الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل تم رفع الغطاء القطري عن راشد الغنوشي؟

2021-08-11 09:37:47 AM
هل تم رفع الغطاء القطري عن راشد الغنوشي؟
راشد الغنوشي وسفير قطر في تونس

الحدث - عبد الله أبو حسان

بينما تعتبر قطر إحدى الدول العربية الراعية لتجربة الإخوان المسلمين في المنطقة في محاولة لإظهار إمكانيات الأحزاب السياسية الإسلامية على النجاح في الدخول إلى منظومة الحكم في الدول العربية، يبدو أن هنالك تغيراً فيما يتعلق بتعاطيها مع تجربة حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي؛ خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البيان الوحيد الصادر عن قطر إثر قرارات الرئيس سعيد في 25 تموز الماضي والذي عبرت فيه عن أملها في أن “تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون”. ولم يشر البيان لا من قريب أو من بعيد إلى وضع حركة النهضة أو رئيسها في المرحلة القادمة. وكان قد تلى هذا البيان مجموعة من المنشورات التي نشرها الدكتور عزمي بشارة، المقرب من مؤسسات الحكم في قطر، على صفحته الشخصية على الفيسبوك، والتي يحاول فيها تصحيح المسار الديموقراطي في تونس منتقداً بالأساس قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، ومدافعاً عن التحول الديموقراطي في تونس من وجهة نظر لا تريد لهذا المسار أن يفشل، دون أن يوجه أي انتقاد إلى حركة النهضة والإشكاليات والأزمات التي تسببت فيها، وتحديداً ما قبل القرارات الأخيرة لسعيد.

إلا أن بشارة عاد ونشر بالأمس ما يُشبه المقال والذي يعلق من خلاله على العوار الذي أًصاب حركة النهضة خلال السنوات العشر الماضية الممتدة منذ الثورة التونسية وحتى قرارات سعيد مفصلاً إياها في عشر نقاط بعنوان "في أخطاء حركة النهضة".

وفيما يلي نص المنشور:

سبق أن بينا منجزات حركة النهضة لناحية الإصلاح الفكري، التمسك بالديمقراطية، رفض الإملاء الديني القسري والتكيف مع علمانية الدولة، البراغماتية السياسية، الاستعداد لتقديم التنازلات في اللحظات التي بدا فيها الانتقال إلى الديمقراطية مهددا وغيرها. نتحدث هنا عن الأخطاء السياسية التي وقعت فيها بوصفها حزبا سياسيا ظل منذ الثورة جزءا من الائتلافات الحاكمة المتغيرة.

  1. تمسكت النهضة بالسلطة بأي ثمن، حتى حين كان يجب أن تنتقل إلى المعارضة، وحتى حين كان الطريق الوحيد هو بناء تحالفات انتهازية ليس فقط في نظر الجمهور الواسع بل أيضا في نظر قواعدها الاجتماعية.
  2. كان الثمن الموضوعي للتحالف مع نداء تونس المساومة على العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد.
  3. كان على النهضة ونداء تونس واجب انتخاب محكمة دستورية، فهي ضرورة ماسة في نظام رئاسي/برلماني مختلط. ولكنهما لم يقوما بهذا الواجب، كانت النهضة عموما تشك بالقانونيين والنخب العلمانية، وتخشى تكرار تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
  4. كان عليهما تغيير طريقة الانتخابات بوضع عتبة انتخابية ووضع قانون يمنع السياحة الحزبية وتشويه صورة الأحزاب. ولكن استمرار طريقة الانتخابات القائمة أسهم إسهاما أساسيا في تعطيله.
  5. ركزت النهضة هجومها في الانتخابات الأخيرة على نبيل القروي إلى درجة شيطنته، وكان المستفيد الوحيد هو المرشح المنافس سعيد الذي لم تنطق ضده بكلمة نقد واحدة، وهو الفاقد لأي برنامج والذي يصرح علنا بمواقف مناهضة للدستور والنظام البرلماني. والأنكى والأمرّ أنها ما لبثت أن تحالفت مع من شيطنته، فبدت بذلك جزءا من نظام حزبي فاسد لا تهمه المبادئ والقيم بقدر ما تهمه السلطة ومنافعها. خسرت النهضة بذلك مرة أخرى جمهورا سبق ان أيدها، ولكنها لم تكسب جمهور القروي. وفقدت تبريرات النهضة فاعليتها هذه المرة. التحالف مع السبسي (الذي لم يكن بحاجة للتحالف مع النهضة إذ كان بوسعه تشكيل ائتلاف أغلبية في البرلمان من دونها) كان لإنقاذ الانتقال الديمقراطي، فما هو تبرير التحالف مع قلب تونس؟ البقاء في السلطة.
  6. سبق أن تحالفت النهضة مع يوسف الشاهد ضد حزبه وضد من عينه (السبسي) ومع ذلك لم تكسبه حليفا لها، فهو سياسي وصولي لا غير، فاستفاد منها ولم تستفد منه. وحاولت أن تكرر ذلك مع المشيشي، المكلف المجهول الذي أتى به الرئيس، والذي "عصى" من عينه وحاول أن يجعل منه مجرد وزير أول في نظام رئاسي، فأدت المحاولة إلى أزمة شلت الدولة طوال عام كامل. حكومة مدعومة من النهضة غير قادرة على العمل، رئيس يفعل كل شيء لشل حكومة قامت عكس مشيئته، وبرلمان مشغول بالمناكفات والمشاكسات كما تبدو صورته.
  7. لم تكن أجندة سعيد ضد النهضة التي دعمته في الجولة الثانية من الانتخابات، فليست هذه معركته الأساسية، بل كانت معركته ضد البرلمان لصالح نظام رئاسي فردي، ولكن سهل عليه تصوير المعركة على أنها معركة ضد الأحزاب والنخب السياسية عموما (وهذا جوهر الخطاب الشعبوي)، أما التركيز على النهضة فيسهل استقطاب فئات واسعة لديها موقف متأصل ضد النهضة، وإن كانت غير متعاطفة مع شعبوية الرئيس وتفضل الفرنسية الفصحى على لغته.
  8. الغريب أن النهضة تفاجأت من وجود أجندة مناهضة للنظام البرلماني لدى سعيد، مع أنها كانت معلنة، والغريب أيضا أنها لم تتمكن من التعامل مع شعبوية سعيد التي لم تتجاهلها فحسب في الانتخابات، بل تعاطفت معها.
  9. حين تصدت النهضة لخوض المعركة مع سعيد، لم تدرك مدى سوء صورة البرلمان في الشارع التونسي (هيئة من دون فاعلية في حل قضايا الشعب ومكان للمناكفات والتهريج، وأصحاب المصالح الفردية المتنقلين من حزب إلى آخر)، وكم تدهور وضعها في الشارع. وظهرت النهضة وكأنها تمثل صورة الأحزاب المتردية كلها حين أصرت على رئاسة البرلمان، والإصرار على أن يكون رئيس الحركة (وليس غيره) هو رئيس البرلمان، وقيادة ائتلاف يدعم حكومة معطلة. ولو كانت في المعارضة لكانت في وضع أسلم بكثير، ولو بقي رئيس الحركة خارج هذه المعمعة لكان أفضل له وللحركة.
  10. ارتكبت الأحزاب الكبيرة الأخرى أخطاء أكثر فداحة بالتأكيد، ولكن النهضة كانت الحزب الثابت في الخارطة التونسية منذ الثورة، والأكثر تواجدا في السلطة، وإليه وجهت سهام الخطاب الشعبوي.

اللافت في الأمر أن مقال بشارة قد تمت مشاركته على صفحات التيار الغاضب على أداء الغنوشي داخل حركة النهضة، وهو ما يثيرُ تساؤلات تتعلق بمدى تحميل قطر لراشد الغنوشي كرئيس للحركة للأزمة التي وصلت إليها.

وتناقلت مصادر صحفية ما مفاده أن فرصة الإطاحة بالغنوشي باتت ملائمة سواء بالنسبة إلى أصدقائه أو من جهة خصومه، مشيرة إلى أن قياديين في النهضة يروجون فكرة أن الغنوشي سيعمد إلى تقديم استقالته حالما يعود نشاط البرلمان، وذلك في مسعى منهم لإذابة الجليد بين الحركة ومقربين من محيط الرئيس سعيد.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن النهضة تريد أن تقايض وضعا جديدا تحافظ فيه على بعض مكاسبها في المرحلة القادمة مقابل تخلي الغنوشي عن رئاسة البرلمان وكذلك عن دوره السابق في التحكم بالعلاقات مع الأحزاب والعلاقات الخارجية للحركة، وهو مسار يبدو أن القطريين يدعمونه.