الحدث العربي الدولي
يسلط سيفر بلوتسكر، الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، الضوء على التحول السياسي الحاد في بولندا، عقب فوز المرشح القومي المتطرف كارول نبرُوتسكي بمنصب الرئاسة، واعتبر ذلك مؤشرًا خطيرًا على صعود الشعبوية القومية المتطرفة في قلب أوروبا الشرقية.
وفي هذا السياق، أشار بلوتسكر إلى أن نبرُوتسكي، البالغ من العمر 42 عامًا، ليس شخصية سياسية تقليدية، بل صاحب ماضٍ مثير للجدل؛ فقد شغل منصب رئيس معهد الذاكرة الوطنية في بولندا، وأدار سابقًا متحف الحرب العالمية الثانية في غدانسك، لكنه أيضًا معروف كونه مشجعًا متطرفًا لفريق كرة قدم ومعلّق رياضي سابق، وحتى حارس أمن بفندق. ويضيف بلوتسكر: “رغم إخفاقاته الإعلامية وفضائحه الشخصية، تمكّن نبرُوتسكي من الفوز في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بفضل دعم حزب 'القانون والعدالة’ اليميني القومي”.
ويتابع بلوتسكر تحليله بالقول إن المرشح الليبرالي الديمقراطي رفائيل تشاسكوفيسكي، رئيس بلدية وارسو المتقن لعدة لغات، خاض حملة انتخابية قوية تستند إلى خطاب ديمقراطي وحداثي، لكنه لم يتمكن من مجاراة موجة الكراهية والشعبوية التي استثمر فيها نبرُوتسكي وراعيه السياسي ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم اليمين القومي في بولندا. ويضيف: “بخطاب تحريضي يهاجم النخب والقضاء ويصفهم بخطر على سيادة بولندا، تمكّن الثنائي من جرّ الناخبين نحو رؤى رجعية تمسّ بالنسيج الديمقراطي البولندي”.
ويشير بلوتسكر إلى أن هذا الخطاب المتطرف وجد صدىً واسعًا، خصوصًا في شرق بولندا، حيث ازدادت شعبية التيارات القومية، بما فيها أحزاب يمينية متطرفة، مثل حزب سلاومير منستر، الذي صرّح سابقًا بأنه “ضد الاتحاد الأوروبي، وضد المثليين، وضد الإجهاض والضرائب واليهود”، بالإضافة إلى حزب آخر فاشي معادٍ للسامية علنًا بقيادة غريغور براون. ووفقًا لبلوتسكر، فإن هذه القاعدة المتشددة كانت حاسمة في ترجيح كفة نبرُوتسكي.
ويلفت بلوتسكر النظر إلى أنه منذ انهيار الشيوعية عام 1989، كانت بولندا تمثل نموذجًا ديمقراطيًا واقتصاديًا ناجحًا، إذ شهد اقتصادها نموًا سنويًا يتراوح بين 4 و4.5%، وتمكنت سريعًا من سد الفجوة مع دول الاتحاد الأوروبي حتى انضمت إليه عام 2005. لكنه يحذر: “كل هذه المنجزات مهددة بالانهيار اليوم، في ظل رئيس معادٍ للتعددية، يسعى لتعطيل حكومة توسك الليبرالية ويضع عراقيل أمام كل تشريع ديمقراطي”.
ويؤكد بلوتسكر أن نبرُوتسكي، وبظل كاتشينسكي، سيستغل صلاحياته لإجهاض أي إصلاح تقدمي، وسيدفع باتجاه فك ارتباط بولندا مع الاتحاد الأوروبي والتقارب مع إدارة دونالد ترامب. ويضيف: “هذه العودة إلى الحكم القومي المتشدد تفتح الباب لتغيير النظام، وربما تقويض النظام الديمقراطي برمّته”.
ويذكّر بلوتسكر بالأزمة الدبلوماسية بين حكومات حزب “القانون والعدالة” و”إسرائيل”، خاصة بعد سنّ “قانون المحرقة البولندي” عام 2018، الذي فرض عقوبات على من يتهم البولنديين بالتعاون مع النازيين في جرائم الإبادة، وهو ما خلق شرخًا طويل الأمد رغم التعديلات التي أُدخلت لاحقًا على القانون. ويتابع: “حتى وقت قريب، كانت العلاقات فاترة، ولم تُستأنف إلا مؤخرًا بتعيين سفير بولندي جديد لدى إسرائيل”.
وفي ختام تحليله، يرى بلوتسكر أن انتخاب نبرُوتسكي يمثّل لحظة فاصلة في تاريخ بولندا، مشيرًا إلى أن “البلاد اختارت الابتعاد عن المسار الليبرالي الديمقراطي، وسلكت طريقًا وعرًا قد يقودها إلى نظام سلطوي، منغلق، معادٍ للسامية، وغير مرحّب بالمهاجرين”. ويضيف بتحذير صريح: “هذا القرار لا يهدد بولندا فحسب، بل يوجّه رسالة تحذيرية لكل من يراهن على استقرار الديمقراطيات الليبرالية في أوروبا”.