ترجمة الحدث
كشف بحث إسرائيلي جديد أجراه مركز معلومات الاستخبارات، الذي يحمل اسم مئير عميت، عن تحول جذري في الفكر الاستراتيجي لحركة حماس خلال السنوات التي سبقت هجوم 7 أكتوبر.
البحث، الذي أعدّه أوري روست، الباحث والمحاضر في كلية "سبير"، استند إلى مجموعة واسعة من الوثائق التي تمت مصادرتها في غزة أثناء العمليات العسكرية لجيش الاحتلال في غزة، والتي أظهرت كيف تحولت رؤية "القضاء على إسرائيل" من مجرد حلم ديني بعيد إلى خطة عمل ميدانية ملموسة.
تكشف الوثائق عن مراسلات داخلية ورسائل متبادلة بين يحيى السنوار وكبار المسؤولين في إيران وحزب الله، حيث أعربوا عن قناعتهم بأن "إسرائيل أصبحت أكثر هشاشة من أي وقت مضى" وأن "المقاومة ازدادت قوة".
وفقًا للبحث، حتى "سيف القدس" في مايو 2021، كانت حماس تدرك حدود قوتها العسكرية والسياسية، لذا بقي شعار "القضاء على إسرائيل" مجرد هدف بعيد المدى، بينما كان المبدأ الأساسي هو أن "عدم الهزيمة يعد انتصارًا"، مع التركيز على البقاء وإلحاق أضرار محدودة بإسرائيل.
في كتاب نشره الجناح العسكري لحماس بعد العملية، ورد: "هزيمة العدو أصبحت في متناول اليد أو أقرب من ذلك. القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة وضعت خطة شاملة لمعركة 'وعد الآخرة'.
وخلال مؤتمر عُقد في سبتمبر 2021 برعاية السنوار في غزة تحت عنوان "وعد الآخرة – فلسطين بعد التحرير"، صرّح السنوار: "نحن نتقدم نحو نصر استراتيجي كبير ستكون له تداعيات وتأثيرات استراتيجية على مستقبل المنطقة، والأمة الإسلامية، والعالم بأسره... نرى التحرير بأعيننا، ولذلك نستعد لما سيأتي بعده".
في إحدى الوثائق الأكثر أهمية التي تم العثور عليها، وهي رسالة أُرسلت في يونيو 2021 من يحيى السنوار، محمد الضيف، ومروان عيسى إلى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، كُتب فيها بشكل صريح: "هذا الكيان الوهمي أضعف مما يظن الناس. بعون الله، وبدعمكم، وبمساندة أمتنا، نحن قادرون على اقتلاعه وإزالته في أقرب وقت ممكن... نحن على يقين بأننا قريبون من تحقيق الوعد الإلهي".
في وثيقة تم الكشف عنها، طلب قادة حركة حماس من إيران دعمًا ماليًا بقيمة 500 مليون دولار على مدى عامين، لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. وجاء في الوثيقة: "لتحقيق هذه الأهداف الكبرى التي ستغير وجه الكون، بإذن الله، نحن بحاجة ماسة إلى دعم مالي بقيمة 20 مليون دولار شهريًا لمدة عامين، أي ما يعادل 500 مليون دولار في المجموع".
الوثيقة التي كُتبت في يناير 2019 من قبل مكتب يحيى السنوار، استعرضت العلاقات بين حماس وإيران، وحددت المصالح المشتركة لكل طرف. في الجزء الوحيد المُبرز من الوثيقة، تحت بند "ما الذي نريده منهم؟"، جاء: "التوصل إلى اتفاق دفاع مشترك يشمل فيلق القدس، حزب الله، وحماس، للتحضير لحرب تحرير القدس وفتح جميع الجبهات ضد العدو المشترك، إسرائيل، مع إعداد خطة عملية لتنفيذ هجوم شامل من جميع المحاور".
وثيقة أخرى كُشف عنها تضمنت رسالة أرسلها السنوار إلى سعيد إيزدي، رئيس فرع فلسطين في فيلق القدس، في يوليو 2021. كتب السنوار أن قوى "المقاومة" تقف على أعتاب "نصر استراتيجي كبير ستكون له تداعيات على مستقبل المنطقة والأمة الإسلامية والعالم بأسره".
وأشار إلى أنهم "على وشك تحقيق وعد الآخرة للمرة الثانية"، في إشارة إلى تفسير آيات قرآنية تتحدث عن تجمع اليهود في الأرض وفسادهم، مما يؤدي إلى تدخل إلهي لإنهاء وجودهم. في رسالة أخرى من يونيو 2022، وجهها السنوار إلى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، طُرحت ثلاثة سيناريوهات لهجوم على إسرائيل: السيناريو الأول (المُفضّل): هجوم شامل تشارك فيه جميع مكونات "محور المقاومة" (باستثناء إيران)، بهدف "إسقاط دولة الاحتلال وإنهاء وجودها".
وبحسب الوثيقة، وافق حزب الله على تخصيص ثلث قدراته لهذا الهجوم، ويُفضّل أن يُنفذ خلال أحد الأعياد اليهودية، خاصة عيد الفصح، حيث "تزداد اقتحامات الأقصى والاعتداءات".
السيناريو الثاني (معركة متوسطة): تقود حماس الهجوم بمشاركة جزئية من حزب الله وقوات أخرى. وفقًا لهذا السيناريو، ستتكبد إسرائيل خسائر كبيرة، وسيرغب العديد من مواطنيها في الهجرة، مع تحقيق "تحرير الضفة الغربية والأسرى"، ما يمهد الطريق "للقضاء النهائي على إسرائيل في المستقبل".
السيناريو الثالث (الحد الأدنى): في هذا الخيار، يكون العبء الأكبر على حماس، مع انضمام قوات من "محور المقاومة" ومقاتلين من الأردن وسوريا. يُعتبر هذا السيناريو "الحد الأدنى" الذي يمكن لحماس قبوله، ولا يتطلب موافقة القيادة الإيرانية، بل يكفي دعم حسن نصر الله وحزب الله. ووفقًا للوثيقة، فإن هذا السيناريو يعني "تفجير الوضع بالكامل في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر".
أشارت الوثيقة أيضًا إلى الحاجة العاجلة لتأسيس "قوة عسكرية من مقاتلي حماس" في لبنان قوامها 250 مقاتلًا، تستخدم بنية حزب الله التحتية لشن غارات على إسرائيل، خصوصًا في حال تنفيذ السيناريو الثالث، وربما الثاني أيضًا. شدد السنوار على أن "المسألة لا تحتمل التأخير أو التردد"، وطلب من هنية ترتيب زيارة عاجلة إلى طهران لبحث الخطة مع القيادة الإيرانية.
وبعد أسبوعين، في 1 يوليو 2022، أبلغ هنية السنوار عن اجتماع سري نظمه سعيد إيزدي مع نصر الله، عُرضت خلاله السيناريوهات الثلاثة. وبحسب هنية، فقد أعرب نصر الله عن دعمه الكامل للسيناريو الأول – الأكثر شمولًا – واعتبره "خطة واقعية قابلة للتنفيذ". اختُتمت الرسالة بتأكيد موافقة إيران وحزب الله على السيناريو الأول، مع الإشارة إلى أن الخطة ستُعرض لاحقًا على المرشد الأعلى، علي خامنئي، للمصادقة النهائية.
في يناير 2023، ألقى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خطابًا أمام اللجنة التنفيذية للحركة في الدوحة، وصف خلاله الحكومة اليمينية في إسرائيل بأنها "تشكل خطرًا كبيرًا"، مشيرًا إلى أن الصراع يقترب من "نقطة الانفجار". وأوضح أن الأزمة الداخلية التي تعصف بإسرائيل تحمل في طياتها بذور انهيار الكيان من الداخل، مؤكدًا أن التصريحات المتضاربة والاحتجاجات المتصاعدة تعكس حالة غير مسبوقة من الاضطراب الداخلي.
بعد بضعة أشهر، في أبريل 2023، تفاخر يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، خلال محادثة مع محمد نصر (أبو عمر)، بأن "المقاومة في غزة قادرة على تغيير وجه الشرق الأوسط". واعتبر أن المواجهة العسكرية عام 2021 كانت مجرد "نزهة" مقارنة بما يُخطط له في المستقبل، مؤكدًا أن أي هجوم مقبل سيكون "مدمرًا لدرجة تفتيت العدو"، وأن "معركة رمضان" ستعني "انفجارًا شاملًا، سقوط أنظمة، وضربة قاسية للاحتلال".
وفي يونيو 2023، خلال زيارة وفد حماس إلى إيران برئاسة هنية وصالح العاروري، برزت مؤشرات إضافية على تصاعد الاستعدادات لمواجهة مع إسرائيل. وفقًا لوثيقة صادرة عن دائرة العلاقات العربية والإسلامية في حماس بتاريخ 6 يوليو 2023، أي قبل ثلاثة أشهر فقط من الهجوم المفاجئ، أكد هنية أمام المسؤولين الإيرانيين أن غزة تمثل "قاعدة المقاومة"، وأن الحركة جاهزة لمعركة جديدة مع إسرائيل.
وخلال اللقاء، صرّح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن "المقاومة أصبحت أقوى من أي وقت مضى، بينما باتت إسرائيل أضعف من أي وقت مضى". أما قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، فقد ذهب أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن إيران ترى "دلائل وإمكانية لزوال إسرائيل"، مؤكدًا أن قدرات المقاومة تتزايد تدريجيًا لدرجة تدفع إسرائيل إلى الزاوية.
ووفقًا لتقديرات بحثية، فإن "الضربة القاسية التي تلقتها حماس ومعظم مكونات محور المقاومة من شأنها أن تعرقل خطط الحركة لتدمير إسرائيل، وتعيدها إلى مرحلة الحلم الاستراتيجي". ومع ذلك، يحذر التقرير من أنه "على المدى الطويل، إذا تمكنت حماس من استعادة قوتها بدعم إيراني، فلا يمكن استبعاد احتمال عودة الحركة للسعي نحو تحقيق رؤيتها بالقضاء على إسرائيل كهدف استراتيجي".