الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دينيس روس وسؤال التغيير

2022-07-05 09:19:47 AM
دينيس روس وسؤال التغيير
رولا سرحان

كتب دينيس روس، السياسي الأميركي من أصل يهودي، والذي كان مبعوث السلام في الشرق الأوسط فترتي الرئيسين الأمريكيين السابقين كلينتون وبوش الابن، مقالاً مثيراً للشفقة، ونشره على الموقع الإلكتروني لـ "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الذي يشرف على إدارته. يرتكز المقال في الأساس على الترويج الذكي والدهاء المقنع لاحتياج الدول العربية لإسرائيل في المنطقة، محاولاً، وكعادة صانعي السياسات الأمريكيين في الشرق الأوسط، فرض الوقائع لا قراءة الحقائق.

سؤال التغيير، هو السؤال الذي يتمحور حوله مقال روس، فبنية المقال قائمة على الترويج لضرورة التغيير تحت غطاء أن التغيير قد بدأ في المنطقة منذ زمن، وهو المنطق المخالف لتساؤلات روس التي بدأ بها مقاله. إذ يدعي أن السؤال المركزي ليس في: كيف تُساهم اتفاقات التطبيع مع إسرائيل على تغيير المنطقة؟ بل هو: كيف تغيرت المنطقة بحيث أصبحت اتفاقيات التطبيع ممكنة؟

وإذا ما قرأنا ما بين سطور المقالة فإننا سنفهم مباشرة بأن نظرة روس إلى عملية التغيير تفترضُ أن العالم العربي لم يتغير ولا يمكنه أن يتغير إلا إذا تغيرت نظرتُه إلى نفسه ونظرته إلى إسرائيل؛ وهي نظرة استشراقية بحد ذاتها، فهنالك كتلة جغرافية عربية تُعاني من الأزمات الاقتصادية التي لا يمكن أن تتخطاها إلا بتحقيق أعلى مستوى من الاستفادة من الخبرات والمعرفة التي ستقدمها إسرائيل لها.

وإذ يحصرُ روس مشاكل العالم العربي في أوضاعه الاقتصادية، فإنه في ذات الوقت يختزلُ ثورات الربيع العربي باعتبارها مجرد احتجاجٍ على سوء تلك الأوضاع وهو ما مهد في الأساس لضرورة التطبيع مع إسرائيل والتعاون معها لتحسين أوضاع العرب اقتصادياً، وبالتالي انعكاس هذا التحسن على رأي الشعوب العربية في إسرائيل، والتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية.

هذه الطريق الالتفافية التي يتبعها روس تدفعنا للاستنتاج أن اللقمة التي ما تزال تقف في حلق العرب المطبعين وإسرائيل والسياسات والمصالح الأمريكية في المنطقة ما تزالُ هي القضية الفلسطينية. وهذا يُعيدنا إلى سؤال التغيير من جديد، هل تغيرت المنطقة؟ نعم المنطقة تغيرت، لكن السؤال متى تغيرت المنطقة العربية؟ أما الإجابة عليه، فليس كما حاول روس طرحها في المقال بأنها بدأت مع مؤتمر مدريد للسلام، بمعنى أن أفق التغيير قد بدأت منذ أن نحت الدول العربية نحو السلام مع إسرائيل؛ والحقيقة أن المنطقة تغيرت منذ أن تم إنشاء إسرائيل على أرض عربية، وتم طرد وتهجير شعبها العربي الفلسطيني. ولا يمكن اختزال التاريخ أو تقطيعُ بداياته ونهاياته كما يرغب صناع السياسة الأمريكيون.

 ولا يمكن للمنطقة أن تتوقف عن التغيُّر لسببين أساسيين: أما الأول، فهو الحقيقة المغيبة عن كل مقال روس وهي أن مشكلة الشعوب العربية ليست في سوء أوضاعها الاقتصادية، وإنما في سوء أوضاعها السياسية وفقدان قياداتها لشرعية تمثيلية حقيقية تعبر عن طموح وتطلعات شعوبها، الأمر الذي يعني أن الربيع العربي لم يبدأ بعد وإنما يستعد للبدء. أما السبب الثاني، وإذا ما أخذنا بنفس المنهج الاستشراقي الذي اتبعه روس في مقاله، باعتبار العرب كتلة جغرافية صماء، فإنه لا يُمكن زراعة "طرف صناعي" جديد واستدخاله فيها إلا بتقطيع هذه الكتلة وتجزئتها، ودفن أي معالم تدل على أنها كانت وحدة واحدة تحت وحل التطبيع، بينما يتم تجاهل حقيقة أن الشعوب العربية لا تتعامل مع ببعضها البعض إلا من منطلق وجداني قائم على أن الشعوب العربية ما هي إلى في المحصلة شعب واحد ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم.