الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 40 | الجدار:عندما يُجفف النفط الأخضر، ويُصبح المزارعين فقراء!

ابتلاع الأرض والموارد والأمن الغذائي

2015-06-02 01:12:47 AM
العدد 40 | الجدار:عندما يُجفف النفط الأخضر، ويُصبح المزارعين فقراء!
صورة ارشيفية
 
تقرير - محمود الفطافطة

قامت إسرائيل كدولة مصطنعة على مثلث أضلاعه ( الأمن، البشر، والأرض). فالأمن ـ وفق العقيدة الصهيونية ـ يتحقق بتهجير السكان الأصليين وقتلهم وترويعهم الدائم، بينما البشر فعبر استجلاب أعداد هائلة ومتواصلة، من اليهود وسواهم، من دول العالم وتوطينهم في أرض فلسطين لمواجهة النمو الفلسطيني السكاني من جهة، وإيجاد عامل بشري لتجنيده في مهام الحروب والبناء لهذه الدولة الوليدة من جهة أخرى . أما عامل الأرض فتم تحقيقه عبر طرد الفلسطينيين من أرضهم وممتلكاتهم والاستيلاء عليها وعلى مواردها.
 
ومنذ النكبة ولغاية الآن لم تنقطع سياسة الاحتلال في قضم المزيد من الأراضي ونهب الموارد الفلسطينية. وقد جاء جدار الفصل والضم العنصري ، الذي إقامته إسرائيل في حزيران 2002، ليكون أداة في ابتلاع المزيد من الأرض وموارد الفلسطينيين ، سواء المائية أو النفطية أو الزراعية وسواها.  في هذا التقرير سنركز على مدى تأثير هذا الجدار على قطاع الزراعة، باعتباره قطاعاً مهما وأساسيا لحياة الفلسطينيين كمصدر للرزق، وقاعدة نحو تحقيق " الأمن الغذائي".
 
في البداية، نشير إلى بعض الإحصاءات في هذا الشأن، حيث أشارت نتائج المسح الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخراً، إلى أن نسبة الأسر التي تم مصادرة أراضيها كليا بلغت 9.1% من الأسر التي تقيم غرب الجدار، و24.9%، من الأسر التي تقيم شرق الجدار، فيما بلغت نسبة الأسر التي تقيم غرب الجدار، التي تمت مصادرة جزء من أراضيها 19.9%، و20.3% من الأسر التي تقيم شرق الجدار. ويلاحظ من خلال النتائج أن معظم الأراضي التي تمت مصادرتها في التجمعات التي تأثرت بالجدار، كانت تستخدم لأغراض الزراعة، وبلغت نسبتها 86.0% .
 
سياسة التمزيق والنهب!
هذه الأرقام والنسب تتضح مخاطرها أكثر عبر المساحات الكلية التي تمت مصادرتها بفعل الجدار الممتد بطول 810 كم، والذي سبب في نهب ما نسبته 46 % من أراضي الضفة، وتقسيمها إلى ثلاثة كانتونات كبيرة، فضلاً عن تخصيص شبكة طرق للإسرائيليين بطول 1400 كم، يفصلها عن شبكة الطرق الفلسطينية 48 نفقاً، علاوة على إقامة 34 حاجزاً تتحكم في السكان والبضائع وتعزيز السيطرة على 85 % من مصادر المياه، عدا عن سلخ القدس عن الضفة وتكثيف المشروع الاستيطاني لتهويدها والتخلص من العدد الأكبر من سكانها الأصليين.
 و منذ أن ابتدأ موسم التجريف الإسرائيلي لصالح جدار الفصل العنصري في حزيران 2002، استولت إسرائيل على أراض زراعية فلسطينية خالصة بوضع اليد دون تبليغ الأهالي بأي إنذار أو إخطار سبق، وكانت باكورة التجريف عشرات الدونمات من أراضي قرى غرب محافظة جنين. وبمعنى أدق فإن قرارات سلب الأراضي وضعت لتكون قابلة للتعديل والتغيير حسب المفاهيم الإسرائيلية بما يسمى "الأوضاع الأمنية" التي على خلفيتها المزعومة يبنى الجدار العنصري فوق الأرض الفلسطينية.
يذكر تقرير مركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن بناء جدار الفصل العنصري أدى إلى تدمير ما يقارب من 100 ألف شجرة زيتون وليمون و75 فداناً من الدفيئات و23 ميلاً من أنابيب الري وسيتسبب الجدار أيضاً في مصادرة الأراضي الزراعية، وتجريفها وتقييد المواطنين وإلى خسارة مئات الوظائف، وكذلك تدمير صناعة زيت الزيتون بعد أن كانت هذه المنطقة تنتج 22 ألف طن من زيت الزيتون في كل موسم، وكذلك سيتأثر إنتاج هذه المنطقة الذي كان يصل 50 طناً من الفاكهة و1000 طن من الخضراوات كما ستمنع حوالي 10.000 من الماشية من الوصول إلى المراعي التي تقع غرب الجدار الفاصل.
 
استهداف الموارد والتنمية
يؤكد مركز بتسليم بأن الجدار سيفصل المزارعين في 71 قرية وبلدة فلسطينية عن أراضيهم الزراعية كما يدمر 37 كم من شبكات الري و15 كم من الطرق الزراعية ويعزل أكثر من ربع مليون دونم. كما أنه ابتلع أكثر من 45% من أراضي الضفة الغربية، وقد ألحق الضرر المباشر بنحو مليون فلسطيني يقطنون بالقرب من الجدار.
في دراسة بعنوان "التحديات التي تواجه التنمية الزراعية في محافظة قلقيلية في ظل الجدار"، أعدها الباحث محمد بصلات تبين أن 21 تجمعاً قد تأثرت من بناء الجدار حيث صودر حوالي 5% من الأراضي الزراعية وعزلت 39% منها 15% لصالح الاستيطان، وعليه فإن الجدار قد تسلل في مصادرة وعزل حوالي 33076 دونماً، والتي تشكل ما نسبته 19% من المساحة الكلية للمحافظة. بالإضافة إلى تدمير وعزل 19 بئر ماء جوفي بطاقة إنتاجية تقدر بما نسبته 34% من الكمية المستخرجة في المحافظة، ولذلك فإن ما يقارب 69% من الأراضي المروية قد تأثرت نتيجة بناء الجدار.
 كذلك؛ فإن الجدار (وفق الدراسة) أثر كثيراً على البنية التحتية الزراعية، ودور الزراعة في تحقيق التنمية، وإضعاف مساهمة الزراعة كمصدر للرزق، وغيرها. وأوصت الدراسة بتشجيع المزارعين على الاستمرار في زراعة أراضيهم وريها بشكلٍ دائم، ومساعدة المزارعين الذين عزلوا خلف الجدار لتسويق منتجاتهم وتسهيل نقلها. وتشجيع المهندسين والخبراء الزراعيين للعمل والتواصل مع المزارعين خلف الجدار، وتخصيص مشاريع لدعمهم، وتأهيل الآبار وشبكات الري.
 
عواقب ومطالب لا تنتهي!!
في تقرير للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ذكر أن بناء الجدار أدى إلى أربعة عواقباقتصادية رئيسية هي: فقدان الموارد الاقتصادية، عمليات المصادرة الدائمةللموارد الاقتصادية، إتلاف الموارد الاقتصادية، تعذر استخدام المواردالاقتصادية. هذه المعيقات أدت لمعضلات خاصة للمزارعين، فوصولهم إلى الأراضي الزراعية التييملكونها أو يزرعونها الواقعة خارج السور أصبح مشكلة نظراً للقيود على التصاريحولصعوبة الحصول على التصاريح للسيارات الزراعية. كما ويفصل الجدار أيضاً المواطنين عن 50 بئر مياه جوفية يعتمدون عليها للحصول على مياه الشرب وللزراعة.
وفي دراسة قام بها رأفت أبو شاويش حول تأثير الجدار على قطاع الزراعة في منطقة شمال غرب القدس ذكر أن الأضرار التي نجمت عن الجدار كمصادرة مئات الدونمات من الأراضي الزراعية بأشجارها المثمرة أدت إلى تفكيك البنية الاقتصادية لتلك المنطقة وساهمت في وقف مشاريع التنمية الزراعية من دعم للفلاحين و استصلاح الأراضي الزراعية؛ مما يهدد منطقة شمال غرب القدس بكارثة اقتصادية تحتاج إلى سنوات للنهوض منها، وهذا يتطلب حشد كل الجهود الشعبية والرسمية والدولية من أجل هدم الجدار وإعادة الأراضي التي تم مصادرتها إلى أصحابها المزارعين الفلسطينيين .
في تقرير خاص أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جاء فيه إن عشرات الآلاف من المزارعين يملكون أراض وموارد مائية واقعة في المنطقة المغلقة بين الجدار و" الخط الأخضر"؛ ومنذ إعلان المنطقة المغلقة في أكتوبر 2003 في شمال الضفة الغربية وهؤلاء المزارعون يحتاجون إلى استخراج تصاريح زيارة للوصول إلى أراضيهم . وللحصول على تصريح زيارة، يتعين على المتقدمين تلبية المتطلبات الأمنية اللازمة لجميع التصاريح الصادرة من إسرائيل، ويتعين عليهم أيضاً إثبات "علاقتهم بالأرض" الواقعة في المنطقة المغلقة عن طريق تقديم، من جملة أوراق رسمية أخرى، وثيقة ملكية أو وثيقة ضريبية سارية. وهذا شرط مستحيل بالنسبة للكثير من فلسطينيي الضفة الغربية، وذلك لأن غالبية الأراضي لم تسجَل رسمياً وتم توارثها بالوسائل التقليدية التي لا تتطلب وثائق إرث رسمية.
 
بوابات تخنق وملكية تنتهك!
ويوضح التقرير أنه بالنسبة للقلة المحظوظة التي تحصل على تصاريح زيارة، فإن الدخول والخروج يكون من خلال إحدى البوابات البالغ عددها نحو 60 بوابة والتي أقامتها السلطات الإسرائيلية على طول الجدار. ومن بين هذه البوابات، لا يُفتح سوى 12 منها على أساس يومي، وعموماً لفترات قصيرة في الصباح الباكر وفي فترة الظهيرة وبعد العصر. وهناك عشر بوابات أخرى تُفتح مرتين أو ثلاث مرات على مدار الأسبوع، وكذلك في موسم قطف الزيتون السنوي. ولا تفتح الغالبية العظمى من البوابات إلا خلال موسم قطف الزيتون نفسه، وهذا لا يكفي للأنشطة الأساسية التي تتم على مدار السنة كالحراثة والتقليم والتسميد ومكافحة الآفات والأعشاب الضارة. ولا يتوافق هذا النظام مع الزراعة المروية ومحاصيل الدفيئات، حيث يتطلب المحصول رعاية يومية حتى لا يقع فريسة للمرض والتعفن.
وفي الحديث عن تأثيرات الجدار على القطاع الزراعي لا بد من التطرق إلى مسألة الملكية، حيث أن نهب وسلب الأراضي بفعل الجدار يمثل، بلا شك، انتهاك حق الملكية. ففي تقرير لمؤسسة " بتسيلم" جاء فيه أن إسرائيل سعت لبسط سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض الممتدة على الطريق الذي سيسير بجواره الجدار الفاصل. وبما أن معدل عرض الجدار قد يصل إلى 60 متراً، فقد استولى الجيش الإسرائيلي على 11.400 دونم من الأراضي لإنشاء أول 190 كيلومتراً من الجدار؛ علماً بأن أغلب هذه الأراضي تعود لفلسطينيين ومزروعة بالفواكه والحبوب وبها الكثير من البيوت البلاستيكية. اختارت إسرائيل أداة قانونية لوضع اليد على هذه الأراضي، وهي "أوامر الاستملاك لأغراض عسكرية".
ويشير التقرير إلى أنه في الماضي كانت إسرائيل تستغل الاستملاك لأغراض عسكرية، كوسيلة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات عليها، ولم يحدث أن أعيدت هذه الأراضي لأصحابها، ومن الواضح أن إسرائيل لا تنوي الاستيلاء على الأراضي لفترة مؤقتة بل لمصادرتها بشكل دائم. إضافة للانتهاك التام لحقوق ملكية أصحاب الأراضي التي سيقام على امتدادها الجدار الفاصل ستتضرر أيضاً حقوق أصحاب عشرات الألوف من الدونمات الواقعة غربي الجدار الفاصل إلى حد ما بسبب صرامة القيود المفروضة على تحركهم.
 
ويضيف التقرير: بسبب الصعوبات التي يواجهونا في الوصول إلى أراضيهم سيلجأ كثير من أصحاب الأراضي هذه إلى التوقف أو على الأقل تقليص زراعتها. وفي هذه الحالة سيصبح انتهاك حق الملكية أمراً مطلقاً، لسبب وهو أن إسرائيل منذ بداية انتفاضة الثمانينات كانت تعلن عن كثير من الأراضي بالضفة الغربية أراضي دولة، إذا لم تكن مسجلة في سجل الأراضي أو إذا لم تزرع ثلاثة أعوام متتالية، وفي هذه الحالة تستطيع إسرائيل نزع ملكية هذه الأرض من أصحابها. وكون اغلب هذه الأراضي واقعة في الجهة الغربية من الجدار و غير مسجلة فإنها ستزيد بلا شك من حدة القلق حيال إمكانية مصادرة إسرائيل لها مستقبلاً.
 
المخنوق والصامت!!
عزون العتمة تقع على بعد 10 كيلومترات جنوب شرق مدينة قلقيلية، ويقطنها نحو 1500 نسمة. تقع مستوطنة "شعار هتكفا" بجوار القرية وهي تمتد على مسافة 2.5 كيلومتر، وتقطع التواصل الإقليمي بين عزون العتمة والقرى المجاورة مثل بيت أمين وسنيريا. وبقرار وضع "شعار هتكفا" غرب الجدار الفاصل تكون عزون العتمة قد طوقت بالجدار الفاصل من كل الجوانب، وأصبحت جيبا من الجيوب، وتقرر أن يمر الجدار شمال الطريق ليقطع هؤلاء السكان في القرية عن سائر السكان الآخرين. ومعروف عن عزون العتمة أنها تعتاش على الزراعة كمصدر رزق أساسي، وتعتبر اكبر منتج للخضراوات في الضفة الغربية، إذ يخرج منها صباح كل يوم إلى السوق 10 شاحنات، واحدة منها إلى إسرائيل والباقي إلى أسواق الضفة الغربية.
في التاسع من تموز 2004 اتخذت محكمة العدل الدولية قراراً استشارياً ببطلان إقامة إسرائيل لجدار الفصل والضم . وذكرت المحكمة أن الأجزاء التي تمتد داخل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، فضلاً عن نظام البوابات والتصاريح المرتبط بها، تخل بالالتزامات الإسرائيلية بموجب القانون الدولي. ودعت إسرائيل إلى وقف بناء الجدار "بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها"؛ وتفكيك الأجزاء التي أنشئت بالفعل؛ و"الإلغاء أو وقف السريان الفوري لجميع الإجراءات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بها". كما دعت المحكمة إسرائيل إلى " تقديم تعويضات عن مصادرة وتدمير المنازل والمشروعات". وألزمت المحكمة أيضاً الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن الجدار.
 
خلاصة القول: لم يكن إقامة إسرائيل لجدار فصل الضم والتوسع ناجماً من حاجة أو ضرورة أمنية كما تدعي، بل هدفه الأساسي نهب أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين وتمزيق بنيتهم الاقتصادية والسكانية، والحيلولة دون إمكانية إقامة أي كيان وطني مستقل ومتصل. هذا الجدار ساهم بشكلٍ كبير في سلب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وحرمان أصحابها من خيراتها، أو حتى الوصول إليها، وهذا ما أدى إلى زيادة مساحات ونسب الفقر لدى المزارعين من جهة، وتدني المنتجات الزراعية المطلوبة للسوق المحلي من جهة أخرى.
 المطلوب: حكومة الاهتمام  الاستمرار في مقاومة هذا الجدار وإفرازاته إلى غاية تدميره، لما يشكله من خطر وكارثة على مجمل الحياة الفلسطينية بكل تفاصيلها ومسارتها. يتوجب كذلك على كافة الأطراف الفلسطينية لا سيما الحكومة والقطاع الخاص مساندة المزارعين المتضررين من الجدار، وكذلك تنظيم النشاطات والفعاليات لاسترداد قدر الممكن من هذه الأراضي المنهوبة.