الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القبور الوهمية.. حجة المستوطنين لاقتحام الأماكن الفلسطينية المقدسة آخرها في حيفا

2023-08-13 11:14:15 AM
القبور الوهمية.. حجة المستوطنين لاقتحام الأماكن الفلسطينية المقدسة آخرها في حيفا

دير مار الياس في مواجهة مزاعم المستوطنين التهويدية

وديع أبو نصار: الحكومة اليمينية المتطرفة تغذي الأجواء والتيارات المتشددة

حليم حداد: ما يحدث في دير مار الياس ما هو إلا واحد من الانتهاكات المتكررة والممنهجة من الاحتلال

سيرين شحادة: هناك حاجة لوجود لجنة شعبية تعمل على إيجاد حلول مستمرة ودائمة لهذه القضايا

 

الحدث- سوار عبد ربه

يعرف عن المستوطنين كثرة ادعاءاتهم بوجود قبور وهمية لأنبياء وقديسين يهود، وآخرين ممن لهم أهمية تاريخية، في مناطق القدس والداخل المحتل، كذريعة يتخذونها بين الفينة والأخرى، لاستكمال عمليات التهويد والاستيطان والسيطرة على الأماكن الفلسطينية التاريخية والدينية، إذ تعمل مجموعات استيطانية على تنظيم زيارات تبدأ بأعداد قليلة لمستوطنين متطرفين إلى المنطقة التي يزعمون وجود قبر مقدس فيها، لتنتهي باقتحامات ممنهجة لأعداد كبيرة من هؤلاء المتطرفين.

تبدأ الاقتحامات عادة بأفراد لا يزيد عددهم عن 10، يمارسون بعض الشعائر التوراتية، تليها بعد أيام اقتحامات بأعداد كبيرة، يؤدون ممارسات استفزازية، إلى جانب الصلاة في أماكن لا تمت لهم بصلة.

آخر هذه الادعاءات، كانت في كنيسة مار الياس في حيفا بالداخل المحتل، المعروفة أيضا باسم كاتدرائية مار إلياس للروم الكاثوليك، وهي مقر أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك.

بدأت الاقتحامات قبل شهرين، بحسب مستشار العديد من الكنائس في الأرض المقدسة وديع أبو نصار، حيث أوضح في لقاء خاص مع صحيفة الحدث أن الأحداث بدأت في شهر أيار الماضي، إذ قامت مجموعة من المستوطنين عددها لا يتجاوز الثلاث، بتأدية طقوس دينية أمام مدخل كنيسة مار الياس، ثم أخذت الزيارات تتكرر بأعداد مضاعفة، حتى وصل عددهم إلى 40 شخصا وأكثر، ومنهم من دخل إلى حرم الكنيسة.

وأضاف: "هذه الاقتحامات، كانت تحدث أحيانا بعد منتصف الليل، وفي اقتحامهم الأخير، بدأت المناوشات بين الشبان الذين يحرسون الدير".

وبحسب أبو نصار، فإن هذه المجموعات، تتبع لمنظمة "شوفو بنيم"، وهي مدرسة يهودية دينية في القدس، تدعي أن في الدير قبرا للنبي اليشع، وهذه الادعاءات ليست صحيحة، والأمر الذي أثبتته الكنيسة للمقتحمين أكثر من مرة، مؤكدا أن هذا النبي مهم أيضا في الديانة المسيحية، ولو كان القبر موجودا بالفعل لكانت الكنيسة أكرمته وأقامت له ضريحا، إلا أنه في التوراة اليشع مدفون شمال شرق فلسطين، بالقرب من الأردن.

ويرى مستشار العديد من الكنائس في الأرض المقدسة أنه بمجرد استمرار هذه الاقتحامات بهذه الأعداد، يعني أنه لا يوجد من يردع المقتحمين، ما يمكن أن يؤجج الوضع ليصل إلى مواجهات عنيفة قد تودي بحياة شبابنا.

"وشوفو بنيم" هي طائفة يهودية حديثة وتعني باللغة العربية "ارجعوا يا أولادنا"، ضمن طائفة بارسلاف، وهي واحدة من أبرز طوائف الحريديم الأشكناز، وتشتهر بأنها من أكثر طوائف اليهود تشددا، ويترأسها الحاخام "اليعازر بريلاند".

أقامت هذه الطائفة في مدينة "بني براك" بالقرب من "تل أبيب" عام 1978، ثم فتحت أولى مدارسها الدينية عام 1980 في القدس المحتلة، واليوم تتحكم في عدد من المدارس التوراتية في المدينة، وقد اعتُرف بها كطائفة دينية عام 2018.

وتعتبر إحدى المجموعات الخمس التي تسعى لتحقيق أهداف الاستيطان في قلب القدس، وتنظّم المسيرات وتفتعل أسبابا للتصادم مع المقدسيين في البلدة القديمة، وهي؛ عطيرت كوهانيم (التاج المقدّس)، تورات كوهنيم (العلم المقدّس)، حركة الشبيبة الإسرائيلية، شوفو بنيم (عودوا أيها الأبناء)، وعطارا ليوشنا.

حراك شبابي وخطوات رادعة

وبمعزل عن المسار القانوني الذي تتخذه الكنيسة، يجري العمل على إحاطة الدير ببوابات وسياج حديدي، حتى تصبح حدوده أكثر وضوحا، أمام من يزعم أن ساحة الدير مفتوحة وحدودها غير واضحة، ما يعني أن من يخترق هذه الحدود، يعتبر وكأنه ارتكب جناية.

وأشار أبو نصار إلى أن الجبل المقام عليه الدير هو ملك خاص للدير، ويجب معرفة محيطه وحدوده.

كما قام الشبان في حيفا والمناطق المجاورة ومن القدس أيضا، بالتطوع لحماية الأماكن المقدسة من خلال التواجد المكثف والمستمر في هذه الأماكن.

وبحسب أبو نصار وهو من مواليد حيفا، فإن هذه الأحداث هي سلسلة جديدة، تقوم بارتكابها المجموعات المتطرفة، بسبب تصاعد الحكومة اليمينية المتطرفة التي تغذي الأجواء والتيارات المتشددة، التي تشعر وكأنها فوق القانون.

ودير مار الياس واحد من عدة قضايا شبيهة في البلاد، إذ تشهد مدينة القدس المحتلة اعتداءات متكررة، هذا بسبب الشعور الذي يتملك هؤلاء المتطرفين بأنهم فوق القانون، ومسموح لهم أن يفعلوا ما يشاؤون، ومتى يشاؤون.

وتعد كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك أكبر الطوائف المسيحية في أراضي 48 المحتلة، وقد أنشأت من قبل البابا بولس السادس، ويتبعها 64,000 مُعمّد معظمهم من فلسطينيي الداخل المحتل.

من جانبه، قال الناشط الاجتماعي حليم حداد في لقاء خاص مع صحيفة الحدث، إن ما يحدث في دير مار الياس ما هو إلا واحد من الانتهاكات المتكررة والممنهجة من الطرف الصهيوني.

ويرى حداد أنه جندي من واجبه حماية الأماكن المقدسة ضد كل عملية سياسية في هذه البلاد، وكل ما يمس أبناء شعبنا، سواء أكان المكان كنيسة أم جامعا، إذ تشكل هذه الاعتداءات باعثا للأهلي كي ينهضوا للاحتجاج ضدها.

أما عن الدور الشبابي في صد هذه الاعتداءات فاعتبر حداد أن الشباب وقفوا بموقف محترم، وكان دورهم إيجابيا، ومنهم من جند نفسه لحراسة المكان والنوم فيه أيضا منعا لأي اقتحام في وقت متأخر من الليل.

حاجة لوجود جسم جامع

من جانبها، قالت الناشطة سيرين شحادة، إن صد الاقتحامات من قبلنا رافقه ازدياد في أعداد المقتحمين، إلا أننا بدورنا نعمل على منع هذه التعديات الفاشية العنصرية.

وترى شحادة أن الشباب في هذه القضية يؤدون الدور المركزي، إلا أن الفعاليات ليست منظمة بطريقة كبيرة، وتتم عملية التواصل فيما بينهم عبر مجموعات على تطبيق "واتساب"، مشددة على أن تواجدهم في المنطقة يشكل رادعا أمام التعديات، ومن غير هذا التواجد لا يمكن حماية الكنيسة.

وشددت الناشطة شحادة، على الحاجة لوجود لجنة شعبية تعمل على إيجاد حلول مستمرة ودائمة لهذه القضايا، وكي تحتوي الشباب وتمنع تلاشي طاقاتهم.

كما أشارت إلى ضرورة وجود جسم جامع ينظم الفعاليات ويضع استراتيجية عمل واستمرارية للنشاطات.

وكان الأب مكاريوس جريس الذي شارك في صد الاعتداءات قد توجه إلى الشبان من أمام ساحة الدير برسالة معبرة في الأيام الأولى من الاحتجاجات، قال فيها: "تذكروا أن شخصا اسمه يسوع المسيح، ابن بلادنا الذي تجسد في هذه الأرض، وشرب من مائها وقبر في قبرها وقام منها وصعد إلى السماء، لذا لن نتركها ولن نترك كنيستنا إلا عندما نعود إلى ربنا في السماء".

وأضاف الأب: "نحن في كنيستنا نتوجه إلى اليهود المتزمتين الأوباش، ليس لديكم ما تفعلونه هنا، وهذا الوقف سيبقى مسيحيا من الآن وإلى الأبد".

وتقديرا للشباب الذين هبوا للدفاع عن كرامته وحقه المطلق في الحفاظ على مقدساته من التعديات المبرمجة منذ سنوات طويلة، قال الأب الإكسرخىس فوزي خوري، في كلمة بعثها إلى مكاريوس بخصوص التعدّيات على دير مار إلياس: كل فرد منكم يمثل الكنيسة بكافة انتصاراتها، وكلكم ختمتم بختم المسيح وروح القدوس، وكما دافع مار الياس عن الإيمان القويم سيدافع بواسطتكم عن هذا الجبل المقدس، الذي يحمل اسمه.

وأضاف: "تحاربون اليوم بسيف الحق لتقولوا للمعتدين كفى، وأنتم الشبيبة لن يستطيع أحد أن يلين قناعتكم، بهذه الوقفة الشريفة تقولون للمعتدي ما قاله السيد المسيح لمن كان خصمه في الماضي: "صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ".  

بدروها، أدانت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، اعتداء مجموعة من المستوطنين المتطرفين على دير مار الياس في حيفا، ومحاولة اقتحامه.

جاء ذلك في بيان صدر عن رئيس اللجنة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رمزي خوري، أشار فيه إلى تصاعد الاعتداءات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية، مضيفا أن هناك محاولات لاختلاق الروايات والأساطير من قبل المستوطنين المتطرفين عن مقامات دينية لا تمت للحقيقة بصلة، كما حدث في وقت سابق في منطقة قبر يوسف بمدينة نابلس وغيرها.

وأكد خوري أن هذه المحاولات كافة هي سياسات ممنهجة لتطبيق التهويد الذي تسعى له الحكومة الإسرائيلية، مضيفا أن الاعتداءات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية هي نتيجة للصمت العالمي على كافة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وعدم وجود رادع حقيقي يضع حدا للسياسات الإسرائيلية العنصرية.

وقال خوري إن الأمم المتحدة تحتاج أن تتحمل مسؤوليتها لتجبر إسرائيل على تطبيق القوانين والشرعيات الدولية.

وانطلقت الأسبوع الماضي وقفة تضامن واعتصام، في ساحة دير وكنيسة مار الياس في جبل الكرمل في حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل.

وشارك عدد من أبرز الأساقفة في الداخل المحتل، من بينهم راعي أبرشية عكا والجليل المطران يوسف متى، المطران موسى حاج، المطران رفيق نهرا، وحشد من المواطنين.

وحاولت شرطة الاحتلال تقييد عدد المشاركين في النشاط الاحتجاجي، عبر إغلاق الطريق أمام الوافدين إلى دير وكنيسة مار الياس، الأمر الذي لم يمنع العشرات من الوصول إلى ساحة الكنيسة للاحتجاج على اعتداءات المستوطنين.