ترجمة الحدث
نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرًا مطوّلًا تناولت فيه ما وصفته بالتحول الجذري في موقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تجاه ملف “قانون التجنيد” الخاص بالحريديم، وهو الملف الذي مثّل على مدى شهور طويلة قنبلة موقوتة داخل الائتلاف الحاكم، قبل أن يتعامل معه نتنياهو أخيرًا باعتباره أزمة وجودية تهدد بقاء حكومته.
ووفقًا للتقرير، فإن نتنياهو انتهج منذ البداية سياسة المراوغة في هذا الملف، حيث تجنّب المشاركة في النقاشات الرسمية الخاصة به، وفضّل التعامل معه كقضية هامشية، معتبرًا أن الضجة المثارة حوله ليست سوى حملة سياسية تستهدف حكومته تقودها حركات معارضة مثل “كابلان” و”الإخوة في السلاح”. غير أن هذه المقاربة انهارت تدريجيًا مع تزايد الضغط الداخلي من الأحزاب الدينية الحريدية، التي رفضت أي مساس بإعفاء أبنائها من الخدمة العسكرية، ومع تنامي الغضب الشعبي الذي حمّل الحكومة مسؤولية تقويض مبدأ “تقاسم الأعباء” في ظل الحرب المستمرة على غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن اللحظة الفاصلة التي دفعت نتنياهو لتغيير موقفه جاءت عقب لقاءات مكثفة مع قادة المستوطنين، الذين حذّروه من تداعيات ترك الملف معلقًا، إلى جانب الرسائل التي وصلت إلى مكتبه من قيادات داخل المجتمع الحريدي نفسه، والتي أوضحت أن حالة الاحتقان تجاوزت حدود المساومات السياسية التقليدية، وأن استمرار التهرب من الحسم سيؤدي إلى انهيار التفاهمات مع الكتل الدينية.
ويفصّل التقرير سلسلة من التطورات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، أبرزها قرار نتنياهو إقالة رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين في 27 يوليو، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لاسترضاء الحريديم وضمان السيطرة على مسار النقاشات داخل اللجنة. لكن رغم عقد أكثر من 44 جلسة لبحث القانون، لم يحقق أي تقدم ملموس، بسبب تمسك الأحزاب الدينية برفض أي صيغة جديدة من شأنها زيادة أعداد المجندين من صفوفهم.
كما تناول التقرير مقترح وزير جيش الاحتلال الذي وصفته الصحيفة بـ”الدراماتيكي”، حيث دعا إلى تجنيد ما بين 7 إلى 10 آلاف من طلاب المدارس الدينية استجابةً للظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب، وهو مقترح اصطدم بمعارضة شرسة من أطراف داخل الائتلاف، التي رأت فيه محاولة لتعزيز مكانة غالانت السياسية على حساب نتنياهو. وقد أدى هذا الخلاف، وفق التقرير، إلى تصعيد داخلي شمل إقالات وتغييرات في مواقع حساسة ضمن مؤسسات الحكومة، في مسعى للحفاظ على تماسك الائتلاف.
ويشير التقرير إلى أن نتنياهو، رغم تحركه المتأخر، استطاع احتواء الأزمة مرحليًا، إذ تمكن من الحفاظ على استقرار حكومته وتجنب انهيار الائتلاف، دون التوصل إلى تسوية نهائية حول قانون التجنيد. وبذلك، واصل الحريديم التمسك بموقفهم الرافض لتجنيد واسع النطاق لأبناء طائفتهم، حتى في ظل الأوضاع الأمنية التي توصف بأنها الأخطر منذ عقود، فيما اكتفى نتنياهو بترتيبات سياسية مؤقتة تمنع تفكك حكومته.
وتخلص يديعوت أحرونوت إلى أن هذه الأزمة تكشف عمق التناقض بين الاعتبارات الأمنية التي تفرضها الحرب وحاجة جيش الاحتلال الماسة إلى تعزيز صفوفه، وبين الحسابات السياسية الضيقة التي تدفع نتنياهو إلى تقديم بقاء حكومته على أي إصلاح حقيقي في ملف التجنيد. كما تؤكد أن الحكومة الحالية عالقة في معادلة شديدة التعقيد: إما مواجهة الغضب الشعبي وإجراء تغييرات حقيقية في قانون التجنيد، أو الرضوخ لمطالب الحريديم لضمان تماسك ائتلاف يعتمد على أصواتهم في الكنيست.