السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزَّةُ ترثي فضيحة الإنسان

2014-07-22 08:42:55 AM
غزَّةُ ترثي فضيحة الإنسان
صورة ارشيفية

ضوء في الدَّغْل

 محمد الأمين سعيدي/شاعر وأكاديمي جزائريّ

ما الذي تقولُه القذيفة لأشلاءِ أطفالِ غزَّة المبعثرة تحتَ أنقاض الأبنية المقصوفة وعلى أرصفة الطرقات؟؟!!! ما تهمسُ به النهايةُ في آذانهم الصغيرة بعد أنْ تعتذرَ لهم عن سوءِ الحظِّ الذي صار دوْمًا من حظِّهمْ؟؟ !! لا ريبَ أنَّ القذيفةَ تبكي بمرارةٍ حين ترى هولَ ما فعلتْه بسببِ فقدانِ الإرادةِ، وفي الآن نفسِه تلعنُ اليدَ التي ضغطتْ على زرِّ الإطلاق لتجهشَ بفناءٍ صناعيٍّ يفتكُ بكلِّ شيء. لكنَّها أيضا-القذيفة المأسورة-تعظِّمُ إرادةَ الحياة التي تشتعلُ في عيونِ أطفالِ غزَّة الأبرياء الذينَ يلعنونَ فقدانَ الإرادة الذي صارَ عنوانَ الإنسانية اليوم؛ إرادةِ تسمية الجريمة بأسمائها البشعةِ دونَ مجازاتٍ مخاتلة موهمة لأنَّ تسميتها بما هي عليه أصلا يعتبرُ أكبر إدانةٍ لها، وإرادةِ الوقوف في وجهها بغرضِ إيقافِها لأنَّها انقلابٌ صريحٌ على الحضارة التي ظلَّتْ تعبِّر في كلِّ مرة عن إيمانها العميق بحقوقِ الإنسان، وبالأخصِّ بحقِّه في الحياة والحريَّة. لكنَّ هذين الأخيريْن غائبان إلى أبعد حدٍّ عن فلسطين، وغائبان تمامًا عن غزَّة التي تقبع من جهةٍ تحت اهتمام الطائراتِ الحربية الإسرائيلية التي تحملُ رايةَ قابيل وترعاها إرادة القوَّة والبطش، ومن جهةٍ أخرى تقعُ خارج اهتمامِ العالمِ الذي يكتفي بإعلان الشفقة بالأقوال لا بالأفعال.

أشرْتُ في المقالِ السابقِ إلى التبريراتِ الزائفةِ التي يجدها العقلُ لجرائم أصحابِه حين يحاوِل أنْ يخفيَ التناقضَ الصَّارخَ بين دور الحضارة في حمايةِ الحياة ومساهمتها في تدميرها بواسطة إنتاجِ الحرب. هذا ما تفعلُه إسرائيل وهي ترسم صورتها أمام الرأي العامِّ الدوْليِّ بأنها تدافعُ عن أمنِها واستقرارِ شعبها. لكنْ هل يمكنُ لعاقلٍ أنْ يتقبَّلَ هذه التبريرات وهو شاهدٌ على هذا القدر الكبير من المجازرِ التي تحصُل في حقِّ الإنسانِ الفلسطينيّ في غزَّة!!! نتساءلُ بوجعٍ ونحنُ نرى جرائم إسرائيل التي لا تقومُ بحربٍ وإنَّما بإبادةٍ جماعية، لأنَّ الحربَ في أوضح صورِها تعني أنْ يتكافأ طرفا النزاع، وهذا ما لمْ يحدثْ مطلقًا بين آلةِ حربٍ إسرائيلية مدمِّرة وبين شعبٍ مهما تكن وسائل مقاومته ودفاعه عن نفسِه فهي لا تعتبرُ شيئا يمكنُ أنْ يُحدِثَ فرْقًا في النهاية.

وإذْ يُنظرُ إلى أهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية والمتمثلة في صدور الأطفال والمدنيين، يتوضَّح بأنَّ ما تقومُ به لا يخرج عن ممارسةِ إرهاب عنيفٍ على قطاع غزَّة؛ الإرهاب الذي يمكنُ تعريفُه بأنَّه استهداف جهةٍ بريئة لا علاقة لها بالصراع القائم لتخاف وترتهبَ الجهةُ العدوَّة. لذا تصبح خطَّة العدوان واضحة جدًّا؛ إذْ تقومُ بتدميرِ القطاعِ جوًّا وبرًّا وبحرا وقتلِ المدنيين العُزَّلِ والأطفالِ الذين لا ذنب لهم ولا تربطهم علاقة من قريب ولا من بعيدٍ بتهديد أمنها واستقرارها، لغاية وحيدة، هي أنْ ترهبَ حركة حماس. وإذْ يبدو هذا جليًّا للرأي العامِّ العالميّ، يصرُّ هذا الأخير على السكوتِ على الجريمة، بل يعمل بكل وقاحةٍ على التبرير لها بصورة تجعلُه شريكًا فيما يحدثُ داخل مسرح الموتِ الذي تلعبُ أدواره الرئيسةَ الطائراتُ المقاتلة والدبابات، ويقع ضحيَّة له الإنسان والبراءة.

بقيتْ نقطة أخيرةٌ تتعلَّق بالنقاش القائم عربيًّا وفي مواقع التواصل الاجتماعي حول الموقف مع حماس أو ضدّها، وللتاريخ هذا نقاش فارغٌ ليسَ في وقتِه وليستْ الظروف المزرية التي يعيشُها النَّاس في غزة مناسبة للخوضِ في هذه الاختلافات. هناك شيء واحِدٌ مؤكَّد بالنسبة لي؛ وهو أنَّ آلة الحرب الإسرائيلية المجرمة تقوم بإبادة الحياة وتدمير المساكن ونشر الرعْبِ في غزة وفي فلسطين، بل واستعراض قوَّتها أمام الشرق والعالم. هذا الحالُ يستدعي موقفا واحدا هو الوقوف مع أهل غزَّة، مع أطفالِها الذين تقرأ في عيونهم واقعا ما قاله درويش شعرا:"على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة"