السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

احتكار السلطة وفوضى الحكم.. وجهان لعملة واحدة/ بقلم: جمال زقوت

2023-04-11 10:18:52 AM
احتكار السلطة وفوضى الحكم.. وجهان لعملة واحدة/ بقلم: جمال زقوت
جمال زقوت

 

تزداد يومياً حالة تراجع الثقة بالسلطة، كما تؤكد ذلك ليس فقط كافة استطلاعات الرأي، بل وقدرة السلطة على بسط سيطرتها، أو معالجة الأزمات المتعددة التي تواجهها، وتتسع معها حالة الفراغ والفجوة بينها وبين الشعب. يعود ذلك بشكل أساسي إلى أنه ورغم الفشل الكبير لمسار تسوية أوسلو، إلا أن القيادة السياسية تصر على عدم مراجعة هذا المسار، وتستمر في اللهاث وراء السراب، سيما أن المجتمع الدولي لم يعد يكترث كثيراً بالقضية الفلسطينية وبالعدوانية الإسرائيلية على الأرض والحقوق الفلسطينية، الأمر الذي ساهم، وضمن عوامل أخرى من ضمنها حالة الوهن والانقسام الفلسطيني، في صعود اليمين الفاشي إلى سدة الحكم في إسرائيل؛ وفق خطة محددة لحسم الصراع وتصفية الحقوق الفلسطينية. ورغم حركة الاحتجاجات الواسعة داخل المجتمع الإسرائيلي، إلا أن قضية الاحتلال والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ظلت خارج اهتمام المجتمع وهذه الاحتجاجات، وبقيت استراتيجية التوسع والضم الاستيطاني تشكل إلى حد كبير موقع إجماع في إسرائيل، دون أي التفات إلى أن البنية التحتية لصعود القوى الفاشية تتلخص في التوسع الاستيطاني، والسعي لتطبيق الشريعة اليهودية لاستكمال ضم أرض فلسطين وإنكار وجود الشعب الفلسطيني من ناحية، وفرض الشريعة ذاتها على مؤسسات الحكم والمجتمع في إسرائيل.

رفض المراجعة والانفراد بالحكم

بدلاً من تلك المراجعة التي تتضح الحاجة الوطنية لها، وبفعل استفحال حالة الانقسام وأثره على تفكيك المؤسسات الفلسطينية في إطار السلطة والمنظمة، حيث تم حل المجلس التشريعي، واستُبدِل المجلس الوطني بالمركزي، وهمشت اللجنة التنفيذية، كما استُكملت السيطرة على سلطة القضاء من خلال مجموعة متضاربة من القرارات بقانون، تتناقض في معظمها مع القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية. أي باختصار؛ قد تمت السيطرة المطلقة على سلطة القرار والانفراد به على حساب المؤسسة ودورها.

غياب الحكومة في الوعي الشعبي

بفعل هذه الهيمنة والتفرد بمكونات الحكم، وفي ظل غياب الشفافية وأدوات المساءلة والمحاسبة البرلمانية، انهارت الثقة الشعبية بالسلطة، حيث فقدت تدريجياً دور مؤسساتها، بل وفقدت السلطة ذاتها المبرر الذي نشأت من أجله، والمتمثل جوهرياً في تعزيز قدرة الناس على الصمود في سياق معركتها الأساسية لإنهاء الاحتلال، وللأسف استُبدلت هذه المعركة بمعركة الصراع الداخلي على وراثة وهندسة أدوات السيطرة على السلطة، بعيداً عن الإرادة الشعبية وتحديات معركة الصمود. وقد امتد هذا الصراع لدور الحكومة، التى بدت بفعل هذا الصراع، وبسبب تخليها عن هامش مكانتها التي ينص عليها القانون الأساسي، خارج الوعي الشعبي، سيما أنها تميزت بوعودها الكبيرة التي تذهب أدراج الرياح، إما لعدم واقعيتها، أو افتقاد آليات فعّالة لتنفيذها.

أزمة إضراب المعلمين نموذجا لانعدام الثقة

في سياق هذه الوعود جاء الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع المعلمين، والذي يبدو أنه تحوّل إلى عقدة خطيرة في إطار الصراع الداخلي، يدفع ثمنه الناس وقدرتهم على الصمود. في وقت أن الحكومة لم تبذل أي جهد لتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ هذا الاتفاق، الأمر الذي يشي بأنه من وجهة نظر الحكومة لم يكن أكثر من مجرد وعود، وليس استحقاقا للتنفيذ، والسؤال الذي يطرحه المعلمون والناس هو: إذا كانت أزمة الاتفاق مع المعلمين تكمن في عدم توفر الموارد المالية، فلماذا لم تتم إعادة جدولة أولويات الإنفاق، والتصدي لمظاهر هدر المال العام، ولظاهرة الفساد التي ترتفع إلى معدلات غير مسبوقة. بالتأكيد فإن ذلك وغيره يعود لبنية وطبيعة الحكم التي باتت تتسم بالانفراد المطلق في اتخاذ القرارات، ليس فقط المالية منها، بل والاقتصادية والسياسية والأمنية دون أي اعتبار لتردي الأحوال الاجتماعية والمعيشية للمواطنين. هذا في وقت تتراجع فيه الحريات الإعلامية وحرية التعبير، ويجري فيه الافتراق كلياً عن المبادئ الأساسية التي أجمع عليها شعبنا في وثيقة الاستقلال إزاء أسس وطابع الدولة المدنية التي يتطلع إليها ويناضل من أجل تحقيقها.

تفاقم الأزمات الداخلية وفوضى الحكم

الأزمات الداخلية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني سواء أزمة إضراب المعلمين، أو غيرها، سيما المحامين الذين رفعوا البطاقة الحمراء إزاء مخاطر الهيمنة على سلطة القضاء، ومخاطر انهيار الثقة بها على صعيد المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي. وهذا ما نحصد نتائجه؛ فاذا كان تفكك المشروع الوطني، وتخلي الحركة الوطنية عن دورها، وعجز القيادة عن حماية الناس ومصيرهم الوطني، دفعت أعداداً واسعة من الشباب لأخذ المبادرة بأيديهم والارتجال في أشكال مقاومة الاحتلال، فإن انهيار الثقة بسلطة القضاء دفع بعضهم لأخذ القانون باليد وتنفيذ الإعدام خارج القانون، الأمر الذي وإن كان ينسجم مع حالة الغضب الشعبي وانهيار الثقة بالسلطتين التنفيذية والقضائية، فإن استسهاله ينذر بأوخم العواقب على السلم المجتمعي، والذي لن يسلم منه حتى المسؤولون، فكلنا يتذكر إعدام "اغتيال" راجح أبو لحية وتيسير خطاب وموسى عرفات في قطاع غزة، والتي مهدت بمجملها لانقلاب حماس على السلطة، ناهيك عن حالة الفوضى وما رافقها من أخطاء في هذا المجال عبر مسيرة الثورة والانتفاضتين، وما ألحقته من مخاطر على تلك المسيرة.

هذه الأزمات الكبرى التي تعصف بالسلطة، تندفع تدريجياً نحو حالة من الفوضى تهدد بتقويض وحدة وتماسك المجتمع ما لم يجرِ القيام بمراجعات شاملة وجذرية بمشاركة الكل الوطني وفي صلبه القطاعات الاجتماعية المتضررة. إلا أن ما يزيد الطين بلةً هو أن السلطة، ورغم ذلك، ما زالت تعتقد بأن معالجة الملف الأمني، واستعادة بسط سيطرتها، يأتي فقط لإثبات قدرتها على كسب ثقة الخارج في وكالتها الأمنية، واستمرار الرهان عليه، دون اعتبار للإرادة الشعبية، بل والتصادم معها في بعض الأحيان؛ في وقت أن تدهور الأوضاع الداخلية لم يعد يحتمل "تجريب المجرب" رغم نتائجه الكارثية، كما أن الاعتقاد بأن القيام بتغيير شكلي جزئي أو كلي للحكومة دون تغيير النهج ومعالجة الأسباب التي أوصلتنا وأوصلت السلطة ذاتها إلى ما هي عليه، فلن تؤدي سوى لمزيد من الاحتقان الداخلي وتعميق الأزمة الوطنية، وما ولدته من أزمات، وحالة فوضى الحكم السائدة.

الوحدة والديمقراطية شرطان لاستعادة دور المؤسسات الجامعة

إن الذهاب إلى حكومة جديدة بات ضرورة وطنية، لكن ذلك يجب أن يتم باعتباره جزءاً من مكونات التوافق الوطني على مغادرة النهج الطاغي، وفي مقدمته استمرار حالة الانقسام وما ولدته من احتكار وتقاسم السلطة، وبلورة استراتيجية عمل وطني جوهرها الصمود الشعبي والرسمي، وبحيث تكون أولوية الحكومة العمل على توفير متطلبات هذا الصمود عبر سياسات اقتصادية واجتماعية وحقوقية كفيلة بتحقيق ذلك، بالإضافة إلى المعالجة الوطنية للملفات التي نجمت عن الانقسام، وتوفير المناخات السياسية والقانونية الكفيلة باحترام حقوق المواطنين، وفي مقدمتها الانصياع لإرادتهم بالتحضير للانتخابات العامة وضمان نزاهتها، وبما يشمل إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، في سياق تحدي سلطة الاحتلال، وليس التخفي وراء سياساته الرامية لتهويد المدينة المقدسة وعزلها عن مركزها الوطني. فالمهمة المركزية على الصعيد الداخلي تتمثل في استعادة الوحدة والديمقراطية، ومغادرة سياسة الهيمنة والإقصاء والتفرد، واستعادة دور المؤسسات الوطنية الجامعة في قيادة النضال الوطني.

العدالة أساس لترسيخ ثقافة التضحية

في هذا السياق وفي إطار سيادة مبدأ العدالة في توزيع الأعباء والموارد، وإعمال مبدأ المشاركة الشعبية في صنع المستقبل والمصير الوطني، فإن المعلمين كما غيرهم من القطاعات الأخرى ستكون مستعدة للتضحية المطلوب ترسيخها كثقافة كفاحية عامة، وستكون بالتأكيد جاهزة لمضاعفة جهودها من أجل النهوض بالمجتمع ومناعته الوطنية، وصون وحدة نسيجه الاجتماعي وقدرته على مواجهة وإسقاط مخططات الاحتلال، سيما المتصلة بمخططات الضم الاستعماري، وتهويد مدينة القدس والسيطرة على مقدساتها.