الخميس  03 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المستوطنون كأداة للتطهير العرقي.. دولة الاحتلال والإرهاب المنظم في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر

2025-07-02 08:54:50 AM
المستوطنون كأداة للتطهير العرقي.. دولة الاحتلال والإرهاب المنظم في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر
من تشييع شهداء كفر مالك الذين ارتقوا برصاص مستوطنين

الحدث - محمد بدر

فُجعت قرية كفر مالك شمال شرق رام الله يوم 25 يونيو باستشهاد 3 من أبنائها على يد ميلشيات المستوطنين التي شنت هجوما واسعا على القرية، شمل حرق منازل وممتلكات وتدمير البنية التحتية. كل ذلك جرى بمشاركة من جيش الاحتلال، الذي لم يعد يخفي حقيقته الميليشياوية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو اليوم الذي شنّت فيه المقاومة الفلسطينية هجومًا واسعًا على مواقع ومستوطنات الاحتلال في جنوب فلسطين، وشكّل نقطة تحوّل في المواجهة مع المشروع الاستعماري الصهيوني. 

وبينما انصبّ اهتمام الإعلام العالمي على مجريات الحرب على غزة، استغلّ المستوطنون، تحت حماية ومشاركة جيش الاحتلال، اللحظة لفتح جبهة موازية في الضفة الغربية، عبر تصعيد همجي استهدف القرى والمنازل والأراضي الفلسطينية، في واحدة من أكثر موجات العنف المنهجية منذ نكسة عام 1967.

شهدت الضفة الغربية، بعد هذا التاريخ، تصاعدًا خطيرًا في الاعتداءات الاستيطانية التي اتخذت طابعًا إرهابيًا منظمًا، حيث تم توثيق آلاف الحالات من اقتحام القرى، إحراق الممتلكات، الاعتداء على الأهالي، وتهجير العائلات، في ظل دعم رسمي من المؤسسة العسكرية والسياسية لدى الاحتلال، وتواطؤ مباشر من كبار المسؤولين.

تصاعد إرهاب المستوطنين بعد 7 أكتوبر

منذ انطلاق المعركة في السابع من أكتوبر، شهدت الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة الإرهاب الاستيطاني، حيث سجّلت أكثر من 1860 اعتداء على الفلسطينيين حتى نهاية عام 2024، بمعدل يزيد عن أربع اعتداءات في اليوم الواحد. وتعدّ هذه الأرقام الأعلى منذ بدأت المؤسسات الدولية توثيق هذه الجرائم. بينما كشفت هيئة الجدار والاستيطان أن 4000 اعتداء نفذها المستوطنون منذ التاريخ المذكور وحتى 26 يونيو 2025.  تركزت الاعتداءات بشكل خاص في محافظات نابلس ورام الله والخليل، والتي تمثل تاريخيًا نقاط تماس ساخنة مع المشروع الاستيطاني. لكن الاعتداءات اتسعت لتشمل مناطق واسعة من الأغوار والجنوب والوسط، وشملت إحراق المنازل، تدمير المركبات، حرق المحاصيل الزراعية، ضرب المزارعين، نهب الأغنام، إطلاق النار على الأهالي، وأحيانًا القتل العمد.

في إحدى الهجمات، أضرم مستوطنون النار في سيارات فلسطينيين وتسببوا بإصابة أكثر من عشرين شخصًا، تحت أعين جنود الاحتلال الذين وفروا لهم الحماية بدلًا من منعهم. وفي مشاهد أخرى، اقتحم عشرات المستوطنين المسلحين قرى فلسطينية، فتحوا النار، رشقوا الحجارة، وأرهبوا الأهالي بهدف دفعهم إلى مغادرة أراضيهم. وبحسب تقارير ميدانية، فقد استُشهد ما لا يقل عن 870 فلسطينيًا في الضفة الغربية منذ بداية العدوان، على يد جيش الاحتلال والمستوطنين، وأصيب أكثر من 6700 آخرين، من بينهم مئات الأطفال والنساء. كما أدت الاعتداءات إلى تهجير قسري لعائلات بأكملها، خاصة في التجمعات البدوية ومضارب الرعاة في الأغوار والمناطق الجبلية.

أحد أخطر مظاهر التصعيد كان استخدام العنف كأداة تهجير. تحت غطاء الحرب على غزة، استغلّ المستوطنون حالة الانفلات الأمني، وشنّوا هجمات على مجتمعات فلسطينية معزولة، ما أدى إلى إفراغ 20 تجمعًا سكانيًا على الأقل، سبعة منها بشكل كامل. وترافقت تلك الهجمات مع ممارسات تنكيل مباشر: تكبيل الأهالي، تهديدهم بالسلاح، تخريب المنازل والمدارس، وقطع الطرق المؤدية إلى الماء والغذاء. هذا الواقع يُوصف اليوم – بحق – بأنه تطهير عرقي زاحف، يجري بهدوء وصمت مريبين.

سياسات حكومة الاحتلال ومساهمتها في تصعيد إرهاب المستوطنين

الحكومة الحالية لدى الاحتلال – التي تشكلت مطلع عام 2023 – تُعدّ من أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الكيان، حيث تعتمد بشكل أساسي على أحزاب اليمين الاستيطاني الديني، وتمنح شرعية سياسية وأمنية للاعتداءات الاستيطانية. إن ممارسات الحكومة، سواء بالصمت أو بالفعل، ساهمت بشكل مباشر في تعاظم هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

أولًا، بالنظر إلى تركيبة الحكومة نفسها، فإن وزراء بارزين فيها هم من قلب الحركة الاستيطانية الأيديولوجية، ويمنحون دعما علنيًا ومباشرًا لما يسمونه "أعمال انتقامية" ضد الفلسطينيين. الوزير في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، الذي يتولى حقيبة المالية، والوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يسيطر على وزارة "الأمن القومي"، هما من أبرز الشخصيات التي توجهت إليهما أصابع الاتهام دوليًا كجهات تحريضية تؤجج الاعتداءات على الفلسطينيين.

كلاهما استخدم خطابًا يدعو إلى ترحيل الفلسطينيين، وتبرير اعتداءات المستوطنين، والدعوة إلى السيطرة الكاملة على أراضي الضفة الغربية، وهو ما شكّل تحريضًا مباشرًا في نظر العديد من الدول. هذه الرسائل من رأس الهرم السياسي أوصلت للمستوطنين الميدانيين إشارات واضحة: الآن هو الوقت المناسب "لتطهير الأرض" من الوجود الفلسطيني، دون محاسبة.

ثانيًا، يظهر التواطؤ في غياب الردع القانوني والمحاسبة. نسبة القضايا التي تُفتح ضد المستوطنين على خلفية اعتداءاتهم في الضفة الغربية ضئيلة للغاية، وغالبًا ما تُغلق بدون تقديم لوائح اتهام. عشرات الحالات التي وثّقتها منظمات حقوقية بيّنت أن شرطة الاحتلال لا تحقق بجدية في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وتكتفي بتصنيفها كـ"أعمال غير معروفة المنفذ". حتى في الحالات النادرة التي يتم فيها تقديم لائحة اتهام، غالبًا ما تُعقد صفقات تخفف من العقوبة أو تلغيها بالكامل، ما يعزز شعور المستوطنين بأنهم فوق القانون.

ثالثًا، بعد 7 أكتوبر، سارعت حكومة الاحتلال إلى تسليح المستوطنين. وزير "الأمن القومي" بن غفير أعلن توزيع آلاف البنادق من طراز M16 على ما يسمى "فرق الأمن المحلية" في المستوطنات، بحجة "تعزيز الأمن"، وقد جرى توزيع آلاف القطع خلال أسابيع قليلة، إلى جانب سترات واقية وخوذ عسكرية. أيضًا، ارتفع عدد تراخيص حمل السلاح بشكل قياسي، وتحوّلت المستوطنات إلى ثكنات مسلحة غير خاضعة لأي رقابة.

بل إن جيش الاحتلال نفسه أعاد تفعيل ما يسمى بـ"كتائب الحماية الإقليمية" التي ضمّت آلاف المستوطنين، بعضهم أصحاب سجل جنائي في اعتداءات سابقة على فلسطينيين، وتم تزويدهم بالسلاح بشكل منظم. هذه الكتائب تعمل بالتوازي مع قوات الجيش النظامي، وفي كثير من الحالات تتحرك معه على الأرض في قرى فلسطينية، وتشارك في الاعتداءات أو توفر غطاء لها.

رابعًا، على المستوى السياسي، الحكومة مستمرة في توسيع الاستيطان، وتضخ مليارات الشواقل لتوسيع البنية التحتية الاستيطانية ومصادرة أراضي الفلسطينيين. وقد شهدت هذه الفترة تسريعًا في عمليات "شرعنة" البؤر الاستيطانية العشوائية، إلى جانب تخصيص ميزانيات خاصة لحماية المستوطنين وتسهيل اعتداءاتهم. السياسات هذه ليست فقط دعمًا غير مباشر، بل هي بمثابة تفويض رسمي للمستوطنين لإدارة الأمن بأنفسهم، وهو ما يعكس تآكل مفهوم سيادة القانون، وتحويل الضفة الغربية إلى مساحة مفتوحة لهيمنة الميليشيات الاستيطانية، تحت مظلة الحكومة.

أبرز السياسيين في حكومة الاحتلال الداعمين للمستوطنين

من بين الشخصيات السياسية التي تمنح غطاءً مباشرًا أو غير مباشر لإرهاب المستوطنين، تبرز عدة أسماء معروفة بانتمائها الأيديولوجي العميق للحركة الاستيطانية. هؤلاء لا يكتفون بالصمت عن الجرائم، بل يشاركون في شرعنتها وتوفير الموارد لها، بل ويُعتبر بعضهم رموزًا لدى المجموعات الأكثر تطرفًا بين المستوطنين.

إيتمار بن غفير والذي  يشغل منصب "وزير الأمن القومي" في حكومة الاحتلال، وهو مستوطن من سكان كريات أربع في الخليل، ومن أتباع فكر الحاخام الإرهابي مئير كاهانا. في شبابه، أُدين بالتحريض العنصري والانتماء لمنظمة إرهابية. وكان يحتفظ في منزله بصورة باروخ غولدشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويصفه بـ"البطل".

بن غفير هو الشخصية الرسمية الأبرز التي تربطها علاقة عضوية بالعنف الاستيطاني، إذ يُشاهد باستمرار مسلحًا في مواقع الهجمات، ويلتقط الصور إلى جانب المستوطنين المهاجمين، ما يعزز شعورهم بالحصانة والتفويض. هو الذي يقود مشروع تسليح المستوطنين، ويُشرف على تدريب ما يسمى بـ"قوات الحماية المجتمعية"، والتي تحولت في الواقع إلى ميليشيات هجومية ضد القرى الفلسطينية. كما أعلن مرارًا أنه "لن يسمح لأي فلسطيني بالبناء دون تصريح"، ودعا إلى سحب الإقامات من أسرى محررين وملاحقتهم إداريًا.

بتسلئيل سموتريتش وهو وزير المالية و"وزير في وزارة الجيش" مسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية. مستوطن من مستوطنة "كدوميم"، نشأ في صفوف الصهيونية الدينية، واعتُقل في 2005 على خلفية محاولة تنفيذ عمل تخريبي ضد خطة "فك الارتباط". أعلن في تصريحات موثقة أن "حوّارة يجب أن تُمحى"، بعد تنفيذ عملية فلسطينية ضد جنود الاحتلال، وهو التصريح الذي أثار موجة استنكار دولية، لكنّه عاد وقال إن "الدولة فقط هي من يجب أن تمحوها، وليس الناس"، وكأنّه يحدد الجهة المخوّلة بالتطهير العرقي.

سموتريتش مسؤول مباشرة عن تعزيز السيطرة الاستيطانية، ومن خلال منصبه في وزارة الجيش، يُشرِف على المشاريع الاستيطانية الجديدة، وينسق مع "مجالس المستوطنات" لترسيخ واقع الضم الفعلي في الضفة. خلال ولاية الحكومة الحالية، أُعلن عن آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، وجرى ضخّ موازنات بمئات الملايين لبناء طرق التفافية خاصة بالمستوطنين، من شأنها تقطيع أوصال القرى الفلسطينية.

أوري ستروك وهي وزيرة في وزارة "المهام القومية"، ومن مستوطنة في الخليل. لها تصريحات متكررة تبرر عنف المستوطنين، وتدّعي أن "ما يحدث هو نتيجة لتقاعس الدولة عن حماية اليهود"، كما دافعت عن ابنها الذي أُدين سابقًا في اعتداء عنصري ضد فلسطيني. تُعدّ من الأصوات الداعية لتوسيع "صلاحيات الحاخامات" في الجيش، ودعم التعليم الديني الاستيطاني المتشدد، والذي يُغذّي بدوره الفكر العنصري ضد العرب.

أعضاء كنيست آخرون – مثل ليمور سون هار ميلخ، أرملة مستوطن قُتل في عملية فدائية، والتي دعت إلى تكرار "الردود الشعبية" في القرى الفلسطينية، وزميليها – تسفيكا فوغل وأفي ماعوز – اللذان وصفا العمليات الانتقامية في القرى الفلسطينية بأنها "وسيلة ضرورية لإعادة الردع".

هذه الشخصيات لا تنشط فقط في الإعلام والتحريض، بل هي التي تدفع فعليًا بالتشريعات التي تحمي المستوطنين، وتُعيق أي مساءلة قانونية لمرتكبي الجرائم، وتقود مسار تحويل مؤسسات الاحتلال إلى أداة بيد المستوطنين. وجودهم في الحكومة يُشكّل ذروة التلاقي بين رأس السياسة الرسمية وبين المشروع الاستيطاني الإرهابي.

كيف يساعد القانون الإسرائيلي المستوطنين؟

في الضفة الغربية المحتلة، تُطبق منظومتان قانونيتان منفصلتان: واحدة للفلسطينيين وأخرى للمستوطنين. الفلسطينيون يخضعون للقانون العسكري للاحتلال، الذي يفرض عليهم أحكامًا قاسية ومحاكمات عسكرية، بينما يتمتع المستوطنون الإسرائيليون – حتى لو كانوا يعيشون خارج حدود "الخط الأخضر" – بامتيازات القانون المدني الإسرائيلي. هذا التمييز الجوهري يُنتج بنية قانونية غير عادلة تُكرّس التفوق العرقي والتمييز البنيوي، ويمنح الحصانة الفعلية للمستوطنين من المساءلة.

أولًا، معظم التحقيقات التي تُفتح ضد مستوطنين ارتكبوا اعتداءات على فلسطينيين تُغلق دون تقديم لوائح اتهام. ومن الحالات القليلة التي تصل إلى المحكمة، يتم غالبًا إلغاء التهم أو الاكتفاء بعقوبات رمزية لا تتناسب مع حجم الجريمة. نسبة الإدانة في الجرائم الأيديولوجية ضد الفلسطينيين تُعتبر شبه معدومة، ما يُرسل رسالة واضحة للمستوطنين: أنتم خارج إطار المحاسبة.

ثانيًا، الشرطة الإسرائيلية وقوات الاحتلال تتعامل مع اعتداءات المستوطنين على أنها "شجارات" أو "احتكاكات"، وتتجاهل البعد المنهجي المنظم لهذه الجرائم. كما أن وحدات الشرطة في المستوطنات ليست ملزمة بتوفير الحماية للفلسطينيين، وإنما تُنسّق بشكل دائم مع المليشيات الاستيطانية، وتتعامل معها كـ"جهة محلية مسؤولة".

ثالثًا، هناك غطاء سياسي – قانوني رسمي – يُستخدم لحماية المستوطنين، تحت عناوين مثل "الدفاع عن النفس" أو "حماية الأمن القومي". وبموجب ذلك، تحوّلت حالات الاعتداء المسلح على فلسطينيين – حتى الأطفال منهم – إلى "أحداث ميدانية"، لا يتم التحقيق فيها أبدًا أو يُبرَّر مرتكبوها بأنهم "ظنوا أن هناك تهديدًا".

رابعًا، في السنوات الأخيرة، شهدت "الكنيست" موجة من التشريعات التي تهدف إلى تحصين عناصر قوات الأمن والمستوطنين من الملاحقة القانونية، من خلال سنّ قوانين تمنح الحصانة لـ"أعمال وقعت في إطار العمليات الأمنية"، أو تقضي بتخفيف العقوبات إذا كان الفاعل "تحت ضغط نفسي بسبب أعمال عدائية سابقة".

خامسًا، في جهاز القضاء نفسه، هناك قضاة محسوبون على التيار الاستيطاني، أو يعبرون في تصريحاتهم وأحكامهم عن تعاطف أيديولوجي مع مرتكبي الاعتداءات. في بعض القضايا، تم توجيه الانتقاد للقضاة بسبب إطلاق سراح المستوطنين "بدون قيد أو شرط"، رغم وجود توثيق مصور لاعتداءاتهم.

عودة ترامب ودورها في تمكين المستوطنين

عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة في يناير 2025، بعد فوزه بالانتخابات، مثّلت لحظة احتفال بين أوساط المستوطنين والحكومة اليمينية المتطرفة في كيان الاحتلال. بالنسبة لكثير من قادة المشروع الاستيطاني، فإن ترامب ليس فقط رئيسًا صديقًا، بل هو حليف أيديولوجي يُنظر إليه كـ"شريك في الخلاص"، وقد عبّروا عن ذلك صراحة خلال حملته الانتخابية الثانية.

واحدة من أولى خطوات ترامب بعد توليه منصبه كانت إلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس السابق جو بايدن على شخصيات إسرائيلية مرتبطة بإرهاب المستوطنين، وعلى منظمات تعمل على توسيع البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية. وكانت إدارة بايدن قد أعلنت هذه العقوبات في محاولة للضغط على حكومة الاحتلال لكبح جماح المستوطنين، غير أن إدارة ترامب الجديدة ألغت هذا الإجراء خلال الأيام الأولى لتسلمها الحكم، ما بعث برسالة مباشرة للمستوطنين: "أنتم لستم وحدكم".

ترامب نفسه لم يُخفِ إعجابه بالمستوطنين، ووصفهم في عدة مناسبات بـ"الرواد الشجعان"، بينما أبدى تفهمًا علنيًا لما أسماه "حقهم في الدفاع عن أنفسهم"، متجاهلًا تمامًا اعتداءاتهم اليومية على الفلسطينيين. كذلك، عيّن شخصيات يمينية متطرفة في مواقع حساسة تتعلق بالسياسة الخارجية، من بينها السفير الأمريكي في كيان الاحتلال، الذي يُعد من أبرز الداعمين لحركة الاستيطان، وله علاقات شخصية مع قادة مستوطنات كبرى في الضفة.

علاوة على ذلك، تُروَّج في أوساط اليمين المسيحي الإنجيلي في الولايات المتحدة – وهو القاعدة الانتخابية الأهم لترامب – رؤية لاهوتية ترى في احتلال الضفة الغربية وتهويد القدس "تحقيقًا لنبوءة الكتاب المقدس"، وترى في الفلسطينيين "شعبًا غريبًا لا حق له في الأرض المقدسة". هذه النظرة تُضفي على المشروع الاستيطاني بُعدًا دينيًا عالميًا، وتمنح المستوطنين شرعية خارجية تتجاوز حدود الكيان.

في ظل هذه الخلفية، شعر المستوطنون بتحرر أكبر من أي مساءلة دولية. الصحافة الغربية التي كانت تنتقد اعتداءات المستوطنين تراجعت، والإدانات من قبل الدول الأوروبية لم تعد تجد لها صدى في البيت الأبيض، والاحتلال استعاد الثقة بأن واشنطن لن تمارس ضغوطًا لوقف التوسع الاستيطاني، ولا لردع ميليشيات الإرهاب اليهودي.

وقد ترجم المستوطنون هذا المناخ فورًا إلى فعل على الأرض: تسارع في الاستيلاء على الأراضي، ارتفاع في عدد الهجمات، ازدياد ثقة في التعامل مع الجيش على قدم المساواة، وتراجع مستوى الخوف من المتابعة القانونية أو الإعلامية. لقد شكّلت عودة ترامب، عمليًا، مظلة حماية دولية جديدة لرأس المشروع الاستيطاني، بعد سنوات من القلق النسبي من موقف إدارة بايدن.

 

عنف المستوطنين: الحكومة والقانون والأيديولوجيا

إن موجة الإرهاب التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023 لم تكن طارئة، بل هي النتيجة الطبيعية لتلاقي ثلاث قوى: حكومة استيطانية تمنح الشرعية للعنف، بنية قانونية تحمي المجرمين وتُدين الضحايا، وأيديولوجيا دينية تُضفي على القتل والترويع طابعًا مقدسًا. أضيف إلى ذلك الغطاء الدولي الجديد المتمثل في إدارة ترامب، لتكتمل صورة نظام استعمار إحلالي عنصري، يُمارس تطهيرًا عرقيًا ممنهجًا بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

إن ما يجري في الضفة الغربية ليس "احتكاكًا"، ولا هو "رد فعل على الإرهاب"، كما تدّعي الرواية الصهيونية، بل هو سياسة منسقة هدفها إفراغ الأرض من سكانها الأصليين، وتحويلها إلى مجال حيوي للمشروع الاستيطاني، بكل ما يتطلبه ذلك من عنف ودم ودمار. المستوطنون ليسوا "أفرادًا منفلتين"، بل هم جزء من منظومة متكاملة، تبدأ من وزراء في الحكومة، وتمرّ بقضاة وضباط، وتنتهي بمستوطن في الميدان يُطلق النار على راعٍ أعزل أو يحرق بيتًا نائمًا.

أمام هذا الواقع، فإن الصمت الدولي، والتطبيع العربي، والتواطؤ الإعلامي، جميعها عوامل تُشجّع استمرار هذا الإرهاب. لذا، فإن واجب القوى التحررية في فلسطين والمنطقة والعالم هو تسمية الأشياء بأسمائها: ما يجري هو إرهاب دولة – برعاية القانون والدين والسياسة، والمستوطنون هم أدواته التنفيذية. والمطلوب ليس فقط فضحه، بل مقاومته بكل أشكال النضال المشروع.