الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في ذكرى مائة عام على إنشاء عيادة الطوباسي لطب الأسنان/ بقلم: د. غسان طوباسي

حكاية رجل شجاع "د. ميخائيل طوباسي"

2022-05-29 12:38:12 PM
في ذكرى مائة عام على إنشاء عيادة الطوباسي لطب الأسنان/ بقلم: د. غسان طوباسي
د. غسان طوباسي

     في مثل هذه الأيام قبل مائة عام، أي في صيف عام 1922، يعود الشاب ميخائيل طوباسي "جدي لوالدي" من رحلة دراسية استمرت أربع سنوات متتالية من دمشق بعد حصوله على شهادته الجامعية في طب الأسنان وذلك بعد أن تم تهريبه بمساعدة جده لوالدته للسفر إلى الشام حتى لا يخدم بالجيش العثماني "إبان الحرب العالمية الأولى" فبحكم أنه كبير إخوته وهم أيتام الأب وهو المعيل الأهم للعائلة فلم يستطيع تركهم إلى المجهول ولأن القانون العثماني كان يُعفي من يحمل شهادة جامعية من الخدمة بالجيش ولهذا السبب سافر إلى دمشق لوحده ليعود بعد أربع سنوات مُسلحاً بشهادة طب الفم والأسنان ومباشرة يعمل لمدة سنة عند أحد الأطباء بيافا حتى يستطيع أن يفتح عيادته في شارع إسكندر عوض في عام 1922، وعمل جدي بعدها متفرغاً بعيادته حيث كان يُعالج أساساً المرضى الفلسطينيين إضافة لبعض اليهود الذين كانوا يأتون من الأحياء المجاورة خاصة وأن في تل أبيب في حينه كان طبيب أسنان يهودي واحد بينما في يافا لوحدها ثمانية أطباء أسنان.

وفي عام 1926 تزوج من جدتي افلين حروف من عائلة يافية الأصل حيث كان والدها من رجالات يافا العلمية والاجتماعية والاقتصادية المهمة وأنجبا أولادهما الخمسة بيافا 3 أولاد وابنتان، وقد كان جدي ميخائيل ناشطاً وطنياً ومجتمعياً ومن رجالات يافا المخلصين.

 كان لجدي خمسة إخوة وأخت واحدة، حيث عاشوا جميعاً بيافا إلى جوار والدتهم باستثناء الأخ الأصغر متري الذي عاش بالقدس حيث مكان عمله سكرتيراً أول في مكتب المندوب السامي في فندق الملك داوود، وكان أن استشهد هذا الأخ في 22/6/1946 في عملية تفجير الفندق الذي نفذته منظمة الأرجون بأوامر مباشرة من "مناحيم بيغن" زعيم العصابة ورئيس وزراء إسرائيل في السبعينات.

و في 12 شباط عام 1926 يحصل جدي على رخصة بناء بيت مستقل في شارع النزهة لثلاث حواصل "دكاكين" أرضية وطابقين وروف، وهذا الرووف لهُ قصة مؤلمة كواحدة من قصص شعبنا فترة الهجرة وهي كالتالي: ينتهي بناء البيت عام 1932 ويسكنه جدي مع أبنائه وإخوانه ويبقى الروف قيد الإنشاء لفترة متأخرة وتصادف أن يلتقي جدي بالأخوين البناءين من يافا واللذين تهجرا إلى رام الله أيضاً وأن يُسدد لهما ثمن بناء الروف حيث يسكنهُ مستوطنون يهود وهو لم يدخلهُ أو يسكنهُ بتاتاً.

وتمر الأيام وتزداد ظروف الحياة صعوبة بسبب الهجمات الإرهابية للعصابات الصهيونية، وفي ربيع عام 1948 يغادر إخوة جدي فلسطين مثل الآلاف من أبناء شعبهم فلسطين من خلال ميناء يافا متوجهين إلى لبنان حتى تستقر الأمور ويعودوا إلى وطنهم. ويبقى جدي حتى وقت متأخر ولم يستطع اللحاق بإخوته نتيجة تدمير الميناء من قبل العصابات الصهيونية، فيضطر للسفر براً عبر الأردن وسوريا ولكن عند الحدود الأردنية السورية يُمنع من المغادرة كونه طبيبا بسبب ظروف الحرب ويطلب منهُ البقاء بالأردن لمدة عام يقضيها بالزرقاء في مهام طبية وإنسانية.

وبعد مضي عام تقريباً يعود إلى رام الله عند إخوة جدتي وكونها أقرب إلى يافا ولنضوج وعيه السياسي عرف أن موضوع العودة إلى يافا ليس بالقريب فيقترض المال ويفتتح عيادة لطب الأسنان خاصة به برام الله، حيث لم يكن بمحافظة رام الله والبيرة وقتها سوى عيادة واحدة لرئيس بلدة رام الله في حينه د.بدران، علماً أن يافا عندما تركها جدي كان بها 9 أطباء أسنان وطبعاً لم تكن هذه الخطوة سهلة حيث واجه صعوبات جمة بالبداية نفسية واجتماعية واقتصادية، ولكنه يصمد ويجاهد بانتظار عودة ابنه البكر من مصر "عمي ألفرد" عام 1953 حاملاً أيضاً شهادة طب الأسنان حيث يعمل معه لمدة سنتين ثم يفتتح عيادة خاصة به ومجاورة لوالده، وبعد سنتين يعود ابنه الثاني "اميل" من مصر حاملاً شهادة الصيدلة ويفتح صيدلية خاصة به بين والده وأخوه.

وبعدها يسافر ابنه الأصغر "عمي نديم" لدراسة الطب العام بمصر أيضاً.

ومنذ ذلك الوقت وحتى وقوع الهزيمة الثانية حرب عام 1967 والتي نتج عنها احتلال ما تبقى من فلسطين بقي جدي حالما بالعودة إلى مسقط رأسه "يافا" وبعد الاحتلال سُمح لمن يرغب بزيارة الداخل الفلسطيني، فيذهب جدي مع جدتي وأبنائه عام 1968 لزيارة بيته المُحتل من قبل المستوطنين محاولاً دخول البيت ولكن المستوطنين الجدد لم يسمحوا لهُ رغم وجود اسمه محفوراً على باب البيت، ويكون لذلك أثر نفسي وصحي كبير تسبب في حصول جلطة دماغية تدخلهُ المستشفى لفترة وبعدها يصاب بنكسة صحية ويفارق الحياة عام 1969 قهراً وغضباً وحزناً.

لروح جدي المكافح الدكتور ميخائيل طوباسي وكل من ترك أرضه وبيته قهراً وذلاً ومؤامرة السلام والمحبة والسكينة ولترقد أرواحكم بسلام وحتماً سيعود أحد أحفادكم إلى البيت والأرض مهما طال الزمن.

صورة جواز السفر لجدي الدكتور ميخائيل طوباسي

صورة تعود لعام 1928م لوالد جدتي متوسط بناته وأزواجهن، حيث يظهر جدي واقفا على أقصى يسار الصورة

الوثيقة التي بموجبها تنازل جدي عن بطاقة التموين الخاصة باللاجئين لصالح شخص من قرية عابود

رخصة البناء الصادرة عام 1933م لبناء بيته الكائن بشارع النزهة وسط مدينة يافا

صورة البيت الذي بناه جدي في وسط يافا والذي يقطنه المستوطنين بعد سرقته عام 1948

استقبال والدة جدي وأبنائها لجدي عند عودته من دمشق عام 1920م، حيث يظهر في يمين الصورة شقيقه متري الذي استشهد في تفجير مبنى الملك داود بالقدس بتاريخ 22 حزيران 1946م

الأدوات التي عمل فيها جدي ب يافا منذ عام 1922م ، لا تزال محفوظة بعيادتي الخاصة وسط رام الله