الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فاتورةُ الدم..

2014-07-21 06:58:50 AM
فاتورةُ الدم..
صورة ارشيفية

بقلم: أحمد زكارنة

 هي غزة قلتُ ونقولُ، ولكن، ما حاجةُ غزة للقولِ في زمنِ الفعلِ؟ هذا سؤاليَ اليوم وما بعدَ بعد اليوم، والوقتُ شتاءٌ يُغرقُنا بالدمِ. فيما يقفُ الموتُ بالبابِ، وربّما يترجّلُ في المدنِ والشوارعِ والبيوتِ، والأهمُ في الحلمِ، حلمنا المأهولِ بأمنياتِ الانتصارِ، بأن يكونَ قرارُنا بينَ أيدينا لا في عواصمِ العارِ.

نعم، للقولِ فعلٌ لا يمكنُ أن ننكرَهُ، أو ننكرَ سطوتَهُ، وهو يصيرُ سرباً، أو ريحاً صرصراً تُبشرُنا بأنَّ قلبَ الأمِّ الثكلى يَسمعُنا، ويسمعُ بكاءَنا الذي ورثناهُ عن تجربةِ الصمت، تجربةِ التيه، أو الهذيان. ليبقى السؤالُ برسمِ الحكاية، حكايتُنا معَ أنفسِنا، ومع الآخرِ النقيض.

لديّ جوابٌ يتيمٌ في زمن ِاليُتم، جوابٌ قد نتفقُ أو نختلفُ عليه، ولكنهُ يبقى في حيّزِ محاولةٍ تجثو لفكِ طلاسمِ الفارق ما بين القولِ والفعل، فهي غزة، قطعةٌ من لحمِ فلسطين، ودمُ خريطتِها من الماء إلى الماء، مشكلتُنا معها أنها لا تثقُ إلا بالفعل، والفعلُ تجارةُ قادرٍ، لا نبيذَ راقصٍ في حضرةِ ثور.. هي غزةُ التي لا تعرفُ وقتاً للبكاء، ولا تُصغي كلما صمدت، للتصفيق، ولا تريدُ منا لغةَ التهريج.. أنت بائعٌ، أنت خائنٌ، أنت حرٌ أو عبدْ.. هي تريدُكَ ظهيراً لها، بل شريكاً متورطاً في الدم.

هي الآنَ ترانا، تعدُّ أنفاسَنا، وحروفَ لغتِنا.. تشعرُ باحتدامِ الدهشةِ في عيونِنا، وهي تصعدُ أو تخبو.. ليس لأن الحجابَ مرفوعٌ عنها، وإنما لأننا نغرقُ في عراءِ القولِ حيناً، وسذاجتِهِ أحياناً أخرى، ونحن نُشبعُ غرائزِنا بالصراخِ، بالشتمِ، بالتفكيكِ، والتمحيصِ، والتحليلِ دونَ فعل. ومع ذلك هي تحبنا دون قيدٍ أو شرط.

غزةَ الآنَ تعرّينا، تكشفُ عوراتِنا، تفضحُ قبحَنا، وهي لا تَجدُ منْ يُؤنسُ وحدَتَها، وقد أكلَ منها الجوعُ لفعلٍ ينزعُ رائحةَ الدمِ والبارود، فعلٍ لا يستقر، بل يدخلُ في السؤال، متى سيتلاشى عدمُ ثقتُنا بأنفسِنا دفعةً واحدة؟ ومتى سنُصغي لصوتِ النصر الصارخِ داخلَنا؟

متى سننعمُ باليقين؟ بأن ليس لغزةَ متحدثٌ رسمي، لا مقاومٌ، ولا خانعٌ، فالأولُ يُدافعُ عن حقهِ في الحياةِ ولو بالموت، والآخر ُكذلك يُدافعُ عن حقهِ في الحياةِ ولو بالقول. واليقينُ يؤكدُ أن لا متحدثَ لها سوى تلك الأرواحُ الوارفة.

  لنَعد الآن إلى الأهم، غزة اليوم تنزفُ نعم، ولكنها بنزفهِا تهبُنا خارطةً للروح، خارطةً تُخرجُ الخيطَ الأبيضَ منَ الأسود، لنعي أن الحلَّ بأيدينا، بقولنا حين يتلائمُ وفعلَنا، بأن لا نثقَ إلا في أنفسِنا وما يُمكننا أن نقدمَ من قربانٍ لقاءَ حريتِنا في قرارنا وأرضنا.

حريةٌ تُطالبُنا بإلحاحٍ أن نكفَ عن مناكفاتِ بعضِنا البعض، كي نستحقَّها، لا كي نخلقَ لأنفسِنا خصوماً لنا من بيننا.. حريةٌ قد تُسعفُنا من نزقِ ذواتِنا لنحيا الغدَ كتفاً بجوار كتف، لا سلاحاً في وجهِ سلاح.

فلقد أضعنا الكثيرَ من الوقت، ولا نعلم كم يلزمنا من الوقت، ونحن نَدورُ، نَدورُ في حلقةٍ مفرغَة، يَحشدُ كلٌ منا أنصارَهُ، فقط ليثبتَ أن مقولتَهُ هي الحق، وكأن الحقَ قولٌ لا يتبعُه فعل.. نعم أضعنا الكثيرَ من الوقتِ، وحالتنا لحظةُ تلاقي الحياةِ بالموت، لدفعِ فاتورةِ الدم.فهل نخجل؟.