الأمسيات الرمضانية، أعمالا خاصة بالشهر الفضيل في مختلف محافظات الوطن، منذ عشرات السنين، بالتعاون مع مسارح ومؤسسات أخرى.

في هذا الجانب يقول الفنان أحمد أبو سلعوم وهو مدير مسرح سنابل: "قبل ثلاثين سنة كنا نحيي الأمسيات الرمضانية في قلب القدس العتيقة، وكان شبان البلدة يستقبلوننا بحفاوة، كما كان سوق القطانين يمتلئ بخزان بشري، إلى جانب انضمام المقرئين لنا لاكتمال المشهد"، كما ويقوم المسرح بالتنسيق مع المؤسسات المضيفة للأمسية ليحضروا الترتيبات اللوجستية.

وإلى جانب الأمسيات المحضر لها مسبقا، يقوم الفنانون بفعاليات ارتجالية، كمهرجان القدس للتسوق الذي حدث قبل رمضان بأيام قليلة بعنوان "يلا عالبلد" بالتعاون مع مؤسسات الشمال.

وأخذ أبو سلعوم على عاتقه مهمة الترحيب بالوافدين، والغناء والعزف على العود، كما عمل حكواتيا، وأطلع الناس على تاريخ القدس.

وحينها تعرضت القدس لضغط من قوات الاحتلال حيث قاموا بترهيب المواطنين، وتهديدهم بإخلاء المكان خلال دقائق قليلة منحوها لهم، وأحيانا كثيرة، يطلقون قنابل غاز مسيلة للدموع لتفريق التجمعات.

ويرى أبو سلعوم أن هذه الفعاليات تكرس وتعمق الانتماء الوطني خاصة لدى الفئة العمرية الصغيرة، مشيرا إلى أنه يدعو الأطفال والشباب للحج إلى العاصمة لما تتعرض له من حرب مستمرة، فزيارة القدس كما يراها أبو سلعوم ترتقي لأن تكون فرض عين.

ويشير أبو سلعوم أن كل عمل يقوم به الفنانون هو لاستنهاض الهوية العربية الفلسطينية، ذات العمق الإنساني للمدينة المقدسة، حتى لو كان النشاط لا يتعلق بشكل مباشر بالهوية.

في سياق متصل يقول الناشط المقدسي عيسى قواسمي إن أجواء رمضان في القدس، "لا يوجد لها مثيل في أي مدينة في العالم".

ويضيف: هذا العام بالتحديد رأينا توافدا وتواجدا كبيرين للمدينة، بعدما شلت حركتها لعام ونصف نتيجة فيروس كورونا وإجراءات الاحتلال، مؤكدا أن الحياة دبت في شرايينها بعد الظروف الصعبة التي عانتها المدينة، وأظهر أهالي الداخل المحتل تكافلا اجتماعيا وتجاريا كبيرين، حيث قدموا إلى القدس، وتسوقوا في أسواقها العتيقة على مدار أسبوع.

وفي الأجواء الرمضانية الخاصة في مدينة القدس يتفق قواسمي مع أحمد أبو سلعوم أنها متميزة من ناحية الزينة الرمضانية وإنارة فانوس رمضان في مناطق متفرقة من القدس، إلى جانب الأجواء الروحانية المتمثلة بالأمسيات والأهازيج والمدائح النبوية، التي تحييها عائلة الرازم بشكل خاص.

وفرقة الرازم هي فرقة للزفات الشعبية والتراثين الديني والشعبي، تعمل على إحياء الأمسيات الرمضانية، انطلاقا من باب حطة إلى حارات البلدة القديمة.

وتأسست الفرقة عام 1998 وبدأت باستقبال حجاج بيت الله الحرام، وتتكون من 40 فردا من الأسرة، بإشراف من كبار السن.

والخميس الأول تجلى في إضاءة فانوس رمضان في برج اللقلق بعد مسيرة خرجت من باب حطة على صوت الدف والأناشيد الدينية، بحسب القواسمي.

للمرضى نصيب من الفرح في القدس

في سياق مختلف تأخذ بعض العائلات المقدسية على عاتقها مهمة إطعام العائلات المستورة والمرضى وغير المقتدرين، في محاولة منهم لدمج هذه الفئة بالأجواء الرمضانية المبهجة.

فعائلة القواسمي المقدسية حولت منزلها الواقع في حي وادي الجوز وسط القدس إلى مطبخ يطعم أطفال مرضى السرطان وعائلاتهم في مستشفى المطلع.

وحول هذا يقول عيسى القواسمي لصحيفة الحدث إن فكرة المبادرة جاءت استكمالا لجمعية نسائم مقدسية التي تعنى بالأساس بمرضى السرطان وذويهم في مستشفى المطلع بمدينة القدس.

ويضيف: "حاولنا من خلال المبادرة أن نشد أزر الأطفال من خلال إعداد 40 وجبة إفطار يومية، بالتعاون مع المتبرعين المقدسيين.

وأشار قواسمي إلى أن المبادرة فردية، لكنها مفتوحة لجميع المقدسيين لدعمها والانضمام إليها، مؤكدا أنها تستهدف عائلات مرضى السرطان القادمين من الضفة الغربية وقطاع غزة.

"ردنا عن الدار قانون الأعادي"

قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في قصيدته الشهيرة "في القدس": مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي".

ينطبق مطلع القصيدة هذا على حال أهل الضفة الغربية التي حرمهم الاحتلال للسنة الثانية على التوالي من زيارة القدس، والاستمتاع بطقوسها الخاصة وأداء الصلوات في المسجد الأقصى، بدعوى كورونا، إلا لفئة قليلة منهم.

تقول المواطنة هدالة اشتية من مدينة سلفيت لصحيفة الحدث: "الإفطار بالأقصى يحمل نكهة خاصة، لا سيما وأننا لا نزور القدس إلا في رمضان".

وتتابع اشتية: "رغم أنها مجازفة كبيرة، تحتاج وقتا وجهدا كبيرين إلا أنني أفقتد لهذا الشعور للعام الثاني على التوالي".

وتتفق معها المواطنة نغم عيسى من بلدة بيت عنان الواقعة شمال غرب القدس، التي أكدت أن أهالي الضفة الغربية ينتظرون رمضان من العام للعام لزيارة المسجد الأقصى، لكن هذين العامين حملا معهما غصة مستمرة".

وتضيف: "زيارة المسجد الأقصى والقدس بالنسبة لأهالي الضفة تعتبر من أساسيات شهر رمضان، الذي يعتبر سبيلنا الوحيد للزيارة".

وبحسب عيسى فإن رمضان كان ناقصا بسبب عدم زيارتها القدس، وافتقادها للأجواء الرمضانية، نتيجة الاحتلالين اللذين منعاها من الزيارة المعتادة وهما الاحتلال الإسرائيلي، وفيروس كورونا.

وأعاق الاحتلال لجمعتين متتاليتين من شهر رمضان دخول أهالي الضفة الغربية إلى القدس، حيث أغلقت الحواجز المحيطة بالأخيرة منذ ساعات الصباح الباكر وسمحت لعدد محدود من أهالي الضفة الغربية للدخول.

كما نصبت حواجز حديدية ودققت في هويات المارة في حارات وأزقة المسجد الأقصى المبارك، وحررت عدة مخالفات بحجة عدم ارتداء الكمامات، واحتجزت عددا منهم بحجة عدم حصولهم على تصاريح دخول للقدس.

وكانت ما تسمى بالإدارة المدنية التابعة للاحتلال قد أعلنت السماح لـ10 آلاف مواطن من الضفة الدخول للمسجد الاقصى المبارك بزعم أنهم فقط من تلقوا تطعيما ضد فيروس كورونا.

يريدها الاحتلال ثكنة عسكرية

في سياق متصل، عملت قوات الاحتلال منذ بداية شهر رمضان على إغلاق ساحة باب العامود أمام المقدسيين، ما أشعل أسبوعين من المواجهة بين الشبان والاحتلال ومستوطنيه.

وحول هذا يقول الباحث في جمعية الدراسات العربية مازن الجعبري لصحيفة الحدث: "إن الاحتلال يستهدف منطقة باب العامود بالتحديد؛ كونها منطقة تجمع في شهر رمضان خاصة بعد صلاة التراويح، على اعتبار أنه المدخل الرئيس للبلدة القديمة، إلى جانب مساحة المكان التي تتسع لأعداد كبيرة من المواطنين".

ويضيف الجعبري: "إن القيود التي فرضها الاحتلال بدعوى كورونا على الوافدين إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى؛ أدت إلى تفجير الأحداث خاصة عند الشباب لا سيما وأن غالبيتهم يعاني البطالة والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، إلى جانب الأوضاع السياسية المعروفة في القدس".

ويوضح الجعبري: "هذه الهبة الشبابية الجديدة مشابهة لمجموعة الهبات في القدس خلال الفترة الماضية خاصة بعد عام 2015".

ففي العام 2017 جرت هبة مقدسية ضد البوابات الإلكترونية، وضعت حدا لمساعي الاحتلال للتفرد بالأقصى تمهيدا لتهويده وحصاره، حيث رضخ الاحتلال حينها للاعتصمات الشعبية أمام بوابات المسجد، وقام بإزالتها.

وعام 2019 تمكن المقدسيون في هبة باب الرحمة من الدخول إلى المصلى من هذا الباب لأول مرة منذ عام 2003، في وقت سعى الاحتلال فيه للسيطرة عليه.

إلى جانب هبات أخرى أطلقها المقدسيون، كتلك التي تلت إحراق المستوطنين للطفل محمد أبو خضير عام 2014، بالإضافة لانتفاضة القدس عام 2015، التي شهدت سلسلة من عمليات الطعن.

ويرى الجعبري أن الاحتلال سيستغل الهبة لفرض قيود جديدة خاصة على المصلين، أيام الجمعة، مشيرا إلى أن "إسرائيل" لن تتراجع عن إجراءاتها كونها دولة احتلال عنصرية.

وأدى صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان في المسجد الأقصى نحو 70 ألف مصل، فيما انخفض عدد المصلين في الجمعة الثانية بنحو عشرة آلاف مصل، بحسب دائرة أوقاف القدس التي نبهت إلى انخفاض أعداد المصلين بين الجمعتين.

وأوضحت الأوقاف، أن انخفاض أعداد المصلين يرجع إلى القيود التي وضعتها سلطات الاحتلال، من نصب الحواجز وغير ذلك، إضافة للأحداث التي جرت في القدس فجر الثالث والعشرين من الشهر الجاري، حيث شهدت المدينة مواجهات عنيفة استمرت منذ انتهاء صلاة التراويح حتى ساعات الصباح الأولى في مختلف أحياء المدينة المقدسة.

إن في القدس أسود تحميها

وتصدى المقدسيون لهجمات الاحتلال ومستوطنيه طيلة أيام المواجهات، ما أسفر عن مئات الإصابات وفقا للهلال الأحمر الفلسطيني، إضافة إلى  100 معتقل.

وبالرغم من كون المقدسيين "عزل"، والاحتلال يهاجمهم مدججا بأسلحته إلا أن الشبان استطاعوا أن يزيلوا الحواجز المنصوبة، وأن يدحروا المستوطنين عن ساحة باب العامود، وسط احتفالات بالدبكة الفلسطينية والأناشيد الوطنية والدينية، التي جابت شوارع القدس، ووصلت لساحة المسجد الأقصى، حيث جددوا هناك الشعار المعتاد "بالروح بالدم... نفديك يا أقصى".

كما أدى المقدسيون في ساحة المسجد الأقصى القسم المقدسي وهو: "أقسم بالله العظيم أن نحمي المسجد الأقصى المبارك، والله على ما نقول شهيد".

ومن المتوقع أن يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى صباح الثامن والعشرين من رمضان لأداء طقوس توراتية وتلمودية كما يخططون، لمناسبة ما يسمى "يوم القدس" وفقا للتقويم العبري.

ودعت مؤسسة القدس الدولية ليكن باب العامود عنوانا لهبة مقدسية جديدة تمنع الاحتلال من فرض سيطرته على منطقة باب العامود، وتتصدى لاقتحامِ المستوطنين للأقصى في 28 رمضان الجاري.