الحدث الإسرائيلي
زعم مركز ديان للدراسات والأبحاث الإسرائيلي بجامعة تل أبيب أن هناك محاولات مغرضة لإثارة التوتر بين القاهرة وتل أبيب لـ"أسباب مريبة".
وجاء في الدراسة التي أعدها المركز البحثي الإسرائيلي ونشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن سلسلة تقارير - مشكوك في مصداقيتها - حول استعدادات مصر المتسارعة للحرب ضد إسرائيل، يجب أن تُثير قلقاً بالغاً لدى من يُقدّرون العلاقات مع مصر، ولدى كل من لا يريد تدهوراً في حرب لا طائل منها
وقال الدكتور مايكل ميلستين، رئيس منتدى الدراسات العربية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، إنه قد نُشرت تحذيرات عديدة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول "مؤامرة سوداء" تتطور من مصر، من انتهاكات صارخة لاتفاقية السلام، إلى حشد عسكري ضخم في سيناء دون تنسيق مع إسرائيل، إلى استعدادات متسارعة لشن حملة ضدها.
وأوضحت الدراسة العبرية أنه بنظرة مُركزة تكشف عن نتيجة مُريبة تتعلق بمصادر التقارير وموثوقيتها، فمعظم الصحفيين والمُعلقين الإسرائيليين الذين يُحذرون من مصر ينتمون بوضوح إلى اليمين اليهودي المتشدد، ومصادر تحليلاتهم غامضة، وتفتقر في الغالب إلى الاعتماد على مصادر سياسية وعسكرية رسمية.
وتابع: "هذا يُشبه رسالة معاد إرسالها، حيث يقتبس الجميع أقوال بعضهم البعض دون التساؤل عن المصدر ومدى موثوقية التقارير، وغالبًا ما يُقدّم المُبلّغون أنفسهم على أنهم استخلصوا درس السابع من أكتوبر وطبّقوه جيدًا، ويُعرّفون الوضع الراهن فيما يتعلق بمصر بأنه المفهوم الجديد، لكن غالبيتهم العظمى، بالمناسبة، لم يُثروا أي ضجة أخرى عشية السابع من أكتوبر، بل أشاد بعضهم بالترتيبات في غزة، مُوضّحين أن إسرائيل تردع حماس".
وأضاف: "هذا يستدعي إثارة قلق الإسرائيليين، ليس بالضرورة بسبب هجوم وشيك، بل بسبب محاولة مُتعمّدة لإثارة التوتر بين القاهرة وتل أبيب لأسباب مُريبة، ففي هذا السياق، يُبرز تذكيرٌ بالغ الأهمية من الماضي القريب بشأن قضية قطر جيت.. فوفقًا لما ورد، سعت قطر إلى تحسين صورتها كوسيط ناجح مع تشويه سمعة مصر، وفي هذا الإطار عملت أيضًا على نشر معلومات كاذبة حول نوايا القاهرة العدوانية ضد إسرائيل، وتبيّن أن هذه التقارير، بما فيها تلك التي تناولت هجومًا تدريبيًا مصريًا على مفاعل ديمونا، مجرد أخبار كاذبة، أو لفّ مواد قديمة وُصفت بأنها أدلة على التحضيرات للحملة".
وأستطرد المحلل السياسي الإسرئايلي في دراسته قائلا: "في الواقع، تتدهور العلاقات مع مصر بالفعل، ويعود ذلك أساسًا إلى قلق الأخيرة من نية إسرائيل حل مشكلة غزة على حسابها بدفع سكانها إلى سيناء، وتفاقمت المخاوف من (المؤامرة الإسرائيلية) مؤخرًا في ضوء خطة احتلال مدينة غزة وتجميع معظم سكانها في منطقة صغيرة جنوب قطاع غزة، فضلًا عن الحماس الذي أبداه نتنياهو لمشروع (أرض الميعاد) (الذي يشمل أراضي في دول عربية، بما فيها مصر)، والمقابلة التي أجراها مع قناة (أبو علي إكسبرس) على تليغرام، والتي اتهم فيها القاهرة بكبح الهجرة من غزة (مما أدى إلى تعقيد العلاقات بين الدول)، بالإضافة إلى اقتراح الوزيرة جيلا جمليئيل منذ بداية الحرب (وحتى قبلها) بإقامة دولة فلسطينية في سيناء، والذي اعتبرته القاهرة تهديدًا خطيرًا".
علاقة متذبذبة وانعدام ثقة عميق..
وأضاف الدكتور مايكل ميلستين: "ترافق الأزمة الحادة في العلاقات مع علاقة متذبذبة وانعدام ثقة عميق بين قيادتي البلدين، ونشوء سوء تقدير مأساوي، وديناميكية خطيرة تؤدي إلى حروب حتى عندما لا ترغب الأطراف المعنية في صراع.. ويبدو أن إسرائيل تُفسّر حالة التأهب العسكري المصري المتزايدة استعدادًا لمواقف متطرفة محتملة (لا سيما خرق الحدود مع غزة وتدفق جماعي إلى سيناء) على أنها استعداد لهجوم، مما يؤدي إلى حالة تأهب وتهديد من جانب إسرائيل، ويؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل قد يؤدي إلى احتكاكات، بما في ذلك احتكاكات أمنية، قد تصل إلى حد تقويض اتفاقية السلام بين البلدين، وكل هذا على الرغم من توقيع صفقة ضخمة مؤخرًا لتوريد الغاز من إسرائيل إلى مصر، والتي يُفترض أنها ستُخفف من تدهور العلاقات".
وأضاف: "في غضون ذلك، يجب الانتباه إلى التهديدات غير المُتخيلة أو المُختلقة من مصر، وعلى رأسها تهريب الأسلحة المكثف من سيناء إلى غزة وإلى الأراضي الإسرائيلية، والذي غالبًا ما يتم باستخدام طائرات بدون طيار. كما هو الحال في مسار فيلادلفيا، الذي كان قناةً مركزيةً حوّلت حماس من خلالها جيشًا عبر تهريب الأسلحة قبل 7 أكتوبر، فإن التهريب الحالي ينبع أيضًا من مزيج من عدم الكفاءة وغض الطرف، وقد يُسهم التنسيق الوثيق والثقة بين الدول في القضاء على هذه الظاهرة، وكما هو الحال دائمًا، يُنصح بمشاركة واشنطن، راعية اتفاقية السلام".
وقال: "في أكتوبر 1973 و2023، كان صناع القرار السياسي والأمني مُشبعين بالثقة بالنفس واحتقار العدو، مما أدى إلى خلق مفاجآت استراتيجية وصدمات وطنية بأيديهم. ويعكس أكتوبر 2025 تحديًا آخر، لا يقل خطورة، يتمثل في الإصرار على خلق التهديدات، حيث ينبع هذا من مزيج من المصالح المشبوهة وأنماط العمل اللاحقة للصدمة، والاعتماد حصريًا على استخدام القوة، والتصرف بناءً على تحليل قدرات الطرف الآخر، دون (تشويش الذهن) بفك رموز نواياه.. هذا نموذجٌ فريدٌ من التصورات، يجمع بين الرغبات القلبية والأيديولوجيات والارتياب (الشك - وإن كان من النوع غير الصحي)، وكل هذا يُظهر مجددًا الحقيقة المُحزنة المتمثلة في أن جذور تصور 7 أكتوبر لم تُدرس جيدًا في إسرائيل".
وأضاف: "يتطلب التوتر المتصاعد والخطير مع الدولة صاحبة أقوى جيش في العالم العربي توضيحاتٍ من رئيس الوزراء والجيش الإسرائيلي، فعادةً ما يكون الغموض والحفاظ على التنسيق خلف الكواليس أمرًا بالغ الأهمية، ولكن في وضعٍ أصبحت فيه استعدادات مصر للحرب (أمرًا واقعًا) وهناك قلق متزايد من تزايد الاحتكاك معها، فإن رد الفعل الشعبي مطلوبٌ بشدة، ومن الأفضل أن تكون الرسالة تصالحيةً بدلًا من رسالةٍ عدوانيةٍ وتهديدية".
وأضاف الدكتور ميلستين، أن الانتقال الحاد من الرضا عن النفس و"الاحتواء" إلى استعراض القوة في كل موقفٍ وزمان - وهو ما أصبح استراتيجيةً إسرائيليةً في الأشهر الستة الماضية - قد يُفضي إلى حربٍ أخرى غير ضرورية.