الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انتخابات جامعة بيرزيت: لماذا فازت حماس وخسرت فتح؟

علاء لحلوح ووليد لدادوة

2022-11-06 10:18:30 AM
انتخابات جامعة بيرزيت: لماذا فازت حماس وخسرت فتح؟
أرشيف الحدث

مقدمة:

شكلت نتائج انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت التي جرت في ايار 2022 صدمة لدى مؤيدي ومناصري حركة فتح بعد الخسارة الفادحة التي منيت بها حركة الشبيبة الطلابية حيث حصلت على 18 مقعدا، من أصل 51 ، مقابل 28 مقعدا للكتلة الاسلامية و5 مقاعد للقطب الطلابي. كانت هذه النتائج صادمة لفتح لما للانتخابات الطلابية، وخاصة في جامعة بيرزيت، من أهمية لما تمثله في مسيرة الحركة الوطنية. وكانت صادمة لكون طلاب هذه الجامعة أكثر من غيرها من الجامعات يمثلون مختلف المناطق والطبقات والتيارات، ما يجعل الانتخابات فيها تعكس مؤشرًا عامًا لمواقف وسلوك الشباب الفلسطيني المتعلم. وفوق كل ذلك، فإن لجامعة بيرزيت أهمية خاصة في العملية الديمقراطية لأن هذه الجامعة شكلت منارة للعملية الديمقراطية بالمحافظة على تقاليد ديمقراطية طوال السنوات السابقة التي حُرم فيها الفلسطينيون من الانتخابات، حيث تعقد فيها الانتخابات بشكل سنوي الا في بعض السنوات نتيجة ظروف قاهرة وخاصة (العاميين 20/21، 21/22 نتيجة انتشار جائحة كورونا).  

جاءت هذه الانتخابات في ظل غياب شبه تام للحياة الديمقراطية عن الاراضي الفلسطينية منذ عام 2006 حينما جرت الانتخابات التشريعية، وكانت الانتخابات الرئاسية قد سبقتها بعام. وكانت قد جرت في وقت سابق من العام الحالي (اذار) ونهاية العام الماضي (كانون أول) انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية فيما تعذر اجرائها في قطاع غزة بسبب رفض حركة حماس السماح بذلك.

خلفية:

شهدت السنوات الخمس الماضية تقدما للكتلة الاسلامية على حساب منافستها الرئيسية، قائمة الشبيبة الطلابية، دون قدرتها على تشكيل مجلس الطلبة لوحدها، وفي الانتخابات التي سبقت اغلاق الجامعة بسبب جائحة كورونا كانت الشبيبة قد تساوت في عدد المقاعد مع الكتلة الاسلامية في الانتخابات التي جرت في 2019-2020. والشكل التالي يبين ذلك.

 

 

 

 

 

ومن الملاحظ أن الشبيبة فازت في جميع انتخابات بيرزيت التي جرت بعد سيطرة حماس على قطاع غزة حتى العام 2015؛ حيث حصلت الشبيبة في العام 2008 على 25 مقعدًا مقابل 19 مقعدًا للكتلة الاسلامية، وفي العام 2009 على 24 مقعدًا مقابل 22 للكتلة الاسلامية، كما حصلت في العامين 2010 و2011 على 31 مقعدًا و29 مقعدًا في ظل مقاطعة الكتلة الاسلامية للانتخابات خلال هذين العامين، وحصلت في العام 2012 على 26 مقعدًا مقابل 19 مقعدا للكتلة الاسلامية، وحصلت على 23 مقعدًا في العامين 2013 و2014 مقابل 20 مقعدًا للكتلة الاسلامية.[1]  وخلال العامين الذي قاطعت فيه الكتلة الاسلامية الانتخابات انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات من 85% في عام 2009 إلى 58% و50%، ومن ثم عادت للارتفاع مجددا لتصل الى 75% في العام 2012. ويلاحظ ان معظم الاصوات التي كانت تذهب للكتلة الاسلامية امتنعت عن الانتخاب، وأدى ذلك الى انخفاض الاصوات للمقعد الواحد من 117 صوتاً في 2009 الى 71 صوتاً في انتخابات 2010.[2]

فتحت نتائج انتخابات بيرزيت النقاش حول الأسباب وراء خسارة حركة فتح على الرغم من امتلاك الحركة قاعدة شعبية قد تكون الأكبر في الضفة الغربية، او على الأقل المتقاربة مع حركة حماس،  وذلك كما تشير نتائج استطلاعات الراي التي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.[3] وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن تفسير خسارة حركة فتح لهذه الانتخابات بهذا الفارق الكبير بالرغم من امتلاكها القاعدة الانتخابية الاكبر؟ 

تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الاسباب المختلفة لخسارة حركة الشبيبة الطلابية ولفوز الكتلة الاسلامية وتقديم التوصيات المناسبة لأطراف العمل السياسي ذوي العلاقة بهذه النتيجة.

النتائج واسبابها:

تنحصر خسارة حركة الشبيبة الطلابية وفوز الكتلة الاسلامية بمجموعة من الاسباب، أبرزها التالية:

1-   أخطاء السلطة الوطنية الفلسطينية

2-    أخطاء حركة فتح

3-    مشاكل داخل الشبيبة الطلابية

4-   قوة جذب حركة حماس

5-   تدخلات الاحتلال الإسرائيلي يخدم المعارضة للسلطة

 

1) أخطاء السلطة الفلسطينية

قامت السلطة الفلسطينية خلال الاعوام الماضية باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي أضرت بطبيعة نظام الحكم الذي كان القانون الأساسي ومجموعة أخرى من القوانين الرئيسية قد أرسته في فلسطين. فقد تم إلغاء المساءلة والمراقبة على عمل الرئيس والحكومة، وأُضعفت السلطة القضائية وهُدد استقلالها.[4] وقد شهد العام السابق لانتخابات بيرزيت عدة أحداث ساهمت في خسارة الشبيبة منها تأجيل الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) والتي كان من المقرر اجرائها في ايار وتموز من العام الماضي 2021، وموضوع لقاحات فايروس كورونا وما شابها من لغط، ومقتل الناشط نزار بنات اثناء اعتقاله من قبل اجهزة الامن الفلسطينية، اضافة لتقرير ديوان الرقابة المالية والادارية حول صندوق وقفة عز، ومستشفى خالد الحسن لأمراض السرطان، وغير ذلك من القصص الاشكالية التي شغلت الرأي العام الفلسطيني.  هناك اجماع شبه تام، سواء من قبل الطلاب او أساتذة الجامعة او الجمهور بشكل عام او والخبراء في الأوضاع السياسية الفلسطينية، ان سلوك السلطة السيء والانطباعات عنه كان السبب الرئيسي في خسارة حركة فتح.[5] يجمع طلاب الجامعة الذين أجريت معهم مقابلات (14 مقابلة) خاصة بهذا الموضوع، وهم من مختلف الأطر الطلابية، ان سبب الخسارة للحركة هو سلوك السلطة ومعاقبة الطلاب للشبيبة الطلابية على سلوك السلطة. تقول احدى طالبات جامعة بيرزيت ممن صوتوا للكتلة الاسلامية إن السبب الرئيسي لتفوق الكتلة الاسلامية هو الربط بين أفعال السلطة السيئة في الآونة الأخيرة، مثل مقتل نزار بنات وغيرها، وبين حركة الشبيبة. وتقول طالبة أخرى إن هذا التحول في مواقف الطلاب لم يحدث في سنوات سابقة لأن إجراءات السلطة السيئة زادت بشكل ملحوظ، كما أن وعي الطلاب على هذه الإجراءات أصبح اكبر بكثير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الطلبة المنظمة التي أصبحت اكثر فعالية ونشاط مقارنة بالسنوات السابقة.  وتقول طالبة جديدة في الجامعة إن الطلاب داخل الجامعة لا ينظرون بشكل رئيسي لنشاطات الكتل داخل الجامعة ولكن ينظرون الى الوضع السياسي في الخارج، وبما ان السلطة واجراءاتها وخاصة في الفترة الأخيرة تعطي انطباعاً سيئاً لدى الطلاب فقد أدى ذلك الى عدم التصويت للشبيبة.

وتقول احدى الطالبات ان السبب الرئيسي في فوز الكتلة الإسلامية هو أفعال السلطة والتوجه العاطفي لدى الطلاب لمعاقبتها وهم يعتبرون ان فتح هي السلطة، وبالتالي لم يصوتوا لفتح رغم أن الكثير من الطلاب الذين نعرفهم ينحدرون من أسر جميعها مؤيدة لفتح ولكنهم صوتوا لحماس بسبب موقفهم من السلطة.

كما يؤكد ذلك أساتذة الجامعة الذين شهدوا الانتخابات خلال سنوات مختلفة. فمثلا، تقول د. مي، وهي محاضرة في جامعة بيرزيت وكانت قد درست البكالوريوس والماجستير في جامعة بيرزيت (أي انها عاشت في الجامعة كطالبة ومحاضرة). إنه لا شك أن هذه الطفرة في نتائج الانتخابات جاءت كعقاب لسلوكيات السلطة انعكس على حركة فتح وبالتالي على الشبيبة في الجامعة.

كما ان اغلبية من الجمهور الفلسطيني تنظر لحركة الشبيبة من نفس المنظور. أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بعد ظهور نتائج انتخابات جامعة بيرزيت أن 59% يرون أن سبب فوز الكتلة الاسلامية هو احتجاج من الطلاب على اداء السلطة الفلسطينية، فيما يرى 32% من الجمهور الفلسطيني أن سبب الفوز هو تحول لدى الشعب الفلسطيني نحو المزيد من تأييد حماس.[6] ترتفع نسبة من يعتقدون ان فوز الكتلة الاسلامية يعود لسوء أداء السلطة بين من سيصوتون لحركة فتح في انتخابات تشريعية لو حصلت اليوم حيث يقول 70% منهم بذلك، كما يوضح الشكل التالي.

 

الشكل رقم (2) أسباب فوز الكتلة الاسلامية في انتخابات جامعة بيرزيت في نظر الجمهور الفلسطيني (استطلاع رقم 84، حزيران/يونيو 2022)

 

 

من المفيد في هذا السياق النظر في مواقف الشباب الفلسطيني عموما من السلطة الفلسطينية. تشير نتائج آخر استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية والتي أجريت قبل انتخابات بيرزيت الى ان مواقف الشباب تجاه العديد من القضايا التي تقيم أداء السلطة، والتي تنعكس بدورها على حركة فتح وحجم التأييد لها، هي مواقف لا تصب في مصلحة الحركة. تبدي الأغلبية الشبابية عدم الرضى او الاستياء من أداء السلطة مما ينعكس غالبا على التأييد للحركة او لأطرها المختلفة مثل مجالس الطلبة وغيرها. فمثلا، يظهر الجدول أدناه ان 86% من الشباب يعتقدون بوجود فساد في أجهزة السلطة، و73% يرون ان الناس لا يستطيعون انتقاد السلطة بدون خوف، و64% غير راضيين عن أداء الرئيس محمود عباس، و57% لا يحبذون بقاء الرئيس عباس في السلطة.

 

الشكل رقم (3): مواقف الشباب بين 18-22 من بعض القضايا المتعلقة بالسلطة الفلسطينية (استطلاع رقم 83، آذار/مارس 2022)

 

2) أخطاء حركة فتح

افتقدت حركة فتح لرؤية واستراتيجية لكيفية التعامل مع الشبيبة كقطاع شبابي يمثل مستقبل الحركة، فقد هدفت الحركة ان تكون الشبيبة ملحقة بالحركة وداعمة لها ولقياداتها. وافتقدت الحركة لبلورة رؤية لدور الشبيبة في مواجهة الاحتلال، وهذه واحدة من أكبر اهتمامات الطلاب والشباب. بل افتقدت لبلورة رؤية تتعامل مع القضايا الحياتية التي تخدم المجتمع بشكل عام. فدائما كان التفكير في كيفية خدمة الشبيبة للجسم الرسمي للحركة دون مراعاة لخصوصية الشبيبة التي يجب ان تتمايز عن الحركة الام، خاصة انها تمثل قطاع الشباب الذي له رؤيته المختلفة للعديد من القضايا المختلفة. [7]

ساهمت المواقف الرسمية التي اتخذتها حركة فتح، مثل دعمها المطلق للسلطة وعدم القدرة على التمايز في المواقف في كثير من الحالات، في خسارة الشبيبة. وهنا يبرز مرة اخرى حادث مقتل نزار بنات عندما استنفرت حركة فتح قواعدها وأنزلتهم للشوارع للدفاع عن السلطة في مواجهة مواطنين فلسطينيين محتجين في سابقة خطيرة جعلت من حركة فتح تساهم في الاعتداء على الحريات، بدلا من الدفاع عن الحريات، وفي الاعتداء على غيرها من القيم الديمقراطية التي صاغتها فتح في أدبياتها، والتي كرستها بتجربتها في الجامعات والسجون. بل إن الحركة عزلت منسق الشبيبة والهيئة التنظيمية العاملة معه في الجامعة لقيام الشبيبة في جامعة بيرزيت بإصدار بيان يدين مقتل الناشط نزار بنات ويرفض القمع وتقييد الحريات. تقول احدى الطالبات أن حماس ركزت نشاطاتها قبل الانتخابات بفترة قصيرة على الوضع الخارجي وممارسات السلطة، وخاصة قضية نزار بنات، حيث استغلت بعض الصور لأفراد من كتلة الشبيبة شاركوا في المسيرات التي خرجت ضد المواطنين المعارضين وقد لاقى دور الشبيبة هذا استياءً كبيرا بين الطلاب.

فوق كل ذلك، افتقدت حركة فتح خلال السنوات الماضية للخطاب "الثوري" الذي يتبناه المنافس السياسي للحركة، أي حركة حماس، علما ان حركة فتح اكتسبت معظم القاعدة الشعبية لها في ستينات وسبعينات القرن الماضي نتيجة لذلك الخطاب والفعل "الثوري" الذي تبنته ومارسته الحركة في تلك الفترة الماضية. يعتبر طلاب الجامعات من أكثر الفئات العمرية راديكالية، وبالتالي فان الخطاب "الثوري"، وخاصة المقاوم للاحتلال، هو أكثر ما يشد هؤلاء الطلاب ويعبئهم. فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام أن أغلبية تبلغ 55% من الشباب تعتقد أن العمل المسلح هو الطريقة الأفضل لتحقيق الأهداف الفلسطينية في إنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة، وهي بالطبع الطريقة التي لا تتبناها السلطة الفلسطينية، مقابل 14% فقط من الشباب يرون أن المفاوضات هي الطريقة الأفضل لتحقيق الاهداف الفلسطينية بإنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة.

 

الشكل رقم (4) الطريقة الافضل لتحقيق الاهداف الفلسطينية بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة بين الشباب (18-22) عاما والأكبر سنا (استطلاع رقم 84، حزيران/يونيو 2022)

 

3) مشاكل داخل الشبيبة الطلابية

 

هناك مجموعة من الاسباب وراء الهزيمة تتعلق بعمل وسلوك الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت تتمثل فيما يلي:

ü  قبول الشبيبة الطلابية أن يكونوا ملحقين وتابعين للحركة دون أي تمايز في المواقف: ففقدت الشبيبة في جامعة بيرزيت دورها القيادي الذي طالما تميزت فيه، خاصة في المرحلة التي أصبح يتم فيها تعيين المنسق والهيئة التنظيمية داخلها بدل انتخابه.[8] تقول احدى طالبات جامعة بيرزيت ممن صوتوا للكتلة الاسلامية ان السبب الرئيسي لتفوق الكتلة ليس فقط الربط بين أفعال السلطة الفلسطينية السلبية في الآونة الأخيرة وبين حركة الشبيبةـ، بل لأن بعض أفراد حركة الشبيبة كانوا يعززون هذا الربط من خلال محاولتهم الدفاع عن السلطة وإجراءاتها، مما عزز ذلك الربط عند الطلاب وبالتالي جاءت النتيجة كعقاب للسلطة من خلال انتخاب الكتلة الإسلامية.[9]

ü  غياب النشاطات المنظمة والتعبئة لدى الشبيبة مقارنة بما تقوم به حركة حماس: تقول إحدى الطالبات في تفسيرها لتفوق الكتلة الإسلامية ان الامر متعلق ايضا بالنشاطات الطلابية داخل الجامعة من قبل حركة الشبيبة والكتلة الإسلامية حيث إنه على الرغم من كثرة النشاطات التي قامت بها حركة الشبيبة إلا انها كانت متباعدة وغير منظمة وغير ملموسة بشكل قوي من قبل الطلاب. في المقابل ركزت الكتلة الإسلامية نشاطاتها قبل الانتخابات بفترة قصيرة وكانت منظمة وركزت على الوضع الخارجي وافعال السلطة.

ü  الخلافات الداخلية القائمة احيانا على اسس جغرافية ومناطقية بين ابناء الشبيبة والظاهرة لبقية الطلاب: فهي اولا تضعف الشبيبة وتبعد الاخرين عنها، فالتنظيم غير القادر على ترتيب اموره الداخلية سيكون أضعف من منافسه في عملية استقطاب الطلبة، خاصة في ظل وجود منافس سياسي يسعى لاستغلال اخطاءك.[10]

ü  عدم القدرة على تقديم الافضل للطلاب من خلال برنامج نقابي مهني قادر على استقطاب الطلاب: يقول العديد من الطلاب أن الشبيبة تفتقر لبرنامج نقابي يعالج حاجاتهم الجامعية. بل يقولون إن المنافس الرئيسي الثالث، أو القطب الطلابي، هو الأنجح في عرض برامج نقابية مقبولة.[11]

ü  غياب الحياة الديمقراطية عن عمل الشبيبة في جامعة بيرزيت قبل الانتخابات: كما أشرنا سابقا، أصبح يتم تعيين قيادة الشبيبة من خلال قيادة الحركة، وقد تكون هناك انتخابات مصغرة، وليس من خلال مؤتمر عام يشارك فيه كل ابناء الشبيبة لاختيار قيادتهم كما جرت العادة طوال سنوات العمل الطلابي في جامعة بيرزيت.[12] يؤدي هذا السلوك لزيادة عدد الغاضبين والناقمين من أبناء الشبيبة ما يجعلهم غير مكترثين بنجاحها، وقد يعمل بعضهم على إفشالها. وكان هذا أحد أهم التحديات التي واجهت حركة الشبيبة في الجامعة، أي كيف تسوق نفسها على انها حركة ديمقراطية وهي لا تمارس العمل الديمقراطي في عملها التنظيمي الداخلي.  لكن الحركة تداركت هذا الموضوع بعد الانتخابات وتم انتخاب منسق للشبيبة الطلابية، جرى اعتقاله من قبل الاحتلال لاحقاً.

 

4)  قوة جذب حركة حماس

تسيطر حركة حماس على قطاع غزة منذ حزيران 2007، وقد ساهمت سيطرتها هذه في انخفاض شعبيتها منذ تلك السنة وحتى عام 2015، الا في فترات قصيرة أثناء الحروب الاسرائيلية على قطاع غزة. وقد بدأت حماس تستعيد شعبيتها نتيجة قيام السلطة باتخاذ مجموعة من الاجراءات التي تم الاشارة لها سابقا، وذلك بالرغم من أن حركة حماس لا تقدم نموذجا أفضل في الحكم من حركة فتح.  فهي تمنع الحياة الديمقراطية في قطاع غزة حيث لم يتم اجراء أية انتخابات محلية، كما جرى أكثر من مرة في الضفة الغربية، ولا تسمح بإجراء الانتخابات الطلابية في الجامعات الفلسطينية الموجودة في قطاع غزة، وتتدخل في الانتخابات النقابية فتسمح بهذا وتمنع غيره. وقد ساهم قمع حكومة حركة حماس في قطاع غزة لحراك "بدنا نعيش" في عام 2019 في خسارة تفوق الكتلة الاسلامية في جامعة بيرزيت وحصولها على عدد من المقاعد مساوي لعدد مقاعد الشبيبة في انتخابات مجلس الطلبة في ذلك العام، بل كان التفوق في عدد أصوات الطلاب لصالح الشبيبة بحوالي 68 صوت.[13]

لكن حركة حماس حافظت على خطابها السياسي المنادي بمقاومة الاحتلال من خلال جميع انواع المقاومة وفي مقدمتها العمل المسلح، حيث خاضت في أيار 2021 حربا مع الاحتلال الاسرائيلي بسبب التعديات والاجراءات الاسرائيلية في مدينة القدس. ساهمت تلك الحرب في رفع شعبية الحركة بصورة واضحة، وهذا ما اظهرته الاستطلاعات قبل وبعد الحرب.[14]

 

الشكل رقم (5): توجهات المواطنين الانتخابية قبل وبعد الحرب على قطاع غزة في أيار 2021 (استطلاع رقم 79 في آذار/مارس 2021 واستطلاع رقم 80 في حزيران/يونيو 2021)

 

5) تدخلات الاحتلال الإسرائيلي تخدم المعارضة للسلطة

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بحملة اعتقالات بحق عدد من ناشطي ومرشحي الكتلة الاسلامية في الجامعة قبل الانتخابات بأيام. يعتقد عضو المجلس الثوري لحركة فتح، حسن فراج، أن هذا التدخل من قبل الاحتلال يساعد من زيادة حجم التعاطف مع طلاب الكتلة الاسلامية وبالتالي ينعكس على التوجه الانتخابي للطلبة. وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت عددا من المرشحين المحسوبين على حماس في آذار/مارس 2022. ويضيف فراج أن عمليات الاعتقال هذه تخلق تعاطفا مع من تم اعتقالهم من قبل الاحتلال.[15] وهذا ما أيده عدد من الطلبة، سواء ممن انتخبوا الشبيبة او الكتلة الإسلامية، حيث جزموا بأن الاعتقال من قبل الاحتلال يساهم في زيادة شعبية المعتقل.

 

التوصيات:

خرجت الدراسة بمجموعة من التوصيات للسلطة الفلسطينية وحركة فتح وحركة حماس والشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت.

توصيات للسلطة الفلسطينية:

·          عدم التدخل في الانتخابات الطلابية وغيرها من شؤون الطلبة، وخاصة من قبل الأجهزة الامنية الفلسطينية، لأن ذلك ينعكس سلبا على النتائج في ظل رفض الطلبة لهذه التدخلات.

·          المحافظة على العملية الديمقراطية في بقية الجامعات والنقابات وتشجيع عقد الانتخابات في المواقع التي لا يوجد فيها انتخابات.

توصيات لحركة فتح:

·          وقف التدخل من قبل قيادة الحركة في حركة الشبيبة واعطائهم المساحة اللازمة لإنجاح عملهم وقيامهم بدورهم النقابي، فهؤلاء الطلاب هم قادة المستقبل.

·          إعادة صياغة برنامج وطني يعيد ترتيب الحالة الوطنية وكل ما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال، واستعادة حركة فتح لدورها القيادي في العمل الوطني والمواجهة مع المحتل.

·          تبني مواقف أقرب للمواطن في القضايا الوطنية واليومية المتعلقة بحياة الناس بحيث تكون متمايزة عن مواقف السلطة.

·          إعادة صياغة حركة فتح وبنائها من خلال عقد مؤتمر عام لحركة فتح بشكل نزيه وعادل يقوم على اسس ديمقراطية حقيقية وتمثيل حقيقي لكافة قواعد حركة فتح، وبحيث يكون هذا المؤتمر قادرا على انتخاب قيادة للحركة تعيد تقييم المرحلة السابقة والاستفادة من الاخطاء السابقة واخذ العبرة منها.

توصيات لحركة حماس:

·          السماح بإجراء الانتخابات بشكل منتظم في الهيئات المحلية والجامعات والنقابات والاتحادات الشعبية والجمعيات الخيرية والأهلية وغيرها، وإعطاء المزيد من الحريات للفعاليات والاحتجاجات المخالفة بالرأي، والمضي نحو تمكين الناس من اختيار ممثليهم في هيئاتهم المحلية والطلابية والنقابية. فمن غير المعقول ان تتغنى حماس بانتصاراتها في جامعات الضفة الغربية وهي تمنعها وتضيق على الحريات في قطاع غزة.

توصيات للشبيبة الطلابية:

·          المضي قدما بتعزيز الديمقراطية الداخلية في حركة الشبيبة والاستمرار في اجراء الانتخابات الداخلية كما حصل مؤخرا بعد الخسارة حيث جرى انتخاب قيادة الشبيبة من قبل طلاب الشبيبة في الجامعة.

·          محاربة اي ظواهر سلبية داخل الشبيبة مثل المناطقية والفئوية والتي تؤدي لتفريق الجهود وتشتيت الاصوات.

·          عدم تبني مواقف السلطة غير المقبولة شعبيا او الدفاع عنها من قبل افراد الشبيبة


 

علاء لحلوح: باحث في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، يحمل درجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت حيث تخرج منها في العام 2003. له العديد من الأبحاث في مجالات التحول الديمقراطي والمساءلة والنزاهة في قطاع الامن والحركة الوطنية الفلسطينية. شارك في اعداد تقرير فلسطين في مقياس الامن العربي وتقرير حالة الإصلاح في العالم العربي، مقياس الديمقراطية العربي.  من منشوراته: "واقع المساءلة على المؤسسات التي تم إتباعها للرئيس"، صادر عن أمان، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة، 2022، و"فاعلية وحدات التدقيق الداخلي والرقابة في قوى الأمن"، صادر عن المنتدى المدني لتعزيز الحكم الرشيد في قطاع الأمن، 2022، و"التحديات التي أجبرت حركة فتح على تأجيل الانتخابات العامة،" صادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 2021، و"تنامي سلطة العشائر على حساب سلطة الدولة واثر ذلك على السلم الأهلي في فلسطين،" صادر عن ريفورم، 2020.

 

وليد لدادوة: ماجستير في علم الاجتماع ومسؤول وحدة البحوث المسحية في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (رام الله، فلسطين) وعضو في المجلس الاستشاري للإحصاء الفلسطيني في الفترة ما بين 2005 - 2008.  أنهي دراسة الماجستير في جامعة بيرزيت في فلسطين عام 2003 كما اكمل عدة كورسات تدريبية في مجال الابحاث اخرها كورسات تدريبية في جامعة ماتشجن في الولايات المتحدة حول تقنيات البحوث المسحية في عام 2010.  أشرف على أكثر من 70 استطلاع للرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذو خبرة عالية في إعداد المواد التعليمية وادارة العمل الميداني وتحليل البيانات باستخدام برامج التحليل المختلفة. نشر وشارك في عدة اوراق بحثية وكان آخرها بالمشاركة مع خليل الشقاقي "هل يمكن للتفوق الديمغرافي العددي أن يكون سلاحاً فعالاً في النضال لتحقيق الحقوق الفلسطينية،" صادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيلول (سبتمبر) 2022.

 

المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية

مؤسسة أكاديمية علمية بحثية مستقلة غير ربحية وغير حكومية. تأسس المركز في مطلع عام 2000 كمركز مستقل للبحوث الأكاديمية ودراسات السياسات العامة. يهدف المركز إلى تطوير المعرفة الفلسطينية وتقويتها في مجالات ثلاث: السياسات الفلسطينية الداخلية؛ والتحليل الاستراتيجي والسياسة الخارجية؛ والبحوث المسحية واستطلاعات الرأي العام. يقوم المركز بالعديد من النشاطات البحثية، منها إعداد الدراسات والأبحاث الأكاديمية ذات العلاقة بالسياسات الفلسطينية الراهنة، وإجراء بحوث مسحية حول المواقف السياسية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، وتشكيل مجموعات عمل لدراسة قضايا ومشاكل تواجه المجتمع الفلسطيني وصانع القرار ووضع حلول لها، وعقد المؤتمرات والمحاضرات والموجزات المتعلقة بشؤون الساعة، ونشاطات أخرى. يلتزم المركز الفلسطيني للبحوث بالموضوعية والنـزاهة العلمية ويعمل على تشجيع تفهم أفضل للواقع الفلسطيني الداخلي وللبيئة الدولية وبلورته في أجواء من حرية التعبير وتبادل الآراء.                                                                                                                                                                                                     

يتم القيام بالنشاطات والأبحاث في المركز من خلال وحدات ثلاثة: وحدة السياسة الداخلية، وحدة التحليل الاستراتيجي، ووحدة البحث المسحي. تقوم هذه الوحدات بممارسة أربعة أنواع من النشاطات: كتابة البحوث والتحليلات السياسية، وإجراء البحوث المسحية التجريبية واستطلاعات الرأي العام، وتشكيل فرق الخبراء ومجموعات العمل، وعقد وتنظيم المؤتمرات واللقاءات. تقوم هذه الوحدات بالتركيز على المستجدات في الساحة الفلسطينية وعلى الموضوعات السياسية ذات الأهمية الخاصة والتي تحتاج إلى البحث العلمي والأكاديمي.

هذه الورقة هي الرابعة ضمن الأوراق السياساتية النقدية التي يصدرها المركز للعام 2022. تتناول هذه الأوراق قضايا سياساتية داخلية وخارجية تهم المجتمع الفلسطيني وصانع القرار.